** أُريد أن أعرف شيئًا عن شهر رجب، وما معنى هذا الاسم؟ وما خصائص هذا الشهر؟ * يجيب الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله بالقول: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: شهر رجب هو أحد الشهور العربية الإسلامية الهجرية القمرية، وكلمة "رجب" من مادة الترحيب بمعنى التعظيم، ولعل السِّر في هذه التسمية هو ما كانوا يَخصون به هذا الشهر من تعظيم وتوقير. ويُسَمَّى رجب "رجب الحرام"؛ وذلك لأنه أحد الشهور الأربعة الحرام، أي التي يُحَرَّمُ فيها القتال، وذلك أمر كان مُتعارفًا ومشهورًا منذ عهد بعيد، وقد ذكر القرآن الكريم الأشهر الحُرم في قوله تبارك وتعالى في سورة التوبة: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (الآية:36). وهذه الأشهر الحُرُم هي ذو القِعْدة وذو الحِجَّة والمُحَرَّم ورجب، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا إِنَّ الزمَان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات" "ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جُمَاَدَى وشعبان". ويُسَمَّى شهر رجب "رجب الفرد"؛ وذلك لأنه مُنفرد عن الشهور الثلاثة الباقية من الأشهر الحُرُم الأربعة؛ لأن ذو القعدة وذو الحجة والمُحَرَّم تأتي تِباعًا وتمر مُتوالية بعضها وراء بعض، ولكن رجب يأتي بعد ذلك بخمسة شهور، هي صفر وربيع الأول وربيع الآخر وجُمادى الأولى وجمادى الآخرة. ويُسَمَّى شهر رجب "رجب مضر"، وقد جاء في بعض الأحاديث: "رجب مُضر الذي بين جُمادى وشعبان" وإنما أضيف الشهر إلى مضر؛ لأن قبيلة مضر كانت تُعظِّم هذا الشهر وتصون حُرمته، فكأنها اختُصت بهذا الشهر. وفي شهر رجب كانت معجزة الإسراء والمعراج، وهي المعجزة الكبرى التي اختص الله بها نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام وقد أشار القرآن إلى الإسراء في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1. كما أشار إلى المعراج في قوله تعالى سورة النجم، الآيات:7 إلى 18. (وَهُوَ بِالْأُفُقِِ الْأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى). ومعجزة الإسراء فيها تكريم للرسول صلوات الله وسلامه عليه وتثبيت لقلبه، وفيها إطلاع له على ملكوت السموات والأرض، وفيها تسلية عظيمة للرسول، بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة في "عام الحزن"، وبعد ذهابه إلى الطائف، واعتداء أهلها عليه. كما أن معجزة الإسراء تُذَكِّرُنَا بفلسطين المُغتصبة، وبيت المقدس (القدس) والمسجد الأقصى المحترق، وتذكَّرنا بواجبنا نحو استخلاص الأرض، وتحرير البلاد والعباد من الرجس والطغيان، وتُذَكِّرُنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تُشدُّ الرِّحَال إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا في المدينة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس". ومن الواجب على كل مسلم حين يستعيد ذكريات شهر رجب أن يبذل وسعه في سبيل الصيانة لمقدسات الإسلام.