عرفت الجزائر في السنوات الأخيرة انتعاشا كبيرا في سوق العطور خاصة بعد ظهور محلات جديدة لبيع وتحضير الأنواع والماركات العالمية. محلات تشبه كثيرا محلات العطارة القديمة، يقصدها الشباب كما الكبار لما توفره من طلب متزايد وبأسعار معقولة. الانتشار اللافت للاهتمام لهذه المحلات جعل الكثير يتساءل عن مصدرها وعن المواد المستعملة؟ وعن سر نجاحها. يقصد الكثير من المواطنين محلات العطور ذات الماركات العالمية للشراء أو حتى التمتع بالتشكيلة المعروضة داخل المحل. كما أنهم يرغبون قبل اقتناء أي نوع من العطر تجريبه للتأكد من رائحته ومن أنه العطر المرغوب. لكن البائع يرفض ذلك بحجة أنه باهظ الثمن ولا يمكن تجريبه، وبالتالي يكونون ملزمين بشرائه حتى وإن لم تعجبهم الرائحة. لكن ما نجده اليوم هو خلاف ذلك تماما، إذ انتشرت محلات العطور بشكل ملفت للانتباه تؤمن لزبائنها التمتع بالاستنشاق والتعرف على الماركات حتى وإن كانت النية عدم الشراء. وبغية التعرف أكثر على خصائص هذه العطور وماهيتها، ومدى إقبال الناس عليها، قادتنا الجولة إلى الكثير من المحلات بالعاصمة بدايتها كانت بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة والمعروف بانتشار هذا النوع من المحلات. محلات مغرية.. باعة شباب حرفتهم الإقناع بمجرد دخولنا إلى المحل لاحظنا انتشار تشكيلة متنوعة ومختلفة الروائح، بعضها ذات طابع أوروبي وأخرى تعبر عن أصالة وعراقة العرب من عنبر وعود. أما عن الشباب الباعة فكانوا في مقتبل العمر يرحبون بالزبائن ويغرونهم بالدخول إلى المحل، وشراء هذا المستخلص أو ذاك برشهم ببعض القطرات مجانا. يقول أحد الباعة: ''نضحي ببعض القارورات يوميا للتعريف بمنتجاتنا، حيث نقوم برشهم بأجمل العطور حتى تلقى إعجابهم ويقومون بشرائها، فتقريبا 90٪ من الزبائن المتوافدين يقتنون على الأقل قارورة واحدة خاصة أن سعرها في متناول الجميع، فماذا تساوي 150 دينار أو 200 دينار أمام عطر ذا ماركة عالمية''. وأضاف صاحب المحل: ''هذا النوع من المستخلصات أوروبي الأصل، إذ نجلبها من فرنسا، إسبانيا، انجلترا، وهي بالتالي مستخلصات أصلية تلقى إعجاب فئة عالية من الناس، وأكثر الماركات المطلوبة هي: PACO RABANNE, CHANEL, AZZARO, GIVENCHY للرجال، أما فئة النساء فأكثر طلباتهن هي ESCADA, BOSS NOMAN وغيرها من الماركات العالمية''. ونحن نجوب داخل المحل لاحظنا توافد الكثير من الزبائن أغلبهم شباب وفتيات في مقتبل العمر، يختارون العطر المفضل لديهم، تكلمنا مع ''منال'' وهي إحدى الفتيات المهووسات بالعطور، لكن راتبها لا يسمح لها باقتناء ما تريد، لهذا وجدت ضالتها في هذه المستخلصات ''منذ أن فتح أول محل لمستخلصات العطور بالعاصمة وأنا زبونة دائمة له، خاصة أني أجد عنده ما أفضل اقتناءه من عطور ذات ماركات عالمية. ولا أخفي عليكم، فالأسعار جد مرضية وتساعدني كثيرا، ولا أحتاج إلى الكثير إلى المال من أجل ذلك، ولم أكتف بالاقتناء لنفسي، فصرت أقدمها كهدايا لصديقاتي، لأنها شيء مميز حقا''. لم يكن رأي ''عادل'' بعيدا عن رأي منال، إذ يعجبه كثيرا هذا النوع من المستخلصات، خاصة وأن العطور أصبحت حاجة يومية لكل إنسان ولا يمكن الاستغناء عنها. أسعار معقولة وكميات حسب الطلب لمعرفة طريقة الصنع انتقلنا إلى محل مماثل بدرارية، فلم يكن الاختلاف كثيرا عن باقي المحلات، إذ التوافد كثير للزبائن وخاصة طلاب الثانويات من ذكور وإناث، فيقول صاحب المحل: ''نحضر هذا النوع من العطور منذ عامين، أي بداية انتشار هذه التجارة في الجزائر التي كانت بحاجة إليها، وهي تلقى الكثير من الزبائن في المناسبات وغيرها، وجميع الفئات العمرية، خاصة أن أسعارها تناسب الجميع''. وعن عدد