غابة حقيقيّة تلك هي حقيقة المشهد الشعري التونسي. تنوّع وتدافع وبحث واستقصاء. لا معنى في هذا المشهد للأفضليّة. لا معنى للحيّ والميّت. ولا معنى أيضا للسنّ. أهمّ شيء أن تبتعد كثيرا عن الشعراء الذّين ترسّخهم المؤسّسات وهم نافذون دائما ومستفيدون من كلّ الأزمنة ومن كلّ السياسات، أمّا نصوصهم فإنّها متوقفة جماليا وإبداعيا وفقيرة جدا تقنيّا. أهمّية المشهد الشعري في تنوّعه وفي توزّعه على كلّ ولايات البلاد. نعرف بعضنا في الملتقيات وهي كثيرة في غياب منابر ثقافيّة متميزة مثل المجلات فلا مجلّة للشعر بل ملاحق في بعض الجرائد غير لائقة يقوم عليها شعراء ضعاف الموهبة. ولكن النصوص المختارة هنا هي لشعراء بدؤوا ينشرون كتبهم ويحقّققون وجودهم الخاص ويكتبون أساطيرهم الشّخصيّة. اخترت وساختار مستقبلا من الشعر ما يمثّل السّاحة لا ما يعجبني وذلك لأنّ فهمي للشّعر مفتوح على الاختلاف والتنوّع ولن يكون مقياسي النّوع الذّي اكتبه. تدخلون اذن غابة الحروف التونسية نرجو ان تجدوا، عوض الأشجار التّي تخفي الغابة، الظلّ الذّي يدفعكم لتعمّق الوجود والتّأمل والمساءلة. /////////////////////////////////// ذئاب الأربعين مجدي بن عيسى لاَ تحدِّق في عيونِ الذِئْبِ يا حَمْلَ البرارِي. هُوَ ذا يَرْمُقُكَ الآن فلا تنظرْ إليهِ. وَامْضِ في دربكَ مَحْرُوسًا بذِكرَى أوْ حَنِين. سَيُؤَاخِيكَ على الدُنْيَا فلا تَجْزَعْ، ولا تَحْفَلْ بِأُخْرَى سوف يُغْريكَ بها. أنْتَ لن تَبْرَأَ من شَهْوَتِهِ. وسَيَعْوي كلَّما أوْهَاكَ في الرحلة حزن او أنِين. فَامْضِ في دَرْبِكَ يا حَمْلَ البَرَارِي ، وَاَحْذَرْ التَحْدِيقَ في عَيْنَيْ ذِئَابِ الأرْبَعِينْ. ////////////////////////////////////////////// نخلة محجوب العياري واقف منذ افترقنا عند مفترق القصيد لا نخلة هبّت لتسعفني ولا برق أضاء لي الطريق الى مرافئك البعيدة في الليل تفاجئني يداك : كأنّني أصغي الى كفّيك يرتاحان على كفّي أوشك أن أشدّ على الأصابع أمسك الشمس الوليدة.... و أكاد أبصر صوتك المغسول بالأسرار..... كم أحتاج في حزني الى أقمار سلمى وكم أحتاج في فرحي الى أمطار سلمى وكم أحتاج في أوقات لا حزني ولا فرحي الى كفيك يا سلمى فلا تسحبي كفّيك حتى لا تضيّعني القصيدة منذ آرتحلت أضعتني وأضعت شمسي والقصيدة واقف منذ آفترقنا عند مفترق القصبدة.... ////////////////////////////////////////////////// ثلج على باريس ليوبولد سيدار سنغور ترجمة جمال الجلاصي ربَّنا، زرتَ باريس في يوم مولدكَ هذا لأنّه غدا مسكينا وتعيسا طهّرتَه بالبرْد القارس بالموت الأبيض. هذا الصباحَ، حتّى مداخن المعامل التي تغنّي بانسجام رافعة الرّايات البيضاءَ "السلام على النّاس ذوي الإرادة الطّيّبة"ǃ إلهي، اقترحتَ ثلج سلامك