وقفة مع رجل المواقف الجريئة البطل سعد دحلب.. رجل بوزن أمة مساهمة: الأستاذ عبد القادر حمداوي* ولد البطل سعد دحلب بقصر الشلالة سنة 1919م زاول دراسته في مسقط رأسه بعدها انتقل إلى المدية ومنها إلى البليدة أين تحصل على شهادة البكالوريا سنة 1939-1940 التحق بالحياة العملية كموظف في مصلحة الضرائب استدعي للتجنيد في المدرسة العسكرية بشرشال أين تخرج منها برتبة عريف. نضاله: كانت مسيرة سعد دحلب النضالية تأخذ طريقها إلى حيز الوجود يوم بدأ فكره يتفتح لفهم الأحداث ولم يتجاوز 17 سنة. وكان آناذاك في ثانوية البليدة ةفي سياق الاحتفالات الكبرى المئوية للاحتلال الفرنسي للجزائر وفي هذا الوقت الذي يعيش فيه المستعمر نشوة الفرح بذكرى الاحتلال ويعيش فيه الجزائريون حالة من الإحباط واليأس من أجل هذه الذكرى التي تثير كل عام في هذا الوقت كوامن من الحزن والتحسر. فشخصية سعد دحلب كان قوي الإيمان صادق الوطنية شديد الغيرة على دينه ووطنه يخاطر بنفسه في سبيل الوطن فقد كان على الدوام مناضلا وطنيا همه الوحيد أن تتحرر الجزائر. كان سعد دحلب دائم الاطلاع على الصحف الوطنية الصادرة آنذاك وخاصة جريدة الأمة لسان حال نجم شمال إفريقيا وجريدة الأمة العربية لصاحبها شكيب ارسلان كتب أول مقال سياسي في صحيفة الأمة تحت عنوان أنتم الخنازير تناول فيه معاناة المجتمع الجزائري. بعد انقضاء مدة تجنيده انضم إلى حزب الشعب الجزائري عام 1944 فرع قصر الشلالة وشارك في مؤتمر أحباب البيان والحرية الذي انعقد في مارس 1945 بالعاصمة إلى أن ألقت عليه السلطات الاستعمارية القبض يوم 18 أفريل. ومن مواقفه البطولية الرائعة أنه لما كان يوم 18 أفريل 1945 في قصر الشلالة الذي حاول العدو أن يجتمع بالموالين وعن نقص الكلأ للأغنام اغتنم الفرصة وحث الجميع على الانتفاضة بهذه المناسبة وبهذا ضرب أروع الأمثلة في البطولة وكان يقف أمام الجموع الحاشدة وناشدهم بالاستبسال في سبيل الوطن وكان يخاطب بأسلوب قوي اللهجة عميق التأثير ينبع من قلب مؤمن يلهب حماسا. عرفت مدينة قصر الشلالة يوم 18 أفريل 1945 نشاطا مكثفا وذلك بحضور سكان المدن المجاورة سار في مسيرة ضد تصرفات السلطات الفرنسية وأمرت بالقبض على مسؤولي المنظمين لهذه المسيرة ومن بينهم سعد دحلب. وعندما علمت السلطات الفرنسية بهذا التمرد الشعبي عاد نائب والي الجزائر إلى العاصمة. أوقف أحد مواطني قصر الشلالة سيارة النائب وقام بتفتيشها أمام مرآى السكان وبعد يومين عادت قوات العدو إلى عين المكان ليقوم بالانتقام ووضعت المدينة في حالة حصار. وبدأت بإلقاء القبض على الكثير من سكان قصر الشلالة وزجتهم في السجون منهم من أخذت لسجن وهران ومنهم إلى سجن البليدة. وكان من الذين قادوا الثورة بحكمة ورشد ومهارة إلى النصر المبين. إنهم بسطاء في كل شي: في نشأتهم وتربيتهم وتعلمهم وتكوينهم ولكن هؤلاء أثبتوا للعالم أجمع أن العلوم والتكنولوجيا والأسلحة العصرية المدمرة بمختلف أنواعها والأدمغة الكبرى التي تنضر للحروب وتخطط للمعارك وتقرر المصير قد عجزت كلها أمام هؤلاء البسطاء الذين علمهم الإسلام أن الذل موت وأن الموت في سبيل الحياة عزة. وبقي في السجن إلى غاية أوت 1945 شارك في انتخابات 1947 كممثل للحزب في قصر الشلالة وانتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية في مؤتمر أفريل 1953 أين انفجرت أزمة الحزب التي قال في شأنها: إن جوهر الخلاف يكمن في الاختلاف بين جيلين من إطارات الرعيل الأول الثاني وفي مقدمتهم بعض الجامعيين كما يكمن أيضا في التباين بين المستويين في رؤية الأحداث ومعالجتها . نشاطه أثناء الثورة: كان سعد دحلب من ضمن مناضلي الحركة الوطنية الذين مستهم اعتقالات السلطات الفرنسية غداة اندلاع الثورة حيث أودع سجن بربروس وبقي فيه حتى ربيع 1955 بعدها التحق بصفوف جبهة التحرير الوطني. وفي سنة 1956 قام بأول مهمة في إطار الجبهة حيث كلفه عبان رمضان ويوسف بن خدة الاتصال بالمنطقتين الأولى والثانية بهدف الإعلام والتنسيق وقد التقى خلاله زيغوت يوسف في المنطقة الثانية وكتب تقريرا شاملا عن هذه المهمة نشره في جريدة المقاومة الجزائرية تحت عنوان عائد من الجبل. وبسبب هذه المهمة اعتقل بالقرب من المدية ولم يطلق سراحه إلا في خريف 1956 لم يشارك في مؤتمر الصومام عين عضوا في لجنة التنسيق وتنفيذ الأولى مكلفا بالإعلام والتوجيه انتقل إلى الغرب عبر الولاية الخامسة مع عبان رمضان بعد استشهاد البطل العربي بن مهيدي بعد أن نقل مقر قيادة لجنة التنسيق والتنفيذ إلى الخارج. بعد تنحيته من هذه اللجنة أصبح نائبا لفرحات عباس عين بعدها عضوا في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية حيث شغل خلالها عدة مناصب منها نائبا لوزير الإعلام محمد يزيد في الحكومة المؤقتة الأولى أمينا عاما لوزارة الخارجية مع كريم بلقاسم عام 1959 وزيرا للخارجية في الحكومة المؤقتة الثانية عام 1961 شارك في مفاوضات ايفيان التي حددت مصير الجزائر. بعد اعتزاله العمل الحكومي أسس دحلب دارا لنشر الكتب في العاصمة يذكر أحد أصدقائه أن الفقيد أصيب بانهيار بداية التسعينات متأثرا بالأزمة الدموية التي ضربت البلاد . توفي سعد دحلب رحمه الله في نوفمبر 2000 عن عمر ناهز 82 عاما والكل يشيد فيه بمناقب هذا العلم البارز من أعلام ثورتنا فكان صقرا من صقور الجزائر والذي أخذ معه الكثير من الأسرار. فموت هذا الرمز اللامع الذي قام بواجبه وبسخاء وحلائل الأعمال وتحمل جامعة البليدة اسم المناضل سعد دحلب تخليدا لذكراه.