من الأمور التي راح المواطنون يقبلون عليها وعلى شرائها مع عودة الصيف العطور، والتي يفضل البعض اقتناءها من محلاتها الأصلية، فيما يكتفي آخرون بشراء المقلدة التي تباع في كل مكان، لكن البعض الآخر يقصد محلات بيع زجاجات العطور والتي عادة ما يتم صنعها أو مزجها من طرف البائع. ونحن نزور بائعاً للعطور التقليدية، أو مستخلصات العطور، والتي تباع في قارورات بمحلات خاصة ببيعها، اعتقدنا، ونحن ندخل المحل الكائن بحي عين البنيان أننا لن نجد إلاّ المواطنين الذين عجزوا عن اقتناء العطور الأصلية باهظة الثمن، أو الذين اكتشفوا رداءة وخطر تلك المقلدة، فجاءوا لشراء زجاجات عطور بأسعار مقبولة، وبنوعية شبيهة بتلك التي تأتي من البلدان الغربية والمشرقية، خاصة وأن المستحضرات التي تصنع بها عادة ما يجلبها هؤلاء الباعة من بلدانها الأصلية. لكن، وبالعكس مما اعتقدنا لم نجد غير هؤلاء الزبائن، بل وجدنا حتى الأجانب الذين أعجبوا بنوعية تلك العطور، وربما عجزوا هم كذلك عن شراء الأصلية منها، حيث التقينا بشاب فرنسي رفقة خطيبته، وكذلك امرأة لها أصول روسية، وكان ذلك في زيارة واحدة للمحل، كما أكّد لنا صاحبه إسماعيل، 29 سنة، أنّ الأجانب من مختلف البلدان من أوروبا والصين والأشقاء العرب، يأتونه يوميا لاقتناء عطوره التي يفضلونها عن تلك الموجودة في السوق، خاصّة وأنهم متعلقون بالأشياء التقليدية أكثر من تعلقنا نحن بها، منهم هؤلاء الذين يزورون البلد من أجل التفسح، وآخرون يعملون هنا، كما منهم من قدم للإقامة بشكل نهائي في الجزائر، كما أنّ زبائنه من الأوروبيين، يضيف إسماعيل، عادة ما يقبلون على العطور الشرقية، والتي تباع بسعر أغلى من تلك الغربية، وردا على سؤالنا له عن الأسعار، صارحنا إسماعيل قائلا: »بعض العطور أبيعها ب300 دج وأخرى تصل حتى الألف وخمسمائة دينار، فصحيح أن تحضيرها سهل ولا يتطلب إلا الدراية والمعرفة، إلا أن المستخلصات تأتيني من بلدانها الأصلية«، قال قبل أن يضيف مازحا: »أنا مثل الطبيب الذي يراه الناس يفحص المريض في دقائق، ويطلب منه في النهاية مبلغا كبيرا«. وقد استغلينا فرصة تواجدنا وتواجد الشاب الفرنسي رفقة خطيبته لنقترب منهما، فقالت لنا الفتاة وهي جزائرية إنّ خطيبها فرنسي، ومع أنها تنوي الرحيل معه إلى فرنسا للإقامة هناك، إلاّ أنها أرادت أن تعرِّفه ببلادنا وتعطيه نظرة حسنة عنها وعن تقاليدها، حتى إذا ما أرادت أن تعود به مرة إلى هنا وجدت أشياء جميلة تقنعه بها، فهي لم تشأ أن تذهب به إلى المحلات الفاخرة التي تبيع عطورا أصلية، لأنها متوفرة هناك، لكن مثل هذه المحلات قد لا يجدها إلاّ في الكتب ولا يراها إلاّ على شاشة التلفاز. أما الشاب فقد تحدثنا إليه هو كذلك، وكان منبهرا بالعطور التي كان يجربها، واكتفى بأن قال لنا بالفرنسية: »فعلا، لقد أحببت هذا«، أما السيدة التي قال لنا البائع وصاحب المحل إنها روسية، فلم تكن تبحث أو تجرب العطور، بل أخذت مباشرة حاجتها منها، حيث قال لنا عنها إنها زبونة دائمة، ولثقتها فيه فهي لا تجرب في كل مرة العطر. كما أخبرنا إسماعيل عن أنواع العطور التي يبيعها، والتي قال إنّ إقبال المواطنين يختلف باختلاف الأذواق والأنواع، وكذلك الفصول والمواسم، فهناك عطور ثقيلة، وأخرى خفيفة، بعضها مصنوع من الزهور والورود وأخرى من الفواكه وخاصة الحوامض، وهي التي يفضلها المواطنون خلال الصيف، ويقبلون عليها بشكل كبير. هذه الزجاجات من العطور تُباع في محلات مخصصة لها، كما نجدها تباع على الأرصفة، حيث نجد البعض وخاصة الأشخاص القادمين من البلدان الإفريقية مثل المالي وموريتانيا وغيرها، نجد بعضهم قد اختص في بيعها، لكن وفي كل الأحوال لا بدّ من الحذر عند اقتنائها، خاصّة وأن تلك التي تباع على الطريق لا تخضع للرقابة أو شيئا من ذلك، وهو ما من شأنه أن يشكل خطرا لا يُستهان به على البشرة والجهاز التنفسي.