على العالم المقسّم على أوروبا المقسَّمة على إسبانيا الممزَّقة والثّائرُ اليهوديُّ الكاثوليكي أطلق مدافعَه الألف والأربع مائة على جبال سلامك. إلهي، تقبّلتُ بردَك الأبيض الحارق أكثر من الملح ها أنّ قلبي يذوب مثل الثلج تحت الشمس. أنسى الأيادي البيضاء التي كانت تطلق رصاص البنادق المدمّر للإمبراطوريّات الأيادي التي كانت تجلد العبيد وتجلدكَ الأيادي البيضاء المعفَّرة التي تصفعُكَ الأيادي المعفَّرة التي تصفعني الأيادي الثابتة التي أسلمتني للوحدة والكرْه الأيادي البيضاء التي دمّرت غابات التّوت التي تسود إفريقيا، في وسط إفريقيا وسطَ إفريقيا تبدو "السّارا" مستقيمة وصلبة مثل الرّجال الأوائل الذين خرجوا من يديك السّمراوين. قطعتْ غابات إفريقيا لتنقذ الحضارة، لأنهم يفتقرون لمادّة الإنسان الأوّليّة. إلهي، أعلمُ أنّي لن أُخرِجَ اِحتياطي الحقدِ من أجل الدبلوماسيّين الذين يُظهرون أنيابهم الطّويلة والذين سيقايضون غدا اللحمَ الأسودَ. إلهي، لقد ذاب قلبي كالثلج على أسطح باريس تحت شمس رقّتكَ. شمسكَ رقيقة على أعدائي، على إخوتي ذوي الأيادي البيضاء دون ثلج وبسبَبِ أيادي النّدى البيضاء، ليلا، على وجنتيّ الحارقتين. ///////////////////////////////////////////////// أصوات النار سلوى الرابحي فلتأتِ تلك النارُ، وليأتِ الجحيمُ إليَّ، لست أخاف موتي يا سعيرُ أنا الأدوار ألعبها بكلِّ مسارح الطّاغوت ثمَّ أموتُ ها جسدي بلا جوع ولا قهرٍ وصوتي ينهش النّيران، يبلعها ويومض كالعناق، كفكرةٍ مسعورة فليأتِ ذاك الموت ولتأتِ المشيئةُ صارت النّيران صوتي لا تخفْ اقرأ إذن أصواتنا الأولى وكنْ لغة اللّهيب تمرّ بالكلمات عازفةً نشيج الخلقِ اقرأ وجيعتنا،وكن يا سارق النار الحبيبة مثل أرضي حين قالت:انتظر لا موت بعد الموت، النّار العصيّةُ ضُمّها... نضجت جلودك فانتزعها وانثر رمادك في الأنامِ سينبت الجلد الفحيمُ على صخور خصبةٍ صلصالها من حلمنا. إن مرَّ صوت حذو قبرك قائلا: قل ما ال1ي يبقيك حيا في القبور وكيف تعزف لحن موتك ؟ قل: لكم نثرت فراشات رمادي في قلوب مثل قلبي، تلك روحي أينعتْ وانظر إلى الألحان تعزفها عظامي في سكونٍ لا تخف للموت أغنية تقيك من الظّلام فلا تخف ///////////////////////////// الباب عبد المجيد يوسف كانا فقيرين ولم يكن لها بيت من حجر أو طين لكنهما كانا يصنعان من جسديهما شيئا من دفء قليل اشتاقا في يوم لهما بيتا جلسا على عتبة ملقاة على البحر لم يكن وراءهما جدار من حجر أو من طين لكن كان هناك باب ما التفتا لما سمعا حفيفا كان البيت يمرّ //////////////////////////////////////// زيارة جميل عمامي لماذا ترودين هذا الخواء الذي داخلي؟ لماذا تمرين بهذي الدروب التي علقت بها مزق من حياتي؟ لماذا تزورين هذا الخراب وبيتك جنات عدن؟ هل اشتقت للمنبع المر الذي كأسي به مترعة؟ حيرة لماذا إذا مر بي موكب للقصيد تعثرت في غصتي وانكفأت شفيفا كما دمعة في دماء الغروب تلوّح من شرفة راحلة؟ ربيع 2012 قبرة في الأقاصي العلى قبرة هاهنا بينهما ضباب شفيف قلت : تؤرقني هذي الدوائر المقفلة قالت: اقتحم صمتها قلت : مفاتيحها شُّردت في المدى قالت: ضعيف //////////////////////////////////////////////// مكّي الهمّامي صباح الغواية أو أبجديات جديدة للمحو (ألف) أَنا الْوَلَدُ الْمُسْتَبِدُّ بِمَا يَشتَهِيهِ. أَضَأْتُ بُرُوقَ الْغَوَايَةِ بِالرَّفْضِ وَالْمَحْوِ وَالْهَتْكِ. أَبْقَيْتُ بَعْضِي. وَأفْنَيْتُ بَعْضِي. ذَهَبْتُ، إِلَى مَا يُحِبُّ الْمُحِبُّ الْبِدَائِيُّ فِي مَنْ يُحِبُّ. قَرَأْتُ كِتَابِي، عَلَى الْخَلْقِ، مُرْتبِكًا، كَرَسُولٍ خَجُولٍ. وَأَلْقَيْتُهُ فِي مِيَاهِي. وَأَعْليْتُ هَذَا الأُفُولَ، قَمِيصًا لأَصْبَاحِيَ الْقَادِمَهْ... (باء) هِيَ الْغَيْمَةُ الْبِكْرُ، أُطْلِقُهَا، فِي عَرَاءِ الْبِدَايَاتِ. أَنْتَظِرُ الْفَجْرَ، مُحْتَرِقًا. وَأُ غَ مْ غِ مُ، فِي غَمْرَةِ الإِثْمِ : (ثَمَّةَ، فِي دَاخِلِي، نَهَرٌ رَا كِضٌ خَلْفَ أَشْوَاقِهِ فِي الْبَعِيدِ...) صُعُودًا إِلَى النَّبْعِ، أُمْعِنُ فِي حَرْقِ شَمْعِ أُنُوثَتِهَا بِلُعَابِي. أَمُدُّ عَبَاءَةَ جِلْدِي عَلَى جِلْدِهَا. وَأُطَوِّقُهَا بُرْهَةً، عَلَّنِي أُبْصِرُ اللَّهَ عَنْ كَثَبٍ، وَاضِحًا، مِثْلَ زنْبَقَةٍ فِي نَشِيدِي وَأَسْقُطُ بَعْدَ النَّوَافِيرِ مِنْ هَرَمِ الْجِنْسِ، مُ نْ كَ سِ رً ا، فَوْقَ أَشْيَائِيَ الْهَرِمَهْ. (ميم) وَحِيدًا، سَأَغْرَقُ فِي مَا أُرِيدُ. وَأَرْمِي بِشَمْسِي اللَّعِينَةِ فِي شَمْسِهَا، مُوغِلاً فِي صَبَاحِي. وَأُعْلِنُ : (لَيْسَ هُنَالِكَ فِي بَاحَةِ الْقَلْبِ تُفَّاحَةٌ غَيْرُهَا، كَيْ أُمَجِّدَ صَرْخَتَهَا، تَتَفَتَّتُ بَاذِخَةً في جِرَاحِي...) فَرَادِيسُهَا في الْخُرَافَةِ تَطْلُعُ لي، وَجْهُهَا، رُكْبَتَاهَا، مَحَارِقُ شَهْوَتِهَا تَتَهَجَّجُ، سَوْرَةُ أَحْلاَمِهَا تَطْحَنُ الْمَوْتَ فَوْقَ رَصِيفِ الرِّيَاحِ... أُسَمِّيكِ، أَيَّتُهَا الثَّمَرَاتُ الْعَصِيَّةُ، اِمْرَأتِي. أَنْتِ اِمْرَأَتِي. وَأُغَنِّي لِمَا سَوْفَ تُضْرِمُهُ فِكْرَتِي فِي لِحَاهمْ. وَأَسْألُنِي، لَحْظَةً : (مَا الَّذِي تَسْتَطِيعُ الْحَمَامَةُ – يَ؟!)