كورونا وأسعار النفط يُعقدان حسابات السلطات *سفيان عبد الجليل* تشير العديد من المعطيات إلى أن الجزائر مهدّدة بتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية بسبب تداعيات انهيار أسعار النفط في الشهور الماضية وكذا ارتدادات ومخلفات الأزمة الصحية المعقدة الناجمة عن تفشي جائحة كورونا التي وضعت كل بلدان العالم أمام احتمالات بالغة السوء ولا يستبعد المتتبعون أن تتفاقم أزمة الاقتصاد الجزائري في الشهور القادمة وأن ترتفع حدة عجز الميزان التجاري. وبلغ عجز الميزان التجاري الجزائري 5ر1 مليار دولار أمريكي خلال الثلاثي الأول لسنة 2020 مقابل 19ر1 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2019 بارتفاع بلغ 21ر26 بالمائة حسب ما ذكرته المديرية العامة للجمارك وهو رقم مرشح للارتفاع في نهاية السداسي الأول من السنة الحالية بالرغم من الإجراءات التقشفية المعتمدة لامتصاص صدمة الواقع المعقد. وأظهرت البيانات المؤقتة الصادرة عن مديرية الدراسات والاستشراف التابعة للجمارك أن قيمة الصادرات الجزائرية بلغت 62ر7 مليار دولار خلال الثلاثي الأول من العام الجاري مقابل 14ر10 مليار دولار أمريكي في نفس الفترة من العام الفارط مسجلة بذلك تراجعا بنسبة 89ر24 بالمائة. وبخصوص الواردات فقد بلغت تكلفتها الإجمالية 12ر9 مليار دولار مقابل 33ر11 مليار دولار حيث تقلصت كذلك بنسبة 52ر19 بالمائة. ووفقا لنفس المصدر فقد سمحت الصادرات خلال هذه الفترة بتغطية فاتورة الواردات بنسبة 50ر83 بالمائة مقابل 48ر89 بالمائة خلال نفس الفترة من العام الماضي. وقد شكلت المحروقات أهم المبيعات الوطنية نحو الخارج خلال الثلاثي الأول من 2020 اذ تمثل 40ر92 بالمائة من الصادرات الوطنية حيث بلغت قيمتها 04ر7 مليار دولار مقابل 48ر9 مليار دولار مسجلة بذلك تراجعا بواقع 78ر25 بالمائة. وتظل قيمة الصادرات خارج المحروقات ضئيلة حيث لم تتجاوز 7ر578 مليون دولار (ما يعادل 60ر7 بالمائة من المبيعات الجزائرية نحو الخارج خلال هذه الفترة) مقابل 04ر658 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي أي بانخفاض 06ر12 بالمائة. وقد بيّنت حصيلة الجمارك أن هذا التراجع في الصادرات خارج المحروقات قد مس كل المجموعات الرئيسية للمنتوجات المصدرة. وفي سياق ذي صلة أفادت مجلة ناشيونال انترست الأمريكية بأن الجزائر قد تجد نفسها في مواجهة أزمة اقتصادية وسياسية جديدة نتيجة تفشي وباء كورونا والانخفاض الحاد في أسعار النفط. وقالت المجلة في تقرير نشرته مؤخرا إن الجزائر التي تمتلك سادس أكبر احتياط غاز طبيعي في العالم عانت كثيرا من تراجع الأسعار وتدفق موجات من اللاجئين الأفارقة إليها في طريقهم إلى أوروبا في السنوات القليلة الماضية ما أدى إلى مشكلات سياسية كثيرة وتباطؤ الاقتصاد المعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز. وأضافت: نرى أن الوضع الاقتصادي والسياسي في الجزائر بات يعاني بشكل كبير من تفشي فيروس كورونا فيما يتوقع أن يتراجع الاقتصاد بنحو 5.2 بالمائة العام الجاري نتيجة انخفاض أسعار النفط وقرار الجزائر خفض الإنتاج تماشيا مع الاتفاق الذي توصلت إليه منظمة أوبك وشركاؤها أخيرا لمنع الأسعار من الانهيار . وأشارت المجلة إلى أن تفشي كورونا في بلادنا أرغم الحكومة على تعليق خطة الإصلاح الاقتصادي المعروفة باسم صفقة جديدة لجزائر جديدة مضيفة أن تقليص إنتاج النفط أدى إلى تفاقم المشكلات المالية للجزائر. ولفتت إلى أن الحكومة أعلنت أخيرا أنها ستخفض ميزانية العام الجاري بمقدار 50 بالمائة بسبب تراجع أسعار النفط والإجراءات التي اتخذتها لمواجهة كورونا مشيرة إلى البيان الذي أصدرته الحكومة وأكدت فيه أن الظروف الحالية تستدعي إصلاحات هيكلية . ووفقا للتقرير فإن الجزائر العضو في منظمة أوبك لا تزال تستبعد اللجوء لصندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة مالية وستواصل الاعتماد على الاقتراض المحلي رغم ارتفاع مخاطر هذا الاقتراض في الوقت الذي استمرت فيه معدلات البطالة والتضخم في الارتفاع بشكل كبير منذ بدء تفشي وباء كورونا. وتطرق التقرير إلى اعتماد الجزائر بشكل كبير على الواردات من الاتحاد الأوروبي مشيرا إلى أنها ستجد صعوبة بالغة في دفع فاتورة الواردات الغذائية البالغة نحو 6 مليارات دولار سنويا دون تقديم تنازلات مؤلمة للموردين. وأكد التقرير أن من المهم مراقبة الوضع المتدهور في الجزائر لأن هناك تحديات كبيرة تواجهها في هذه المرحلة بما فيها تسارع إصابات كورونا وضعف أسعار النفط والغاز ما يهدد المصلحة العامة في البلاد فضلا عن مخاطر استمرار تدفق اللاجئين الأفارقة وقرب الجزائر من دول تشهد حالات عدم استقرار بما فيها ليبيا ومالي والنيجر . وختمت المجلة تقريرها بالقول: إن احتمالات تدفق مزيد من اللاجئين عبر الحدود الشرقية والجنوبية للجزائر تمثل تحديا كبيرا آخر للحكومة .