أجواء الحراك تخيّم على عيدهم الوطني الحكومة تغازل الطلبة س. عبد الناصر وجهت الحكومة رسالة غزل للطلبة عشية عيدهم الوطني حين دعا وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية صلاح الدين دحمون إلى العمل عبر الحوار البناء والمتواصل مع الطلبة والنظر عن كثب في كل الصعوبات والنقائص التي قد تعترضهم وحثهم على المشاركة الفعالة في رسم معالم مستقبلهم. وقال الوزير في رسالة وجهها إلى الولاة والولاة المنتدبين ومنتخبي وإطارات الإدارة الإقليمية بمناسبة يوم الطالب المصادف ليوم 19 ماي من كل سنة أن تبني الحوار البناء والمتواصل مع فئة الطلبة هو السبيل الوحيد لتجنيبهم الخوض في متاهات قد تمس باستقرار البلاد أو أن يتم استغلالهم من طرف محترفي السياسة والمناورات السياسوية العميلة مشددا على ضرورة التقرب منهم والتفتح على انشغالاتهم . وأشار الوزير إلى أن هذه النخبة الشابة المثقفة مطلعة على رهانات الوضع وتحدياته (...) تبحث لها عن مكانة في معترك بناء جزائر الغد مضيفا أن هذه النخبة كانت في طليعة الحراك الشعبي الأخير دارِجة على خطى الأسلاف بروح نضالية متجذِرة ومتواصلة مع تلك التي تحلى بها الأسلاف إبان الثورة التحريرية . ومن هذا المنظور يتعين على الولاة --يقول الوزير-- تشجيع أبنائنا على الإقبال على العلم والمعرفة والعمل على توفير الظروف الضرورية والمناسبة لذلك وترسيخ تاريخ أمتنا في قلوب أبنائنا وجعلهم يعتزون بانتمائهم لعائلة الطلبة المجاهدين والمناضلين . كما شدد على أهمية توعية الطلبة ب التحديات والرهانات التي يواجهونها لا سيما في هذا الظرف الدقيق وما يقتضي من فطنة وسداد الرأي في التعامل مع المعطيات مغلبين الحوار كسبيل وحيد (...) والالتفاف حول مؤسسات الدولة وجيشها الوطني الشعبي صمام لدولتنا الفتية . وأشار الوزير إلى أن العديد من الدوائر اليوم وهي تترقب حراك أبنائنا الطلبة على مر الأيام تتفنن في اختراع الحيل والتقنيات الرامية لتوجيهه والتحكم في زمامه لتحويله عن وجهته السلمية البناءة وجعله معول هدم . ويأتي الاحتفال باليوم الوطني للطالب المصادف للذكرى 63 لإضراب الطلبة والثانويين في 19 ماي 1956 هذه السنة في سياق يتميز بالحشد الكبير للطلبة حول هدف واحد ألا وهو دعم حراك الثاني والعشرين من فيفري. وساهم الطلبة الجزائريون بشكل حساس من خلال قرارهم بترك مقاعد الجامعات والثانويات في 19 ماي 1956 للالتحاق بصفوف الثورة في كل ربوع الوطن وحتى بالخارج في تدويل القضية الجزائرية وتحرير البلد من الاحتلال الفرنسي. وما إن انقضت سنتين ونصف عن اندلاع حرب التحرير حتى دعا الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين إلى شنّ اضراب مفتوح للطلبة والثانويين وهو الإضراب الذي لقي تجاوبا لدى الغالبية العظمى من الطلبة الجزائريين الذين توقفوا عن حضور الدروس وقاطعوا امتحانات شهر جوان من السنة نفسها. وشكلت هبتهم تلك منعطفا حاسما في حرب التحرير حسب وجهة نظر عديد المؤرخين والمجاهدين الذين ما فتئوا يدلون بشهاداتهم في كل مناسبة حول دعم الطلبة الحاسم للثورة الجزائرية. ثم إن التحاق الطلبة الجزائريين بحرب التحرير الوطنية قد سمح حسب المؤرخين للثورة بالاستفادة من نظرتهم وتبصرهم في مجال النضال إذ أضافوا قيمة للثورة على جميع الأصعدة. وبالنسبة للراحل رضا مالك المجاهد ورئيس الحكومة الأسبق فإن بين 80 و90 في المائة من الطلبة الجزائريين قد التحقوا في تلك الفترة بالكفاح المسلح في إطار شبكات سرية توزعت على الجزائر وأوروبا. وتعتبر نخبة الأمس التي آمنت بالحرية وسيادة الشعب والتطور اليوم مرجعا للجيل الجديد الحازم والعازم على ابقاء المشعل متوهجا من خلال المجهود المتواصل والتضحية الخالصة. كما يستوحي طلبة اليوم الملهمين بجيل 1956 من روح القيم التي آمن بها سابقوهم لمواصلة النضال من أجل تحقيق تطور المجتمع وازدهاره. فمنذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير الماضي يتظاهر ألاف الطلبة في كل يوم ثلاثاء بالجزائر العاصمة وعبر عديد المدن الجامعية الأخرى بالبلد لتجديد تمسكهم بمطالب الحراك الشعبي الداعي إلى تغيير جذري للنظام السياسي ورحيل جميع وجوهه القديمة. وتجمع هؤلاء الطلبة كلمة واحدة وموقف واحد يدعم الحراك الشعبي ويتمثل في الابقاء على الاضراب إلى غاية تلبية مطالب الشعب. فرغم الصيام والحر لم تضعف حشود الطلبة الذين واصلوا الخروج بأعداد كبيرة من أجل التعبير عن رفضهم لرئاسيات الرابع من شهر جويلية ومطالبتهم بالحرية والعدالة ومكافحة الفساد علاوة على محاكمة كل الأشخاص المتورطين في قضايا تبديد المال العام. كما أبان هذا الحراك السلمي للطلبة إلى جانب الشعب عن درجة نضجهم السياسي ودرجة وعيهم العالي وإحساسهم الوطني الذي لطالما أظهروه منذ حرب التحرير.