ا صَاحِبِي- فَوْقَ سَبُّورَةِ الأُفْقِ، أَنْ تَرْسُمَهْ (سين) غَرِيبًا، عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، أَعْرِفُنِي. كُلَّمَا شِئْتُ إِشْعَالَ مِسْرَجَةٍ، وَكِتَابَةَ شِعْرٍ يُمَجِّدُ حُزْنِي، وَكَنْسَ جَمِيعِ الْجُثَثْ تَعَثَّرْتُ فِيَّ، وَأَيْقَنْتُ أَنِّي الْحُطَامُ الْمُقِيمُ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ الّتِي كُنْتُ أَحْيَا خَوَاتِمُهَا عَبَثٌ فِي عَبَثْ... لِذَا أَكْتُبُ، الآنَ، فَوْقَ رِقَاعِي الأَخِيرَةِ صَوْتِي : (أَغِثْنِي مِنَ الاِنْحِدَارِ الْبَطِيءِ إِلَى الْمَوْتِ، إِنَّ الزَّمَانَ عَقِيمُ. أَغِثْني مِنِ الْعُمْرِ، أَجْدَبَ يَلْتَفُّ بِي. وأَغِثْنِي مِنَ الشَّنْقِ والصَّلْبِ وَالنَّفْيِ، يَا أيُّهَا الْحُبُّ، يَا سَيِّدِي الْفَوْضَوِيَّ.أَغِثْ شَهْقَتِي، وَيَدَيْهَا تُضِيئَانِ لِي عُزْلَتِي، وَأَوْرَاقِيَ الْوَاهِمَهْ..) (لام) دَمِي لاَ يُصَدِّقُ مَا قَالَهُ اللَّيلُ لِي : (أَيُّهَا الْعَاشِقُ الْوَثَنِيُّ، زَمَانُكَ مُرّْ ... سَتَجْرَحُ، فِي أَوَّلِ الْحُبِّ، قَلْبَكَ هَذَا الصَّغِيرَ بِخِنْجَرِ شَهْوَتِهَا كَالْغَجَرْ ... فَكُنْ مَوْتَكَ الْحُرَّ. وَارْشُقْ غِيَابَكَ بِالْوَرْدِ أَبْيَضَ أَخْضَرَ أَحْمَرَ. واكْسِرْ سَمَاكَ الْحَمِيمَةَ في وَجْهِ هَذَا الضَّجَرْ ..) دَمِي لاَ يُصَدِّقُ، لَكِنَّنِي رَاحِلٌ دَاخِلَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي علَّمَتْنِي الْكِتَابَةَ، مذْ كُنْتُ طِفْلاً وَمَازِلْتُ- فِي لَوْحَتِي الفَاحِمَهْ. (هاء) أُؤَكِّدُ لِلرُّعْبِ، أَزْرَقَ يَعْصِفُ بِي، أَنَّ هَذِي الْقَصِيدَةَ أُنْثَايَ. وَحْدِي، سَأَحْرُسُهَا مِنْ نِهَايَتِهَا، لَكَأَنِّي نَبِيٌّ نُبُوَّتُهُ نَخْلَةُ الْبَدْءِ تُورِقُ، عَالِيَةً، قُرْبَ أَوْتَادِهَا... أُدْمِنُ الصَّمْتَ، لَكِنَّنِي اليَوْمَ، أَحْفِرُ فِي حَجَرِ الصَّمْتِ صَوْتِي السَّمِيَّ، كَأَنِّيَ نَجْمٌ يُشعُّ عَلَى كُلِّ أَبْعَادِهَا... وَأَفْضَحُ، فِي غَفْلَةٍ مِنْ نُعَاسِ الطَّوَاغِيتِ، أَزْمِنَتِي الْجُمْجُمَهْ. (ياء) مَرِيضًا بِهَا، أَتَقَرَّى دَمِي فِي حِجَارِ الْمَكَانِ. وَأَمْضِي إِلى جَمْرِ أَشْيائِهَا، فِكْرَةً لاَ شَبِيهَ لَهَا. وَأُسَمِّي ضَلاَلِي يَقِينًا، لِمَنْ سَوْفَ يَقْفُو خُطَايَ عَلَى عَتَبَاتِ الْقَصِيدِ... أَنَا مَنْ يُضِيءُ مَبَاهِجَهَا. رُبَّمَا، مِنْ عَذَابِ الْوُجُودِ، أُكَوِّنُ صَلْصَالَهَا الْفَذَّ. أَدْعَكُهُ، بَيْنَ كَفَّيَّ، كَامِلَ لَيْلِيَ. أَصْقُلُهُ، جَيِّدًا، بِلِسَاني. وَلَحْظَةَ أُنْهِي مَفَاتِنَهَا كُلَّهَا أَ تَ سَ ا قَ طُ قُدَّامَ أَقْدَامِهَا، رَاكِعًا سَاجِدًا خَاشِعًا، كَالْمُرِيدِ... مِنَ الآنَ، فِي وُسْعِ قِطْعَةِ شَمْعٍ، تُضَوِّئُ وَحْشَةَ أَحْزَانِنَا، أَنْ تَكُونَ عَلَى ظَهْرِ سَجَّانِنَا قَشَّةً قَاصِمَهْ... ////////////////////////////////////////////////////////// : سَماءُ المناجِم خالية من العصافير عادل أحمد العيفة المهمُّ أن تغرِسَ في لحم الفراغ أنيابكَ و تضحكَ ملء الكلماتِ المبتلّةِ بالبِداية حروفُكَ الخضراءُ تتراقصُ مثل فوانيسَ في ليلِكَ النَّائم على النافذة النافذةُ يُثقِلُها حُزنُ العصافيرِ القادِمة من صوتِكَ المُهِمُّ أن تكتُبَ على جبهتِكَ مَسارَكَ و ترْحَلَ إلى جِهَة الشَّمسِ لِتوقِظَ النُّورَ أنْ تَكْتُبَ هُو أن تتسلَّقَ وحدَكَ سُورَ المُمكِناتِ زادُكَ الخَوفُ و الفَقرُ و الأصابِعُ المُرتَجِفَة مثلَ قَشٍّ باهت الصُّفرةِ تُطيِّرُهُ زَوبعةٌ تُعربِدُ في سماءِ المَناجمِ الخاليةِ من العصافيرِ أنْ تكتُبَ هُوَ أن تكونَ فزَّاعة تَرتعِدُ من ظِلِّها فَرائِصُ الصَّدى المُهِمُّ أنْ تُواصِلَ شَكلُ ظِلِّكَ – أنتَ الواقِفُ - يَتَرَاءَى للمَوتِ قِطعَة َ فحْمٍ باردة لا تَنَمْ قُربَ المِدفأة كُنْ لهيبًا يُطوِّقُ الأزمِنة كُنْ مَرايَا تَتَشابَكُ فيها الأماكِنُ الكِتابَة ُ يا – زِياد عبد القادر- سِرْبٌ من طُيورٍ أبابيلَ يقذِفُ الشُّعراء في الحُلم / في الحُلمِ أراكَ وحيدًا تَجدِلُ للموتى تحت أنقاض المناجمِ حِبالا ً لِيصعدُوا إلى اللّه / رائحة الغياب من سُتراتِهم تضوعُ / زُرقَة ُ سُترتِكَ أيها المنجميُّ أصفى من لون السماء / صوتُكَ أخضرُ/ سيُمطرُ بعد أن تعبر القاطِراتُ خنادق "كابصا" مُحَمّلة بضحكات الصبايا النائمات تحت جبال الحوض المنجميِّ / صُفرةُ أسنانِهنَّ أجمَلُ من زنبقاتٍ في سفحِ "مُنتِي روزا" وحدكَ أيُّها المنجميُّ سعيدٌ كَلونِ السماء قِطط مُشعَّثة الفَرْوِ هُم الشّعراءُ يُفرِّقُهم صوتُ امرأةٍ على كفِّها تنامُ الجِهاتُ و يجمعُهُم خريفٌ في حانةٍ من سعف النخيل سقفُها الرَّغيف مُرٌّ كالمواويلِ فاغمِسْهُ بدمعِكَ و اشرَبْ و رَتِّلْ : الحُلمُ أشهى مِن صباحٍ بِلا عَملٍ الحُلم أشهى من امرأةٍ تأتيكَ على غمامةٍ لتُقَبِّلها ( يُرافِقُكَ حَمام قُبلتِها في سِجنِكَ) المُهِمُّ أنْ تَصرُخَ في وجه العالَم : حِبري هو النبيذُ شمعٌ أحمرُ هوَ صوتُكَ / لا تنطفِئ الآنَ أنتَ : المُستَقى من مَلَكُوتِ السَّماءِ حَرْفًا أبيضَ لا تنطفئ الآن .. لا تنطفئ الآن.. لا تنطفئْ ... ////////////////////////////////////// مراد العمدوني الأغنية من فكّني من سرّتي حتّى يلطّخَ الخوف جبهتي وتنثرَني الهتافات في آخر الفجر الأخير...؟ من صيَّرني و سوَّى محنتي وكتَّف ظلّي حتّى لا يلحق الظلُّ بي وهدهدني في نعشي وكفّنني بأغنية مشحونة بالدّم ؟ ///////////////////////////////////// إمرأة محمّد العربي تلك التي رقصت كامل الليل على إيقاع اللاتينو لا أعرف من أي غاب جاء بها الليل الليل الذي كنست ظلمته بنهديها ظل عالقا بذاكرتي تلك التي كلما أنزلت دمعة أسقطت نجمة من سمائي تلك اللئيمة وهي ترحل تاركة ظلها فوق جدار غرفتي نسيت مساميرها في فمي.... سأعود إلى قريتي مثل جدول يعود إلى نهره مثل نهر يعود غلى نبعه مثل نبع لا يعود إلى شيء سواه سأعود إلى قريتي مبللا بالخطايا مثقلا بالخسارات الجميلة سأعود إلى شجيرات اللوز. خذلان الزمن يتسلل من بين أصابعك أعوامك مثل شعرك تتساقط يخذلك الدمع المتيبس في عينيك المطفئتين. وتحمحم مثل خيول أنهكتها الحرب ثمة ضوء في الطريق إليه أضعت أسنانك.. عاصفة في رأسك لا تهدأ يالا تعاستك.. حتى الذين أشعلت لهم سنواتك الطويلة خذلوك.... مثل قرية في أعالي الجبال مثل قرية في أعالي الجبال تلبس ثوب الليل البارد مثل ماعز أضاع قطيعه في المغيب خلف التلال البعيدة مثل سروة كسرتها الر يح على طريق لا تؤدي إلى أحد مثل قبر نسي زائريه مثل تنهيدة عاشقين فرّقهما للتو قطار الجنوب مثل حانة مقفلة آخر الليل... مثل جدار يتبول عليه سكارى الحانة //////////////////////// : في الحلم متّسع نصر سامي أمري كان لي في ما مضى والآن لا أدري أبي قلق من الطّغيان؟ أم هل أنّ بي ما يعجز الدّنيا وذاكرة الزّمان بحاله؟ أدري بأنّي لا أرى. لكنّ ماء الرّفض ينبع من خلال أصابعي، ودم السّؤال ينزّ من قلبي. وهذا اللّيل ملتمّ كقبر من سحابات ولا عنقاء في الأعطاف. أمري كان لي. والآن لا أدري أهذا الموت خاتمة المطاف. أهذي الحرب روح خطافة عمياء طافت حول قلب الأرض كي تعطي سلام الخطف في تطوافه. أدري بأنّي لا أرى أملا هنا في هذه العتمات غير الرّيح في ترحاله. الموت في الأضواء في السّاحات في الدّرجات في حوض الشّتول وفي المدى، الموت في الآهات في الكلمات في نفس الرّضيع وفي بكاء الأمّهات وفي غروب الشّمس أو إشراقها، أدري بأنّي لا أرى أملا وهذا الصّمت حمّى في الضّلوع. وآه يا بلدي. أمري كان لي في ما مضى.. وها رمته الرّيح ها قد ضاع للأبد. في ما مضى كانت لشمعتنا يدان وأذرع حبلى بأثمار المنى والنّخل كان له رؤى وكان ديوان الصّبا في كل رفّة طائر، في ما مضى الأرض كانت للجميع لنا، لهم ولغيرنا من كائنات الأرض. أسطورتي تأتي لتلعب في حقول الآخرين مع المدى وفجرهم يأتي بصندله الصّغير وينحني قرب البحيرة عاريا والأغنيات تسير في نهري ونهر الآخرين ولا ترى. في ما مضى النّاي كان نشيدنا المكتوب بالطّين الشّريف وبالحديث وبالبروق وبالنّدى. والآن لا أدري أبي شوق إلى النّسيان يحميني من الذكرى؟ وهل في هذه الصّحراء غير الحرب والطّغيان. لا أفهم الصّحراء في هذا الخلاء السّرمدي. وأفهم الصّخر الحنون إذا تكسّر تحت أزمنة البلى، وتهزّ روحي روعة التكوين إذ تنداح في صمت على شفتي فيوض الطلّ والذّكرى، وأبكي كي أرى عمري فراشة صدفة تأتي لتلحس ظلّها في ضوء أغنيتي التّي أحيا بها. وأحبّ أن أعطي لحيّات الرّمال أصابعي وجوارحي ليدور سمّ الأرض في جسدي. زمن القداسات القديم يمرّ في الصّحراء يعرفه الأهالي من برود في