الماركات العالمية الموجودة في المحل فيقول إنه يحتوي على 200 نوع لحد الآن. أما طريقة الصنع فإنه يمزج الكحول التجميلي بالمادة المستخلصة المتمثلة في عطر مركز خالٍ من الكحول يتم جلبه من أوروبا، إضافة إلى الماء المقطر، ويقول صاحب المحل إن 30٪ عبارة عن مستخلص والباقي كحول وماء مقطر. ولعل الميزة الأهم التي تطبع هذا النوع من العطور أسعارها المعقولة فهي تتراوح بين 200 و600 دينار جزائري حسب حجم القارورة ونوعيتها أيضا، فقارورة تتسع ل 20 ملل تباع ب 200 دينار جزائري، و50 ملل ب 400 دينار جزائري و100 ملل ب 600 دينار جزائري، ولهذا تعرف تهافت الزبائن في مختلف المناسبات والأفراح. كما توفر هذه المحلات لمحبي المسك أنواعا كثيرة منه كالعنبر والعود، لكنها لا تباع في صورتها الخام تحضر في المحل وإنما تباع جاهزة ويتم جلبها من فرنسا واسبانيا والسعودية وهي التي تحبذها شريحة العجائز وكبار السن خاصة في المناسبات الدينية. ويؤكد صاحب المحل أن زبائنه ليسوا من الجزائر فقط، بل هناك أجانب يفضلون هذا النوع من المستخلصات، سواء أوربيين أو من الدول العربية، فيوجد منهم من يقتنيها هدايا عندما يكون راجعا إلى بلده أيضا. أما الزبائن الذين وجدناهم داخل المحل فكانوا كلهم طلاب وتلاميذ ثانويات. عدلان هو واحد منهم فيقول إنه لا يستغني عن هذا النوع من العطور لأنه يساعده كونه ليس عاملا، وكونها تلبي رغبته كماركات عالمية. أما أميرة فهي تقتني ثلاثة أو أربعة مستخلصات يوميا، فتقول إنها تحبذ العطور كثيرا خاصة أنها زهيدة الثمن فما يساوي 100 دج مقابل مستخلص واحد. ومثيلتها كثيرات. ولم تكن هذه العثور مساعدة لهذا النوع من الشباب بل كانت أيضا لمن دخلن القفص الذهبي فتقول أحلام: ''كوني أعمل ضمن الشبكة الاجتماعية ولا أستطيع تلبية جميع رغباتي إلا أنني وجدت غايتي في هاته العطور خاصة عندما كنت عروسا، حتى أنني كنت أسأل عن نوع العطر الذي أضعه وعن ماركته، وهذا طبعا ما زاد من سعادتي وفي الحقيقة هو لم يكن إلا عطرا بسيطا. وإذا كانت هاته العطور تلبي رغبات الناس كونها تضاهي الماركات العالمية، إضافة إلا أنها زهيدة الثمن، فهذا لا يعني أنها لا تسبب مشاكل صحية خاصة إذا كانت البشرة حساسة، وهو ما أكدته فئة من الناس. تقول السيدة كريمة وهي عاملة في قطاع التربية إن هذا النوع من العطور حتى وإن كان ذا أصل أوروبي، ويتم صنعه أمام أعين الناس، إلا أنه تسبب في تدكين المنطقة التي أضعه فيها، لذا خففت من شرائي له بعد أن كنت مدمنة عليه. أما سيدة أخرى فقد تسببت لها بحساسية في الجلد لإفراطها في استعمالها شهورا عديدة، خاصة زيوت العطور المركزة. التقليل من الكحول يضمن بشرة صحية للاستفسار عن الأمر أكثر ولمعرفة مدى تأثير هذا النوع من العطور على البشرة، زرنا أخصائي جلد الدكتور كمال خالف في مقر عيادته، فأكد لنا أن المشكل الوحيد هو الكحول المستعمل في التركيبة والذي لابد أن لا يتجاوز نسبة مئوية معينة حتى لا يضر بالبشرة ولا يتسبب بحساسية مفرطة فنسبة 30٪ أو أكثر ستتسبب ومن دون شك بأضرار خاصة إذا مع المدوامة عليه والاستعمال اليومي. أما إذا كان عكس ذلك، أي نسبة الكحول منخفضة فإنه لا ضرر في ذلك أبدا، وينصح الباعة بتجنب كميات الكحول حتى يضمنوا سلامة الزبون، وتكون الفائدة على الجميع. مسايرة الموضة ومقتضياتها جعل من العطر مركز اهتمام الشباب فكانت هاته المحلات الجديدة نوعا من المحلات المختصة التي تلبي الحاجة حسب الطلب تماما، لكن هذا لا يعني عدم مراعاة الشروط الصحية من طرف البائعين الذين يجب أن تتوفر دليهم الخبرة والحيطة والحذر في تركيبة هاته العطور حتى تضمن السلامة للزبون من جهة، ويحصل على ماركات عالمية من جهة أخرى.