بقلم: أحمد بن السائح** يوم المجاهد هو التسمية المناسبة لهذا اليوم الساطع في تاريخ الثورة التحريرية التي حققت في هذا اليوم الخالد طائفة من الإنتصارات المظفرة بفضل تلك الهجمات الدقيقة المحكمة التنفيذ. كان هذا اليوم الأجل يوما مشهودًا لضرب روائع الأمثال في التضحية والمفاداة والتحدي إنه اليوم الأجل كما ((... جَلَّ فينا جلال نوفمبر)) من قبل.. هو يوم فارق في تاريخ الثورة الثائرة على مظالم الكولونيالية الطاغية باستبدادها الغاصب الذي فرض هيمنته الفاضحة وراح يُوَسِّعُ من دائرة بغيه واستكباره في كل أنحاء الجزائر على مدى قرن وزيادة. جاء يوم 20 أوت 1955 مِ بعد عشرة أشهر من اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة ليكون يوما آخر من يوميات الثورة الخالدة ورافدًا من روافدها الكبرى التي تسندها في السراء والضراء وحين البأس وتجده حاضرًا إلى جانبها في ساعة العسرة أثناء الضيم والإبتلاء. جاء هذا اليوم ليكون يومًا فاصلا في سلسلة المعارك الكبرى التي وضع بذورها رجالات نوفمبر الأُوَلُ وتابع رعايتها رُوَّادُ البطولة وعشاق التحرر والإنعتاق وكان يوم 20 أوت 1955 مِ هو الحلقة الموصولة ببدايات نوفمبر المتألِّق في سماء الجزائر المبتهجة بجهادها ونضالات أبطالها الذين راهنوا على تحرير الجزائر وتخليصها من كل أشكال الإستبداد والطغيان. وكان يوم 20 أوت 1955 مِ هو يوم التحدي الأكبر الذي جرت وقائعه في واضحة النهار وقد وضع بذلكَ أُمَّ الإستدمار على المحك وجعلها أمام خيارين أحلاهما مر وكان الخياران بمثابة التحدي وهو إما أَنْ ترحل وتترك الجزائر أَوْ تتحول هذه الأخيرة إلى مقبرة لقردتها وخنازيرها. وأجبرها أبطال نوفمبر بوساطة تلك الهجومات المظفرة على أن تتجرَّعَ أَيَّ خيار تريده ولكنها في نهاية المطاف لا تكاد تسيغه ويأتيها عنف الشرعية الثورية من كل ربوع الجزائر الثائرة وما هي بعد ذلك بِمَيِّتَة ومن ورائها عنف غليظ. وسيظل ال 20 أوت 1955 مِ منارة من منارات المجابهة والفداء وشاهدًا على البطولة والإقدام بما سجله في سفر الخلود لشهداء الوطن الذين أبلوا البلاء الحسن وتهافتوا على مواكب الإستشهاد ولَمْ يَدَّخِرُوا وسعا في الدفاع عن حرية الجزائر وكانت أنفسهم هي الثمن الذي يستحقه الوطن لتخليصه وتحريره من مخالب العدوان الآثم. ومن ثمة كان هذا اليوم الفارق بمآثره والحاضر على الدوام في الذاكرة بوقائعه ومشاهده الحافلة بالبطولات الشعبية والأعمال الملحمية التي يعتزُّ بها تاريخ الأمم العريقة كما ستظل ذكرى هذا اليوم مرتبطة بِدَحْرِهَا لاستراتيجية العدو وطرحها بالمقابل لبدائل أخرى أربكت حساباته وجعلت تَحَسُّبَاتِهِ تتهاوى بما طَبَعَ عمليات 20 أوت 1955 مِ من سِرِّيَّة تامة وما صاحب ذلك الهجوم من فجائية وجراءة لَمْ تَتْرُكَا للعدو خيارًا لردِّة فعله بالشكل الذي يريده وبالطريقة التي اعتاد بوساطتها نشر الرعب والترويع في أوساط الشعب لأن عنصر المباغتة كان لافتا ولَمْ يكن متوقَّعًا على