الضّلوع إذا أتاهم هاهنا أو من حنين للصّبى. جنحاه ما هدآ. ولكنّ الأهالي لم يكونوا قادرين على متابعة الرّحيل. يكفي ليرتحلوا وهم تحت اللّحاف تلفازهم. زمن القداسات القديم يمرّ كالأضغاث بي لكنّني في ظلمة الأكوان مقطوع اليد. هذي معلّقتي. أموت هنا وقافيتي معي. هذي معلّقتي. أموت هنا وذاكرتي معي. هذي معلّقتي. أموت هنا وفي دمي لغتي. هذه معلّقتي. وكلّ أسئلتي معي. هذي معلّقتي. وما يمتدّ في النّسيان من لغتي معي. هذي معلّقتي. نعم، وأمري ليس لي. ذكراي تحضر في المكان وفي الزّمان وفي الدّجى. وأنا الخلاء يلمّ في كفيّ أسراب النّجوم وقد نمت في ضفّتيه رؤى الجحيم وقد تداركه الصّبى. أنا فكرة في الأرض، أرواحي سراب لا وجود له. وأحزاني سحابات. وحنجرتي خلاء لا وجود له. "يد التّاريخ هذى وامتهان الوقت لي". غمغمت في سرّي. وأدركني الظلام. فنمت في طيف الجدود هنا.. لوحدي. لا شيء قبلي في المكان وفي الزّمان وكلّ الأرض تلفظني، أيكون برق الأرض لي وطنا؟ أيكون لي وطن كأعدائي هنا لأموت فيه وأنحني وأقبّل الحجر القديم وأحلب البقرات في غاباتها؟ أأكون أفراسا لأعرج دون عود؟ كان لي ظلّ على الزّيتون، إيقاع وراء الماء، إنشاد إذا عاد الرّعاة من الجبال، وسقسقة إذا طار الفراش وراء قدّاس الغيوم. كان لي في ما مضى فضل على أيّامنا. والآن لا زيتون في الأرض القديمة. لا مياه على سواقي الانتظار ولا رياح لفتح باب المنتهى. والأيّل الجبليّ ما عادت خطاه تدبّ خلف منازل الجيران، والعشّاق ما عادوا مرايات لتكسرهم فصول العام، والأغراب لم يرثوا سوى زبد الدّموع، ولا فراش يمرّ عبر الرّيح في هذا المدى. في الحلم متّسع، ويكفينا تراب الذكريات لكي نصلّي. كلّ ما نحتاجه أفق صغير للغزالة كي تمرّ إلى الحشيش الأخضر الجبليّ، ونهر للصّغار لكي يروا أحلامهم في وجه نرسيس الصّغير، ووردة للمرج تعلن أنّ فصلا سوف يمضي هكذا، وأنّ آخر سوف يأتي بالزّهور وبالمنى. في الحلم متّسع، ويكفينا الهواء لكي نصلّي، كلّ ما نحتاج أرض للحياة هنا مع أطيارنا وصغارنا وترابنا وهوائنا، أرض بحجم قصيدة، حتّى بحجم قصيدة، أرض بحجم يد. ////////////////////////////////////////////////// قصيدة أحمد فاطمة عكاشة لا ماء يطفر عند واد غير ذي زرع، وهاجر تسأل الله السلامة ترتمي فوق التراب إلى جوار وليدها ، ووليدها الباكي يهزّ الجذع لا قربان يطفئ ما بصدره من ظمأ ْ. لا طير في الآفاق حوّم لا غمامة لا كلأ ْ. لا شيء غير صراخ إسماعيل يصدع مثلما الجرس الصّدئْ لا شيء في الصحراء يحترم النبوءة كي تفيض عيون زمزم من جديدْ.. أنّى لأحمد أن يقوم الآن كي يمشي الحديد على الحديدْ أنّى لأقفاص الجزيرة أن تفتّح كلّما كُتِبت علينا سوءة الآتين من خلف الحجبْ نتوارث اللّعنات تنقر من موائد تدمر حدق الملوك