محطات في حياة شيخ التفسير هذه قصة لقاء الشعراوي بعلماء الجزائر كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله من العلماء المميزين الذين استطاعوا الوصول إلى قلوب الناس قبل أسماعهم حتى أن الجميع كان ينتظر حديثه يوم الجمعة في التلفزيون المصري ليلقي خواطره في تفسير كتاب الله بأسلوب سهل رشيق يفهمه العامي والعالم. وحلت الذكرى 21 مؤخرا لوفاة فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله فقد ولد رحمه الله في 15 أبريل عام 1911م بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر وكعادة أهل القرى فقد وجهه أبوه إلى حفظ القرآن الكريم في كتاب قريته فأتم حفظه وهو في الحادية عشرة من عمره. وبعد أن أتم حفظ كتاب الله ألحقه أبوه بمعهد الزقازيق الإبتدائي الأزهري ليتلقى العلوم الشريعة وكان ذلك في عام 1922م ومنذ العام الأول في دراسته الأزهرية كان الشيخ الشعراوي لافتًا للنظر لذكاءه الشديد ونبوغه في الفهم فضلًا عن ملكة الحفظ القوية التي تميز بها. وأنهى رحمه الله المرحلة الابتدائية والإعدادية لينتقل بعدها إلى المرحلة الثانوية في معهد الزقازيق وزاد اهتمامه بالشعر والأدب وحظي بمكانة خاصة بين زملائه فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق. موقف غير حياته وفي عام 1937 التحق الشيخ الشعرواي رحمه الله بكلية اللغة العربية وكان لذلك قصة عجيبة غيرت تاريخ الشيخ فقد كان رحمه الله يريد الاكتفاء بما حصله من علم حتى المرحلة الثانوية الأزهرية وأراد أن يعمل مع أبيه في فلاحة الأرض رفقًا به من مصروفات الدراسة في الجامعة. فأراد الشيخ الشعراوي تعجيز والدة فأثقله بمطالبه للجامعة من كتب وغيرها حتى يتخلى عن فكرة إلحاقه بجامعة الأزهر فطلب منه أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن الكريم والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف. كان الوالد كابنه شديد الذكاء فأدرك الحيلة واشترى له كل ما طلب الشيخ الشعراوي من كتب ثم ودعه بعد أن ركب القطار وقبل أن يترحك قال لابنه: أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك ولكني آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم. وحينها عاهد الشيخ الشعراوي نفسه أن يستفيد من كل كلمة في هذه الكتب وأن يجتهد في دراسته حتى يرد الجميل إلى والده. تخرجه وعمله وسفره وتخرج الشيخ عام 1940 وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943 وبعد تخرجه عُين في المعهد الديني بطنطا ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية. وفي عام 1950م سافر إمام الدعاة إلى المملكة العربية السعودية للعمل أستاذًا للشريعة في جامعة أم القرى وقام بتدريس مادة العقيدة وفي عام 1963م وقع خلاف سياسي بين جمال عبدالناصر والملك سعود وقرر عبدالناصر عدم سفر الشيخ الشعراوي مرة أخرى للتدريس هناك فاستقر في مصر وعين حينها مديرًا لمكتب الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر الشريف في ذلك الوقت. لقاؤه بولي الجزائر ثم تأتي مرحلة جديدة ومهمة في حياة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله وهي فترة كان لها أثر روحي كبير عليه وذلك عندما سافر الشيخ إلى الجزائر عام 1963م رئيساً لبعثة الأزهر هناك وقد عاش الشيخ في الجزائر سبع سنوات ارتبط فيها ارتباطاً شديداً بالشيخ والولي الصالح سيدي محمد بلقايد إمام علماء الجزائر وقتها وأحد أولياءها الصالحين وكان الشيخ الشعراوي يشارك بصفة دائمة في مجالسه وفي حلقات الدروس التي يعقدها طوال فترة وجوده هناك. وقصة لقاء الشيخين عجيبة جدًا .. فقد التقيا في عالم الرؤية قبل أن يلتقيا في عالم الواقع عرف الشيخ الشعراوي الإمام محمد بلقايد عن طريق الرؤيا في المنام قبل أن يلقاه في الحقيقة في الجزائر وذلك حيث عرض على الشيخ الشعراوي أن يسافر كرئيس لبعثة الأزهر إلى الجزائر ولكنه هم بالرفض فجاءه رجل في الرؤية يسأله لماذا لا تريد القدوم إلينا وطلب منه السفر للجزائر فغير الشيخ الشعراوي رأيه وقبل بالسفر. في حفل الاستقبال الذي أقيم بمناسبة الذكرى الثامنة لاستقلال الجزائر في القصر الرئاسي بالجزائر لمح الشيخ الشعراوي رجلًا جالسًا ضمن مجموعة من العلماء وإذا به هو ذلك الشخص الذي جاءه في الرؤيا ولم يكن قد رآه من قبل وحينها أسرع الشيخ الشعراوي إلى الإمام محمد بلقايد الذي رآه وابتسم له فتعانقا وقد نظم الشعراوي قصيدة في مدح الإمام محمد بلقايد. رحيل الشيخين والغريب أن الشيخين الجليلين الشعراوي وبلقايد ولدا في نفس العام وهو عام 1911م وكذلك توفيا في نفس العام وهو عام 1998 وانتقل الشيخ الشعراوي إلى جوار ربه يوم 17 يونيو 1998م قبل شيخه الإمام بلقايد بشهرين فقط ليدفن في مسقط رأسه بقرية دقادوس بينما انتقل الإمام محمد بلقايد بعد مرض أقعده عشية الجمعة يوم 22 أوت 1998م بوهران ودفن يوم السبت بتلمسان.