الشهوة من الممكن أن تكون سلماً نرقى بها أو درجات نهوي بها، ولولا الشهوات لما ارتقينا لرب الأرض والسماوات، والمال هو أحد أكبر شهوات الحياة قال تعالى »زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ«. فالمال أحد أكبر الشهوات التي أودعها الله فينا، وأحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل، وهو قوام الحياة فأنت حينما تعمل وتكسب مالاً حلالاً تشتري بيتاً تتزوج تنجب أولاداً تسعد بأهلك وبأولادك هذا المشروع الكبير أساسه أنه لك عمل ترتزق منه فالمال قوام الحياة. ضمن سلسلة حديثه عن »مقومات التكليف« تحدث الدكتور محمد راتب النابلسى خلال برنامجه »أفلا تبصرون« على قناة الرسالة الفضائية حول موضوع شهوة المال، بعد أن تناول الحديث عن العقل والفطرة والشهوة والتي منها شهوة المال، حيث أوضح دور المال في حياة المؤمن فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول »المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف«، فينبغي على المؤمن أن يكون ذا مال إذا كان طريق كسبه وفق منهج الله، فالمال قوة بمعنى أن الخيارات المتاحة للغني في العمل الصالح لا تعدُّ ولا تُحصى فبواسطة ماله يزوج شاباً ويعالج مريضاً ويرعى أرملةً ويطعم يتيماً، فالخيارات المتاحة لصاحب المال لا تعد ولا تحصى. بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الغني المؤمن قريباً من درجة العالم العامل قال عليه الصلاة والسلام: »لا حسد إلا في اثنتين في رجل أتاه الله علماً فهو ينفق منه أناء الليل وأطراف النهار« المال في الإسلام أحد أكبر أسباب دخول الجنة وأسباب التقرب إلى الله، فمن الممكن أن ترقى به إلى أعلى عليين ويمكن أن تهوي به إلى أسفل سافلين. وأضاف الدكتور النابلسى: لكن الآية الدقيقة التي تبين قيمة المال قوله تعالى: »وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا« سورة النساء، يعني المال قوام الحياة ولذلك هذا الذي يدعي أنه لا يحب المال لا أصدقه حيث أودع الله في الإنسان حب المال، فهو شيء متغلغل في أعماق الإنسان لكن هناك من يعترف ومن لا يعترف ولكن شهوة المال مودعة في كل إنسان اعترف أو لم يعترف صرح أو لم يصرح، فالحقيقة الأولى هي أن المال قوام الحياة، لا تحتقر المال فهو من نعم الله الكبرى إذا كان كسبه مشروعاً وكان إنفاقه في وجوه الخير. ويجب أن نعرف أن المال حيادي أن تكون غنياً فهذا خير، وإذا أنفق المال في طاعة الله فهو خير وإذا أنفق في معصية الله فهو شر، فالمال ليس نعمةً وليس نقمةً ولكنه موقوف على طريقة إنفاقه بل على طريقة كسبه أيضاً لذلك الإنسان يوم القيامة يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه يسأل عن عمره وعن شبابه وعن علمه أما عن ماله يسأل سؤالان من أين اكتسبه وفيما أنفقه. ثم أوضح الدكتور النابلسي أن الله سبحانه وتعالى من حكمه البالغة أنه أودع فينا حاجات، حاجة إلى الطعام والشراب وحاجة إلى الجنس وحاجة إلى تأكيد الذات، وأن هذه الحاجات الثلاث تحتاج إلى المال أي أنه دفعنا إلى كسب المال، مشيراً إلى أن الفكرة الدقيقة في ذلك أن الله جل جلاله حينما وصف بشرية الأنبياء قال كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، لذلك هذا الذي لا يعمل لا مكان له في مجتمع المسلمين سيدنا عمر يقول: »إني لأرى الرجل ليس له حرفة فيسقط من عيني«. وبين النابلسي أن كل واحدٍ منا في عمله الذي يكسب منه رزقه في مهنته التي يمتهنها بإمكانه أن يجعل من عمله المهني الحرفي عبادة إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعةً وسلكت بها الطرق المشروعة وليس فيها كذب ولا غش، فإذا نجا المؤمن من معاصي البيع كلها وكانت حرفته في الأصل مشروعة وسلك بها المسلم الطرق المشروعة وابتغى منها كفاية نفسه وأهله وخدمة المسلمين كان عمله مشروعاً، فقد كان السلف الصالح حينما يفتح محله التجاري يقول نويت خدمة المسلمين. وأكد الدكتور راتب النابلسي على نقطة »المال حيادي« تتوقف قيمته على طريقة كسبه وإنفاقه فهو نعمة ونقمة وهو سلم ترقى به أو دركات تهوي بها مستنداً في ذلك إلى قوله تعالى »فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ«. وأضاف النابلسي: هناك أشياء ثانوية نسميها رفاهية بمعنى إذا لم يأكل الشخص بعض أنواع الفواكه النادرة والغالية فإنه لا يموت جوعاً، فالإنسان إذا أتاه الله المال وكان منحرفاً يعتقد بذلك أن الله يحبه وفضله عن غيره بالمال، وهذا ليس صحيحا فها هو قارون أغنى منك »وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ«. الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، فالمال ليس مقياساً لمحبة الله ولا يمكن أن يكون نقص المال مقياساً لبغض الله عز وجل، يجب أن تعلم علم اليقين أن أحد أكبر أسباب التقرب إلى الله إنفاق المال والدليل على ذلك قوله تعالى »لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّه«. قال علماء التفسير إن هذه الكلمة »على حبه« تحمل معنيين إما آتى المال وهو يحبه أو آتى المال حباً بالله على كل »لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ«.