وماسة التّاج المكلل بالعيون ْ تبكي وترقد ثم تبكي أو تندّد ثمّ ترقد عند قبر ضجّ في وادي القرى اُنظرْ هناك ألم ترَ طفلا جميلا قادما من خلف تلك الربوةِ. هات المشاعل واستجب للصبوةِ... فخيول أحمد في الطريقْ حلم سيكبر كالحريقْ حان القطاف ألا ابشري يا أم أحمد وانزعي عنك السواد فخضرة الزيتون من عينيه تنسجُ من جبينه مهرة الأحلام تسرج ، من جرار الماء في الركن الحزين ستخرج الآن الخيول إلى الطريق ْ... هذا ملاذ الهاربات من المحنْ... طفل سيكبر كالحريق ْ طفل سيولد تحت نخلتنا العجوز فيينع الجذع العتيق ْ من وجه أحمد يخرج الطوفان ليلا لا علامة تسبقه ْ لا شيء يوحي بالحوادث.. ربّما انبثقت عيون النّار من عدن تعقّبت الغزاة .. وربّما انحسر الفرات عن الذهبْ... جبل من الذهب التهبْ... والناقة العجفاء تشرب من دماء فصيلها والعشب يطلع جمرة من بين أظلاف العرب ْ... الليل محرقة و"أحمد" يقتفي أثر القوافل وحدهُ وسحابة دكناء تلعق خدّهُ أمم تمزّق جلدهُ أمم تريق دم النّبوءة آهِ لو عادت قوافلنا وعاد نبيّنا.. طفلا جميلا قادما من خلف تلك الربوة ِ هات المشاعل واستجبْ للصبوةِ فخيول أحمد في الطريقْ حُلُمَ سيكبر كالحريقْ... حلُمَ سيكبر كالحريقْ. سيف ... يحزّ أصابع الغرقى ليطفو فوق سطح الماء... لكن السفينة أقلعت والموج يؤذن بالرحيل غنّت له الحورية الفرعاء تتلو فوق عرش عائم خذ ما تريد فأنت ضيف عابر لا نار تهدي خطوك المعوج... لاأمطار تطفئ ما بصدرك من لهب لا طير في الأرجاء يؤنس صمتك المشحون باللغة العيية بالغضبْ خذ ما تريد فأنت طيف حائر للموت أجراس على شفتيك تقرع ملء روحك تجمع الأنات والكائنات تسوق قطعان المواجع في أراضيك الكئيبة تصنع الهزات من عينيك صدعا في الرمال يا أول الناجين من سكرات موت قادم يا أول الماشين في طرقات عدن أيها الألق المخبا بين أقبية المساجد من دم الشهداء تخرج طائرا كالنور في الشفق انتشرْ أنت الفضيلة كلما ازدانت مواكبها تطايرت الملائك حولها وتناثرت من بين أيديك الدررْ .. قالت بنات الليل في خجل: عرفناه إذا مرّ استحال العشب ماسا يفرغ الليل الكئيب من الظلمْ إنّا رأينا قمة المبنى المبنى المزيّن بالمرايا قد تهاوت فانتظرناه لسوف يكبر بيننا فنعود أبكارا كما كنّا نعود سيف إذا جاء احتفت كل المدائن بانسيابه كالنسائم واحتفى العشاق بالوطن الجميل على جبينه واحتفى الشعراء بالزيتون يزهر في حقول صفاقس احتفت المداخن بالبخور تصاعدت أنفاسه فتعطرت طرقاتها نور الشوارع ينطفئْ وتضاء أرجاء المدينة فجأة الناس في شرفاتهم يتدافعونْ يتساءلون عن النبأْ.... لا شيء ينذر بالنهاية غير أنّا قدرأيناه إذا مرّ استحال العشب ماسا يفرغ الليل الكئيب من الظلمْ صارت شجيرات الرصيف مشاعل وبدت قطوف الموت دانية على طبق الألمْ