تزخر مناطقنا الشاسعة بموروثات تقليدية محضة يفتخر الكل بها على غرار الفوطة القبائلية تلك التي لا تستغني عنها المرأة القبائلية، وليس هي فحسب بل زحفت لتجمع بين كامل ولايات الوطن كدليل على الالتحام والالتزام بنفس الموروثات العريقة بين مختلف الولايات، ويبدو أن الفوطة كإرث تقليدي عريق اقتحمت الأعراس الجزائرية في الآونة الأخيرة وتفوقت على الأزهار من حيث تزيين الواجهة الأمامية لسيارة العروس وغيرها من السيارات المرافقة للموكب فبدل استعمال الأزهار راحت بعض العائلات إلى الاعتماد على الفوطة من اجل تزيين السيارة أو الجمع بينها وبين عدد من الزهور، على أن تستحوذ الفوطة على الجزء الأكبر من الوجهة الأمامية للسيارة أو حتى الخلفية. والفوطة كما يعلمه الجميع هي رداء يرافق الزي التقليدي القبائلي ويكون ذلك الرداء احمر اللون عادة يعقد عند الخصر وهو يرمز في بعض المناطق إلى أن صاحبته سيدة متزوجة وليست عازبة بحيث في بعض المناطق لا يصح أن تخرج المرأة المتزوجة بدون الفوطة المرفقة دوما بالجبة القبائلية التي لم تتأثر بصرعات الموضة، ويزينها ما لا يقل عن عشرة ألوان زاهية تعرف لدى الجزائريين بالألوان القبائلية التي يتم الحصول عليها من الطبيعة وعلى رأسها اللون الوردي "الحاد" والبرتقالي المائل للاصفرار والأخضر الفاتح البراق والأحمر القاتم.. ويزيد من جمال الجبة القبائلية التي تحاط من فوق على مستوى الخصر بما يسمى ب"الفوطة" تلك الأشكال الهندسية الدائرية والمربَّعة والثلاثية التي تتفنن النسوة في رسمها باستعمال خيوط "الزقزاق" وهي خيوط مسننة الجانبين مصنوعة من القطن الخالص ألوانها لا متناهية تحول الجبة القبائلية إلى لوحة فنية تكاد تنطق حسناً وزهواً. ومن ثمة باتت الفوطة ترمز إلى أصول منطقة القبائل الكبرى وراحت بعض العائلات إلى تجريدها من الجبة ووضعها في مواكب العروس كدلالة على أن تلك المواكب أتت من بلاد القبائل، وراحت حتى بعض العائلات العاصمية إلى استعمالها في تزيين مواكب العرس وصارت بذلك تزاحم الأزهار بدليل تنقل تلك المواكب في أزقة وشوارع المدن وصارت تجتذب إليها الأنظار بعد أن ألف الكل رؤية الأزهار والتي استخلفتها الفوطة القبائلية في تزيين سيارة العروس وأحيانا تكون ملحقة بها في تزيين السيارة. في هذا الصدد اقتربنا من كمال بائع أزهار من العاصمة للاستفسار عن الحلة الجديدة التي لبستها سيارة العروس في الآونة الأخيرة بعد أن حلت محل الأزهار الفوطة القبائلية، وأحيانا قليلة نجدها تتقاسم الموضع معها، فقال انه بالفعل ومنذ مدة ليست بالطويلة بدأت بعض العائلات ذوات الجذور والأصول القبائلية بالاستغناء نوعا ما عن الأزهار، بل وتُرفق سيارة العروس بفوطة أو فوطتين وتجبر صاحب المحل على وضعها من الجهة الأمامية والخلفية لتتقاسم المكان مع الأزهار بل أحيانا تستحوذ على مكانها، ونجبر على إلحاقها بالكاد ببعض الورود القليلة من الجهة الأمامية وقفزت الموضة حتى إلى بعض العائلات الجزائرية على مستوى العاصمة التي اختارت أن تكون الفوطة مرافقة لموكب العروس بحيث نالت الفكرة رضى اغلب العائلات مادام أن الأمر يتعلق بموروثاتنا التقليدية المحضة الجديرة بالاهتمام والمحافظة عليها. وفي انتظار صرعات أخرى ملحقة بمواكب العروس مستوحاة من تقاليد مناطقنا الشاسعة تبقى الفوطة القبائلية رمزا للمرأة الجزائرية ككل ولا نقول القبائلية بدليل اقتحامها لكافة الأعراس الجزائرية حتى صارت الجبة القبائلية الملحقة بالفوطة، الحاضرة الأولى في تصديرة العروس كدليل على اللحمة التي تجمع بين الجزائريين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.