بقلم: نور الدين مباركي يقول الفقيه جيز Le fonctionnaire existe pour la fonction et non la fonction pour le fonctionnaire لقد طرأ اختلاف فقهي وقضائي حول تعريف ومفهوم الإدارة والموظف والتوظيف رغم ذلك فإنه إجمالا يمكن تعريف الموظف بأنه الشخص الذي يعين ويرسم بإحدى درجات السلم الإداري بالإدارة المركزية التابعة للدولة أو المصالح الخارجية التابعة لها والمؤسسات العمومية بصفة دائمة حيث ان المشرع الجزائري تطرق إلى تعريف الموظف في المادة 4 من القانون الأساسي للوظيف العمومي 03-06. في حين أن الإدارة هي ذلك الشخص المعنوي الذي تنشئه الدولة وتعتبر بمثابة الطريقة المثلى في إستخدام وتسيير الموارد المالية والبشرية والمعلومات وغيرها من الإمكانيات والوسائل الممنوحة لها لأجل تحقيق الأهداف المسطرة المتمثلة عادة في المصلحة العامة بأقل تكلفة وفي أحسن الظروف في وقت وجيز وبجودة عالية. أما التوظيف فهو عبارة عن إسناد مجموعة من الإختصاصات والمهام للموظف المعين بالإدارة وفق شروط تضعها هذه الأخيرة لشغل المناصب الشاغرة وفق طرق قانونية وتنظيمية مضبوطة تتخذ في العادة إما شكل توظيف مباشر أو عن طريق مسابقات يليها تكوين يكون في مدة سنة حسب ما جاء في المادة 84 من القانون الأساسي 03-06. حيث يكون الموظف في فترة التعيين في المنصب كما يمكن ان تمتد فترة التعيين إلى سنة أخرى ليرسم بعدها بصفة نهائية حسب المادة 85 من القانون الأساسي السالف الذكر. لو تطرقنا إلى التعاريف الفقهية للموظف العام حتما سيقودنا هذا إلى إعطاء لمحة وجيزة عن التشريعات الفرنسية في هذا الصدد حيث انه لم تعطي التشريعات الفرنسية تعريفا محددا للموظف العام إنما اكتفت بتحديد الأشخاص الذين تسرى عليهم أحكام تلك التشريعات فقد نصت الفقرة الأولى من قانون التوظيف الفرنسي رقم 2294 الصادر في 19 اكتوبر1946 يسرى على الأشخاص الذين يعينون في وظيفة دائمة ويشغلون درجة من دراجات الكادر(السلم الإداري) في إحدى الإدارات المركزية للدولة أو في إحدى الإدارات الخارجية التابعة لها أو في المؤسسات القومية . وقد نص نظام الموظفين الصادر بالامر59_224 في 04 فبراير1959 الذي حل محل قانون 19 أكتوبر1946 والقانون الخاص بحقوق وإلتزامات الموظفين رقم 634 الصادر في 13 يوليو 1983 على نفس المفهوم. ويتبين من ذلك أن المشرع الفرنسي يطبق أحكامه على من تتوافر فيهم الشروط الآتية :الوظيفة الدائمة. -الخدمة في مرفق إداري عام. وبذلك فهو يخرج عن نطاق الخضوع لأحكام الوظيفة العامة موظفو البرلمان ورجال القضاء ورجال الجيش والعاملون في مرافق ومنشآت عامة ذات طابع صناعي أو تجاري. أما على صعيد الفقه والقضاء فقد عرف الأستاذ هوريو Hauriou الموظفين العامين بأنهم كل الذين يعينون من قبل السلطة العامة تحت إ سم موظفين أو مستخدمين أو عاملين أو مساعدي عاملين يشغلون وظيفة في الكوادر الدائمة لمرفق عام تديره الدولة أو الإدارات العامة الأخرى . وعرفه دويز Duez وديبير Debeyre بأنه كل شخص يساهم في إدارة مرفق عام يدار بالإ ستغلال المباشر من قبل الدولة ويوضع بصورة دائمة في وظيفة داخله في نطاق كادر إداري منظم . وقضى مجلس الدولة الفرنسي بأن الموظف هو كل شخص يعهد إ ليه بوظيفة دائمة في الملاك وتكون في خدمة مرفق عام وإ شترط أن يكون المرفق العام إدارياً ذات طابع إداري.أما المرافق الصناعية والتجارية فقد فرق فيها بين شاغلي الوظائف الإدارية والوظائف الأقل أهمية Subalterne واعتبر العاملين في النوع الأول من الوظائف (الوظائف الإدارية) موظفين عامين أما الوظائف الأخرى فأخضعها للقانون الخاص والمغزى من هذه التفرقة هو أن شاغلي وظائف المحاسبة والإدارة أكثر ارتباطاً بالمرفق العام. اما في الجزائر لقد طبقت الدولة الجزائرية بعد الإ ستقلال النظام الفرنسي للوظيفة العامة الصادر في 19 أكتوبر 1946 وهو قانون موحد بمختلف الوظائف ووردت عليه بعض التعديلات التي تطلبها التطبيق العملي ذلك أن بعض الوظائف لم تكن مفتوحة للجزائريين قبل الإستقلال وإن