تخيل معاناة شخص مبتور القدم، على كرسي متحرك، مصاب بمرض القلب والسكري، قدمه الثانية مهددة أيضا، نتيجة جروح وتقرحات بليغة، وفوق كل ذلك، يعيش وحيدا دون معيل، أو معين، وعليه القيام بكل مشاغله واحتياجاته، ربما تكون الصورة صعبة للغاية، ولكنها باختصار شديد، حالة السيدة "زادي أمينة" من حسين داي، في العقد الخامس من العمر، سيدة وحيدة، لا يمكنك وأنت جالس إليها، إلا الدعاء لها ولكافة المؤمنين المصابين والمبتلين، أن يفرج الله عنهم كربهم، فهو الوحيد القادر على تفريج كل كربة. استقبلتنا بمنزلها بقلب حسين داي بالعاصمة بوجه مبتسم رغم كل الآلام والمعاناة، رغم الكثير من الاحتياجات والنقائص التي تعاني منها على كافة الأصعدة، حياتها كلها تسير على كرسي متحرك، لا دخل لها إلا منحة بسيطة، لا تكاد تغطي متطلبات العلاج والدواء، فيما أنها موجهة لمصاريف الأكل والشرب والكهرباء والماء، وبقية التكاليف الأخرى، ومع ذلك، فإن لسانها لا ينطق بغير حمد الله عز وجل على كل حال وتقبل مشيئته، ولعل ذلك هو السر الذي يجعلها تتحمل كل آلامها الصعبة، وتتقبل معاناتها مع مرضين صعبين للغاية، كمرض القلب والسكري، وعجزها بسبب بتر قدمها اليسرى. حياتها لم تكن على هذا النحو دائما، بل كانت سيدة نشطة، وعاملة، قبل أن يُقعدها المرض على كرسي متحرك، فقدت بعده كل معاني الحياة، وصارت أسيرة عجلاته، يومياتها كلها بين علب الأدوية، والوثائق والوصفات الطبية، تحسب لكل يوم إلف حساب، بحثا عن أنجع السبل لتوفير ثمن أدويتها وعلاجها وتنقلاتها، خصوصا مع ما يعانيه المعاق في الجزائر من صعوبات كبيرة، تزيد من تعقيد وضعيته الصحية. ولأن المنحة التي تأخذها، لا تكفي مثلما سبقت الإشارة إليه، لتغطية كل مصاريفها، فإنها كثيرا ما تعتمد على ذوي البر والإحسان، لتغطية تكاليف علاجها ودوائها، فيما هنالك من الأدوية ما هي بحاجة إلى استعمالها دائما مدى الحياة، وكثيراً ما تجد نفسها عاجزة عن اقتناء أبسطها واقلها ثمنا، خاصة ما تعلق بمستلزمات تنقية وعلاج الجروح على مستوى قدمها اليمنى السليمة، وبالنظر إلى كونها مصابة بالسكري، فمن الخطير أن تظل رجلُها مصابة بجروح دون أن تتم العناية بها جيدا، وللأسف فإنها لا تجد أحيانا حتى ثمن المراهم والضمادات ومحلول الكحول الخاص بتطهير الجروح، والأقسى من كل ذلك أنها لا تجد من يقوم بتطهير جرحها، كونها غير قادرة على القيام بذلك بنفسها، رغم أنها حاولت في كم من مرة الحصول على مرافقة لها، تسهر على خدمتها وتلبية متطلباتها، من أكل وشرب وغيرها، حيث تقول السيدة "زادي" إنها كثيرا ما كانت تعتمد على الخبز والجبن أياما كثيرة، لأنها لا تستطيع إعداد وجبة ساخنة تعين بها جسمها على تحمل المرض والألم، وليس هنالك من يدق بابها ليمنحها ما تسد بها جوعها، ولا تجد إلا بعض المحسنين من حين إلى آخر، فيما أن اقرب الناس إليها أهملوها وتركوها لمعاناتها، وتخلوا عنها في أصعب الظروف التي كانت فيها بأمس الحاجة إليهم. ولذلك فهي لا تطلب شيئا غير الالتفات إليها من طرف الجهات الوصية، للتكفل بها وبعلاجها، خصوصا مع حاجتها الماسة لتركيب قدم اصطناعية، من جهة وتغطية تكاليف أدويتها الأخرى من جهة أخرى، لعل ذلك يمكنها من استعادة المعنى الحقيقي للحياة، والاعتماد على نفسها للقيام بكل حاجياتها وأمورها.