بقلم: خالد محمود داهمتنا الشتوة الأولى لنستقبل ضيفاً عزيزاً جاد علينا بخيره منحنا فرصة العودة لطبيعتنا تأملنا تفاصيله وتسكعنا برفقته في شوارع المدينة شعرنا بدفء مختلف واستعدنا كل مفردات الجمال وذكريات الحياة. للشتوة الأولى -يا رعاكم الله- نكهتها مذاقها وسحرها الخاص ذكرياتها المحببة للنفوس نشوة الرائحة المنبعثة من القطرات البِكر التي تلتقي بالأرض منذ غياب تثير فينا الأشجان لتاريخ مضى من دفاتر الشوق وكأن رجعة الشتاء تعيدنا إلى دفاتر الماضي ولذكريات قطرات المطر الأولى تنعش فينا الآمال وتجدد الأرواح. داهمتنا شتوة تشرين دون سابق إنذار فالتمت العائلة تسابقنا وأطفالنا إلى النافذة راقبنا هطول حبات المطر مشت عيوننا مع اتجاهاتها وخطوطها المتوازية رأيناها تتهادى لتحط على أيدينا ورؤوسنا تعانق وجوهنا وتبعث البهجة والسكينة في نفوسنا.. تشعرنا بأن المطر اختار أن يستند إلى قلوبنا بعد رحلة طويلة قطعها بين السماء والأرض قارعاً بأنامله نوافذ الأرض ومن عليها.. غسل الجدران المغبرة والأزقة المتسخة والعتبات الصدئة رأينا الغيوم البيضاء الهاربة من ضوء النهار تتهادى في مدارات السماء تسرع الخطى بين البروق والرعود. شاهدنا منظر السيارات المتعطلة تتدحرج في الشوارع وتعرقل حركة السير والمياه التي تدفقت من كل حدب وصوب في بعض الأماكن لكن صور الشتوة الأولى انعكست على مشاعرنا فالمطر -كان ولا يزال- أجمل هدايا السماء التي تبث الأمل في النفوس وتدعو للتفاؤل وتدفعنا لأن نرى الأشياء بوضوح ومن ثم تمحو من دواخلنا قسوة الأشياء. تبقى شتوة تشرين قبلة الفصول المبشّرة بخيرات الأرض رائحة الأمهات اللّواتي ينشغلن بتطييب قلوبنا وأرواحنا رائحة الخوابي وعبق التراب و المطر البِكر ورائحة الشتاء القديم المعتّق.. حكايات الأمهات والجدات وأنفاسهن حطب المشاعر وجمر الحنين عندما تسري أول رعشة برد في عروقنا وأوصالنا. لعله مطراً يغسل أدران قلوبنا ويمسح طبقات الغبار السوداء الكثيفة المتراكمة على أفئدتنا ويجمّل ملامح الصورة البشعة التي رسمتها بقايا العابرين على جراحنا.. لعله مطراً يروي ظمأنا ويبعث الأمل في نفوسنا ويزيل الصدأ عن ضمائرنا! فاصلة: يا مطر تشرين المغترب لا تطل انتظارنا فقلوبنا عطشى إليك!