لقد اعتدنا أن نصطدم في الحافلات والمحطات والأسواق وكلّ الأماكن المكتظّة بهؤلاء اللصوص الذين يتحينون الفرصة لينقضوا على جيوب المواطنين فيختلسون أموالهم وممتلكاتهم، لهذا صرنا نحتاط منهم ونحسب لهم ألف حساب، لكن يبدو أن مظهرهم بل وجنسهم قد تغير، فمن شاب صغير يرتدي ملابس رياضية وقادر على الهرب والفرار بسرعة إلى فتاة جميلة تمارس السرقة والاختلاس دون أن ينتبه لها أحد. ركبنا حافلة قادمة من محطة »تافورة« ومتجهة إلى الشراقة، وكنا بتريولي بباب الواد، كانت الحافلة مكتظة، وكان الجميع، وخاصة الشيوخ والنسوة، يحاولون الحصول على مكان للجلوس، وكما يحدث في أيّ حافلة بتلك المواصفات فقد اندلعت بعض الشجارات بين الركاب، ما جعل الجميع يفقد تركيزه، قبل أن تمر من بين الجموع امرأة في العقد الثالث، كانت تدفع بهذا وتلتصق بآخر، ثمّ تطلب وبشكل مهذب من مواطن ثالث أن يسمح لها بالمرور، وكانت تبدو وكأنها مجنونة وهي تحادث هذا بأدب وتتوجه إلى ذاك بلهجة شديدة، كانت تريد النزول، قبل أن يقفل السائق الأبواب وينطلق، ووصلت إلى الباب ونزلت ليكتشف المواطنون الذين كانوا بداخل الحافلة أن المرأة قد أخذت كل شيء كان بحوزتهم وغادرت. كانت البداية مع الشاب الذي حدثته المرأة بأدب، اكتشف أنّ هاتفه النقال قد سرق منه، بحث في جيبه وحقيبته ولم يجده، فاقترح عليه شخص آخر أن يعطيه رقمه حتى يتصل فإن كان الهاتف لا يزال في الحافلة فسيمكنهم رنينه من اكتشاف مكانه، ورن الهاتف، ولكن في مكان آخر، ربما يكون بعيدا، وهنا تفطن شخص آخر إلى أن حقيبة جيبه قد فقدت منه هو الآخر، فاستغرب الأمر، وما إن رآه باقي الركاب حتى راح كل واحد فيهم يتفقد جيوبه، وكانت هناك ضحيتان اثنتان، شاب فقد هاتفه النقال، وفتاة في العشرين سُرق منها عقدُها، واحتار جميع من كان في الحافلة من الأمر، إلاّ أنّ تذكر أحدهم تلك المرأة التي مرت بسرعة من أمامهم والتي كانت تلتصق بهذا وتتحدث إلى ذلك، رغم أنها كانت مسرعة، وراح بعض المواطنين يطلقون تعليقاتهم، بعضهم يستغفر الله، وآخر يدعو على الفاعل، حتى أنّ مواطنا علق على الوضع ساخرا: »جات مسحت كلش او خرجت«، وقد وجدوا أن تصرفاتها بالفعل كانت غريبة، وحتى وجهها لم يتعرف عليه أحد، فلا شك أنها من منطقة بعيدة جاءت لتمارس السرقة والاختلاس، ولا شكّ أنها لن تعود إلى المكان، بل ستختار حيا آخر، وربما حافلة أخرى، لتنفذ جرائم أخرى. ولم تكن المرأة مجنونة أو مريضة، بل بالعكس من ذلك كانت تعرف جيدا ما تفعله، ولا شك أنها سارقة محترفة، لكن لا أحد يشك فيها، فهي وبالإضافة إلى ملابسها الرثة، فإنه لا يبدو على وجهها علامات المكر أو أنها تنوي شرا، الأمر الذي جعل الركاب لا يشكّون في أمرها. لكن مما لا شك فيه أنّ هناك بعض النسوة اخترن طريق السرقة والاختلاس في محطات النقل، أو داخل الحافلات، أو في الأماكن العمومية، مستغلات جمالهن وكونهن نسوة ليحتلن على المواطنين والركاب، وحتى وإن قبض على إحداهن في حالة تلبس فإنها تعرف كيف تحتال على الضحية، حتى لا يفضحها، أو حتى يتصدق عليها كذلك، وهو ما حدث للشاب لحسن، والذي أخذت منه امرأة لم تبلغ الأربعين هاتفه النقال، وقد كان ينتظر في محطة الحافلة، وقد انتبه للأمر لأن المرأة لم تكن محظوظة فما أن استولت على الهاتف حتى أخذ يرن، ولأن لحسن لم يكن بعيدا سمعه، واكتشف أنه ليس بحوزته بل بحوزة تلك المرأة التي يبدو أنها بقيت في المكان لكي تصطاد ضحايا آخرين، قبل أن تغادر بغنيمة كبيرة، ولما أمسك لحسن بالمرأة، راحت تشكو له حالها، وكيف أنها مسؤولة عن أطفال صغار لا بدّ أن تعيلهم، وأنها وحدها ولا تملك من يسندها، فأشفق عليها لحسن، وأعطاها بعض الدنانير، لكنه ندم بعد ذلك حين اتجه إليه قابض تذاكر رأى الموقف من بعيد، حيث قال له إنّ تلك المرأة قد احترفت السرقة والاختلاس منذ مدّة طويلة، وأن لا أبناء لها ولا شيء، فقط تقول ذلك حتى تفلت من العقاب، ولمَ لا تتحصل على صدقة من ضحاياها مثلما فعلت معه.