كان القانون الأساسي للوظيفة العمومية الصادر فيما بعد بتاريخ 4 فيفري1959 الذي إمتد تطبيقه إلى الجزائر بموجب المرسوم الصادر في 2 أوت 1960 قد وضع بعض النصوص التي من شأنها تسيير التحاق المواطنين الجزائريين بالوظيفة العامة. وقد إستمر العمل بهذا النظام حتى الإستقلال وبعد الإستقلال ألقيت على الحكومة الجديدة أعباء هائلة من بينها تحقيق إصلاح إداري في الدولة فعمدت هذه الأخيرة في البداية إلى توظيف عدد محدد من الشباب حديثي الخبرة وذلك على وجه السرعة وكان عليهم حل المشاكل المعقدة التي تعتبر من سلك الوظيف العمومي فإضطروا إلى تطبيق والعمل بالتشريعات الفرنسية كحل مؤقت مما أدى إلى تفشي ظاهرة البيروقراطية في الوظيفة العامة. في سنة 1965 شكلت لجنة وزارية تتكون من وزارتي المالية والداخلية لوضع القانون الأساسي للوظيفة العامة فأعدت مشروع قانون عرض في جانفي 1965 على مختلف الوزارات وحزب جبهة التحرير الوطني وكذا النقابات المهنية لإبداء رأيها في المشروع ثم عرض بعد ذلك على مجلس الوزراء للمناقشة في أفريل 1966 ثم ناقشه مجلس قيادة الثورة في ماي 1966 وصدر في 2 جوان 1966 وهو ما يعرف بالمرسوم رقم 66/133 المتضمن قانون الوظيفة العمومية. هذا القانون تضمن الأسس والمبادئ العامة للوظيفة العامة تاركا المجال مفتوح امام القطاعات المعنية لتحديد نماذج تطبيق هذا القانون وتنظيمه. لقد تطرق المفكر مالك بن نبي إلى اشكالية الموظف والتوظيف في الجزائر حيث رأى ان الدولة الجزائرية تخلق موظفين وليس وظائف. وهذا ما يخلق نوع من تكدس الموظفين في وظيفة واحدة ومن جهتنا رأينا يتوافق مع المفكر مالك بن نبي حيث نرى أن تعدد الموظفين للقيام بوظيفة واحدة والتي من الأرجح ومن المنطقي ان يقوم بها موظف واحد يؤدي إلى العشوائية وسوء التسيير وعدم استغلال الموارد البشرية بصفة عقلانية ومنطقية كما انه تنتج عنه ضعف المردودية واحيانا انعدامها. إن أغلب الدول المتطورة والتي أخذت بمبدأ ومنهج الإستثمار واستغلال الموارد البشرية قد نجحت في إعطاء الصورة المثالية والحقيقية عن التسيير الذي يتطابق مع المردودية والأهداف المسطرة واحيانا تتجاوز الاهداف المحددة. حيث انه لابد من الإستثمار في الموارد البشرية وإعطاء هذا العنصر كل الأهمية فبالإستغلال الجيد للمورد البشري يمكن تجاوز الاهداف المسطرة لا يجب التفكير في الاهداف المسطرة والعمل على تحقيقها بل يجب الإستثمار في الموارد البشرية واستغلالها احسن استغلال وهذا حتما سوف يعطي نتيجة اكبر ويبلغ اهداف أكثر من تلك المسطرة. إن الإستثمار في العنصر البشري هو الإستثمار الوحيد الذي لا يعرف الخسارة. من الجهة القانونية بعدما كانت العلاقة بين الموظف والإدارة علاقة تعاقدية يميزها الطابع التعاقدي إلا انها واجهت انتقادات ونتيجة لهذه الإنتقادات التي أثرت على هذه العلاقة اتجه الفقهاء إلى اعتماد النظرية التنظيمية فالعلاقة إذا بين الموظف والإدارة هي علاقة تنظيمية حيث يخضع الموظف لعلاقته بالإدارة إلى قانون الوظيفة العامة بما تتضمنه من واجبات وحقوق. هذه العلاقة تضمن للموظف جميع الحقوق كما تضمن للإدارة السير الحسن لوظائفها وخدماتها. أما من الجهة الواقعية والتطبيقية والتي نرى ان علاقة الموظف بوظيفته لا تنفك ان تتلاشى وهذا راجع أساسا إلى انعدام الرغبة والروح المهنية لدى الموظف كذلك سوء تسيير الموارد البشرية وانا اتكلم خاصة على توزيع الموظفين على المناصب التي لا تتناسب مع كفاءتهم وهذه إشكالية يستلزم النظر فيها بصفة مستعجلة. كما تلعب المنظومة الإجتماعية دورا فعالا سواء في تطور او تدهور العلاقة بين الموظف ووظيفته. من خلال هذا الطرح وهذه النظرة نرى ونستخلص أن العلاقة بين الموظف والإدارة لن تكون متكاملة ومتناسقة في ظل الظروف التي تسود وتميز الوظيفة العامة والتي لا تعكس تماما صورتها الحقيقية والتي نجدها تتجسد في الدول المتقدمة حيث تعطي هذه الاخيرة كل الأهمية والتقدير للموظف والوظيفة العامة نظرا لما تكتسيه من طابع العمومية والسيادة.