الإطلاق. ومن ثمة كانت هجومات الشمال القسنطيني تحولا إيجابيا في استراتيجية الثورة التي طالما عانت من الحصار على مستوي المنطقة الثالثة (القبائل) والمنطقة الأولى (الأوراس) بالتحديد التي لَمْ تعد تتحمل أكثر مما تحملت فقد قَلَّتْ مصادر تسليحها التي كانت متوفرة عند اندلاع الثورة وقَلَّ تزويدها بالتموين الذي لَمْ يعد يكفي لسدِّ حاجة جنودها كما شحَّتْ حتى وسائل الإتصال وكادت تنقطع أخبارها بسبب حصارها البالغ الدقة بَلْهَ وضعها على قائمة الأولويات للإعتقاد الساذج لسلطات العدو الذي مفاده: ((التمرد يجب أن يُدْفَنَ حيث وُلِدَ)) !!! وهو اعتقاد لَمْ تُجْدِ معه نفعا حيطة فرنسا وحذرها لأنها ظلت تظن إلى يوم الهجومات المباركة أن التمرد يقتصر على منطقة الأوراس وحدها !!! وما قام به زيغود وصحبه رضوان الله عنهم كان رسالة واضحة إلى فرنسا الإستدمارية بأن الثورة ليست في الأوراس وحده وأن حصار هذا الأخير وإيلائه العناية الخاصة والمزيد من الرقابة المشددة والإفراط في التحسس من ناحيته إلى درجة الإسراف والتَّوَهُّمِ ما هو إلا الوجه الآخر للفزع الشديد الذي تركته ليلة أول نوفمبر بما حققته من نتائج وانتصارات في نفوس السفاحين والقتلة وجعلتهم يتطوحون في أودية الإجرام والإستغراق في لعبة سفك الدماء ونشر الخراب في كل أنحاء الجزائر. صحيح أن الوضع العصيب الذي كانت تَمُرُّ به منطقة الأوراس الأشم أثناء تلك الفترة الحرجة بعد اعتقال قائدها الرمز مصطفى بن بولعيد على الحدود التونسية الليبية كان وضعا استثنائيا كاد يعصف بمصير الثورة وكانت هذه الأخيرة تحتاج إلى تفكير جاد منتج لحلول ناجعة تكسر إستمرارية ذلك الراهن المتأزم الذي طال ليله وكان حتما على القائد الملهم شيهاني بشير أن يفعل شيئا أمام ذلك الإنسداد الخطير الذي أصبح واقعا يفرضه اليأس والقنوط وتكاد تكرسه استراتيجية العدو التي ترى في الأوراس أنه المتهم الأول عن كل الأحداث التي أعقبت أول نوفمبر. ومن هذا المنطلق راسل القائد شيهاني بشير قائد المنطقة الثانية زيغود يوسف وحثه على التحرك والإقدام على فعل أي شيء لفك الحصار على الأوراس وصَدِّ ما يمكن صَدّهُ من المخاطر التي تتهدده ولَمْ يتخلف البطل زيغود وكان في نجدة الأوراس وبرهن على أنه في مستوى القادة البواسل الذين لا يقبلون الضيم ويستجيبون للنصرة أثناء الكريهة وعلى الفور قَرَّرَ أن يشرك الشعب في الدفاع عن نفسه وحماية ممتلكاته بالتصدي للمستدمر ومواجهته بما يتوفر لديه من وسائل صالحة للمقاومة كالمدي والعصي والمناجل والفؤوس والسواطير والمذاري وغيرها من الأسلحة البيضاء وحتى النارية كبنادق الصيد القديمة إن وُجِدَتْ وكانت صالحة للإستخدام. وكان للعامل النفسي أثره الفعال إذ استطاع القائد الفذُّ زيغود أن يُحَرِّرَ الشعب من هاجس الخوف ويُقْنِعَ الجماهير الواسعة بأن قوة الإستدمار محدودة ولن تستطيع أن تتصدى لكل شرائح المجتمع ولا هي قادرة على قمع كل الشعب كما سبق أن فعلت في الثامن ماي 1945 مِ . يتبع..