«المدن كالقلوب يمسحها الإيمان وينظفها المطر» قالت امرأة طاعنة في السن لما سحبت جلدا قديما من تحتها وظهرها ينحني يوما بعد يوم مثل نخلة تدور بها الأرض في انتظار حفرة تسحبها لتبتلعها مرة واحدة دون عودة ...العجوز النخلة التي اقتلعتها زخات المطر الخريفية إلى غرفة حفيدها أجبرت على تتبع معركة القط والفأر في برنامج «سبايس تون» كان يصيح هيا ياتوم دمر دجيري سارق الجبن اللعين ..ثم يصرخ وتصرخ شقيقته فطيمة التي كان الجميع يدللها باسم طومة كثيرا ما تخيلها شقيقها ذو الأربع سنوات القط طوم بينما أصر أن يكون هو دجيري الفار الذكي سارق الجبن وناصب الفخخ ..تمسك الجدة بالسبحة ..تضع شالا على كتفيها وتلملم ذاكرتها وهي على مقربة من معركة الطفلين دون أن تحرك ساكنا قلبها مع السبحة وعقلها مع نافذة الغرفة أين يحتدم الزخ المطري وتحتدم معه العواصف وصوت الريح وظلام السحب ...فجأة ينقلب الجو تماما من صيف ساخن طويل إلى شتاء قاسي البرد تجتمع العائلة على مائدة الغذاء «فول سوداني مهمته مقاومة البرد وخبز ساخن يدفئ عظام الجدة ...» ينتهي النهار دون أن تنتهي معركة الشقيقين ..كأنها الفصول نفسها كل فصل يريد أن يسرق من عمر الآخر في صراع طقسي لاينتهي ..يظل الإنسان وحده شاهدا على هذه المعركة ينزع الثقيل من اللباس إذا أشرقت الشمس منتصرة على المطر والريح يلبس الخشن إذا انهزمت في دورة الفصول وهكذا ..في الخارج يمر الراجلين على حواشي الرصيف مانعين أحذيتهم من الوحل وبقايا العوالق..كانت أرجلهم نفسها تتعارك مع الخطوات ..يا إلهي إنه الشتاء ..حقا الشتاء سيد الفصول وحامي الأرض من الجفاف ...لحظة عيون الجدة ترتفع إلى قراميد منازل الجيران بدا لونها الأرجواني المبلل لوحة يرسمها فنان بريشة السماء العشب الذي نبت سهوا بعيدا عن أيادي الفساد أخذ يلمع يتمايل حتى بعض النوافذ رغم أنها كانت مغلقة منظرها يغري بتخيل ما خلفها لعل هناك موسيقى تملأ المكان تجعل من غرفه فضاءات للرومانسية والحب والغنج المتبادل تساءلت لماذا كلما أغلقت الأبواب والنوافذ انزاح الناس إلى الإلتمام ..ربما لأن بعض الجروح مشتركة ..قالت \..بدت الجدة في هوسها بالمطر تشبه عرافا هنديا بشعرها الرمادي ووجهها المصفر كورقة خريف وقامتها المنحنية ..ووجنتيها المحمرتين كبقايا «قرميدة « انشقت فجأة عن عرشها المستقر في سقف المنازل ..أضافت والله أن من يخرج كي يتنفس بعيدا عن معركة القطط والفئران ينسى أحفاده المشاكسين ويتلذذ ببقايا طعم الفول في حلقه اتكأت على حجر في الشرفة وراحت تتفرج على المطر كيف يغسل خطايا الناس التي التصقت لأشهر في جدران المدينة ..نسيت بذلك صوت الباعة المحتالين ضجيج المشترية هتافات أصحاب العربات وباعة السردين في عز الصيف رائحتهم الكريهة ..تنهدت ثم فاجأها صراخا وعويلا قالت الكنة أن بالون طومة انفجر فيما كسر شقيقها التلفازستطلق حتما ..تعتقد أم الأولاد أن الشتاء فصل منحوس دخل عليها بالخسارات..في الجهة الأخرى نادى الإمام المسلمين إلى صلاة الاستسقاء وفي جريدة محلية أعلن في الصفحات الأولى عن طوفان دمر المدينة تسللت المياه إلى قبور الموتى . ظلت الجدة تسبح وتسبح فيما يعتقد الجميع أنها تصلي كي يتوقف الطوفان. ينهضوا باكرا ولم يحيوا العلم الوطني مع زملائهم ..كذلك يفعل كل واحد منا اذا كان مسؤولا. EMAIL\ [email protected]