بقلم: علي محمد فخرو* عندما بنت سلطات الكيان الصهيوني جدار الفصل العنصري وقلبت الضفة الغربية من فلسطينالمحتلة إلى سجن كبير وعندما استمرت في عملية قضم لصوصي لأرض الضفة الغربية مدان من قبل العالم كله ومتعارض مع كل الحقوق والقيم الإنسانية وذلك لبناء مستعمرات استيطانية للأغراب على حساب أصحاب الأرض وكيانهم الحقوقي المعترف به من قبل كل دول العالم وعندما ظلت تتحدى العالم بسجن الألوف من شباب وأطفال عرب فلسطين وهدم البيوت واقتلاع الأشجار واستباحة غزة وأهلها.. عندما مارست تلك السلطات الاستعمارية العنصرية كل تلك القبائح الهمجية اعتبرناها تمارس أبارثهايد لا أخلاقيا مماثلا للأبارثهايد الذي مورس في جنوب إفريقيا. اليوم تنتقل سلطات ذلك الكيان إلى مستوى أعلى في ميزان الشرور الشيطانية إنها بقوانينها الجديدة وعلى الأخص قانون الدولة القومية اليهودية تهيئ الأجواء لممارسة رذائل التحقير والاستعباد للإنسان العربي الفلسطيني ولاجتثاث وجوده المادي والمعنوي في كل الأرض الفلسطينية بل في كل منافي ومخيمات لجوئه البائسة. هذه هي الصورة التي تغيب عنها الأخلاق والقيم الإنسانية ومشاعر التضامن البشري وكل وحي جاءت به الديانات السماوية. يغيب الله في ذلك المشهد لتحل محله الشياطين وهي ترقص وتغوي وتزين. لسنا معنيين بسلطات الكيان الصهيوني التي أصبحت تجسد عقلية المافيا التي لا تعرف إلا صنعة القتل والابتزاز واللصوصية. لقد فقدنا الأمل في أن توجد لديها صحوة ضمير أو حتى أقل التزام بأي عرف دولي. هذا كيان أصبح خارج المجتمع البشري إذ يهذي بأنه شعب الله المختار المميز. ولسنا معنيين بالاعتماد على الحس الإنساني واحترام المواثيق الدولية وحقوق الإنسان عند أمريكا أو أوروبا أو روسيا أصحاب النفوذ النسبي لدى الكيان الصهيوني فهؤلاء لا يعرفون إلا المصالح النفعية حتى لو قامت على أشلاء الدول والمجتمعات والبشر. تاريخهم وتجارب العرب يشهدان على ذلك. لكن ماذا عن الفلسطينيين وإخوانهم العرب؟ فإذا كان ذلك لا ينهي كل صراع وكل خلاف وكل انقسام مصلحي وكل مماحكة بين كل فصائل الفلسطينيين وأحزابهم وأفرادهم ودياناتهم وأيديولوجياتهم فإننا لن نستطيع إلا الحكم بأن ضحية الاغتصاب الصهيوني بدأت ترضى الاغتصاب السياسي والثقافي والوجودي وتتلذذ به وتطلب المزيد. لن نجامل بعد الآن ولن نتستر على حفلات الزار والجنون والبلادات والهمز واللمز والكوميديات فقد تعب الشعب الفلسطيني من تقديم التضحيات بينما يقوده البعض من محنة إلى محنة. وإذا كان كل ذلك لا يقنع العدد المتزايد من الحكومات العربية المتجهة نحو التطبيع بصور علنية وسرية بأن سلطات هذا الكيان وقسما كبيرا من مؤسسات المجتمع المصطنع الذي أقامه كانوا ولا يزالون يتحدثون عن اغتصاب ممتلكات المواطنين الفلسطينيين واقتلاعم من وطنهم وترحيلهم خارج ذلك الوطن والتمييز ضدهم في الحقوق الإنسانية كلها تمهيدا لإخراجهم من التاريخ وجعل حاضرهم جحيما لا يطاق وإدخال مستقبلهم في مهب الريح أي التنفيذ الكامل للأيديولوجية الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية الاجتثاثية إذا كانت تلك الحكومات لم تقتنع بعد بذلك حتى بعد القرارات الأخيرة بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود فقط وجعل مدينة الإسراء والمعراج حصريا أبديا لهم فإننا لا نلام إن شممنا رائحة التخلي عن التزاماتها القومية العروبية بل الإعلان بأنها لا تنتمي إلى أمة العرب ووطن العرب. وهي بانهائها للمقاطعة السياسية بعد أن نجحت في إنهاء المقاطعة الاقتصادية وبوجود دلائل لاندماجها الاستخباراتي الكامل وتنسيقها الاستراتيجي الأمني المتعاظم تهيئ الطريق لتدمير النظام الإقليمي القومي العروبي في السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن والدين. وإذا كانت مجموعة صغيرة من أفراد هذه الأمة وجلهم في خدمة الاستخبارات ودوائر النفوذ الصهيوني ومن النفعيين لا يرون في القانون الجديد خطرا يستحق مراجعتهم لمواقفهم الجاهلة تماما كما مارسوا العمى عن سبعين سنة من ممارسة الكيان الصهيوني لكل الجرائم والانتهاكات والكذب والتلفيق فإننا إضافة إلى شم الأخطاء والخطايا سنبدأ بشم الخيانة والطعن في الخاصرة وممارسة ثقافة البغاء السياسي. نحن إذن أمام ملحمة كبرى تتنامى بسرعة مذهلة لتصبح تراجيديا قومية وإنسانية كبرى. وهذا العالم يجب أن يخبر بأنه سيتعامل منذ الآن مع جنون صهيوني شمشوني سيدمر نفسه ومعه العالم كله. لا مبالغة في ذلك فالأخطبوط الصهيوني في كل مكان وأدواته المالية والإعلامية والابتزازية في تعاظم. ولذا أصبح الآن واضحا بأن وجود دولة يهودية كما يخطط لها عتاة الصهاينة ومن يناصرهم سيعني أن الأرض العربية لن تنعم قط بالنمو الحضاري والاستقلال والعيش في سلام وتوحد أجزاء مكونات أمتها فهذه الدولة المزمع إنشاؤها لن تسمح بذلك قط. وما عادت مطالبات العالم كله بالإفراج عن المساجين الفلسطينيين أو التقليل من العنف الإرهابي الصهيوني أو تخفيف الحصار عن غزة أو إيقاف الاستيطان الصهيوني أو معاودة المفاوضات تحت تلك المظلة أو تلك أو قبول صفقة القرن الأمريكية الكاذبة الصهيونية في روحها ومضامينها ما عادت تلك المطالبات وتلك الحلول مجدية. ما هناك إلا حل واحد: العمل على قيام دولة فلسطينية موحدة يتعايش فيها المسيحيون والمسلمون واليهود تقوم على أسس ديمقراطية مواطنية بحتة مندمجة ومتناغمة مع محيطها العربي والإسلامي جاعلة القدس محجة مرحبة بكل أتباع الديانات السماوية وبمعنى آخر بلد محبة وسلام. وإلى حين مجيء ذلك الوقت علينا نحن العرب أن نبني سدا منيعا في وجه أي علاقة اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو ثقافية مع ذلك الكيان المجنون وعلينا أن نحاول إقناع المجتمعات المدنية في الغرب على الأخص بمقاطعة هذا الكيان في حدها الأدنى الثقافي والرياضي والعلمي. رجال مثل نتنياهو وليبرمان ودونالد ترامب وكوشنر لن يتراجعوا إلا أمام ذلك السد.