في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء السابع والثلاثون- بقلم: الطيب بن إبراهيم *الإرسالية وتعريب الصلوات والترانيم تعريب الإرسالية في حد ذاته لا يطرح تساؤلا لو كان لعرب مسيحيين أو لمجموعة عربية مقيمة بالإرسالية أو حتى لمجموعة تتكلم اللغة العربية لكن أن يُصبِح التعريب أولوية لمجموعة فرنسية لا تعرف اللغةَ العربيةَ باستثناء شخص أو اثنين في أقصى الحالات فهنا علامة الاستفهام والتعجب عن سرِّ ذلك الإصرار على التعريب وهم الذين عمدت دولتهم واجتهدت في فرنسة مستعمراتها العربية وغير العربية في مرحلتي الاحتلال والاستقلال وحاربت اللغة العربية بكل وسيلة وفي كل نزال؟!. كانت غاية إرسالية إخوة يسوع الصغار أن تكون هوِيَّة وحال لسان رسالة كنيستهم عربية بين السكان العرب حتى وان كان جلُّ نزلائها ليسوا عربا ولا يعرفون اللغة العربية حاولت بكل إمكانياتها أن تكون عربية المبنى والمعنى وكانت مسألة تعريب صلواتهم أعقد ما واجهوه فتعريب الصلوات يحتاج لعلم ومعرفة واسعة باللغة العربية وعلومها لإنجاح المهمة إضافة إلى جودة نطقها والتحكم في مخارج حروفها وكان سندهم في ذلك هو كبير المستعربين الفرنسيين لويس ماسينيون الذي كانوا يلجئون له كل حين فهو من نصح رئيس الإرسالية فوايوم بالصلاة باللغة العربية بين السكان كما كان يفعل اليهود في صلواتهم في العهد العباسي. مع بداية صيف سنة 1935م وقبل تعريب صلوات الكنيسة عرب الإرساليون شكل هذه الأخيرة فمبناها كان مبنى عربيا وكتاباتهم على جدران الكنيسة وحول محرابها كانت باللغة العربية التي كان يجهلها نزلاء الإرسالية باستثناء المستشرِقَيْنِ رئيس الإرسالية ولويس غاردي ثم بدا التخلي على الصلاة باللغة اللاتينية واستبدالها باللغة العربية أي بعد سنتين من تأسيس الإرسالية حيث بذل المستشرقون جهودا مضنية لتحيق ذلك وأصبح يفرض على جميع نزلاء الإرسالية تعلم اللغة العربية لساعة واحدة يوميا. تجنّد لخدمة مشرع التعريب نخبة من المستَعْرِبين فزيادة على جهود المُسْتَعْرِب المقيم بالإرسالية لويس غاردي حلَّ بالإرسالية يوم الثلاثاء 20 يوليو جويلية سنة 1935 المستشرق أيميل جانيي Emil Janier الأستاذ والمدير لمدرسة تلمسان وذلك في إطار دعمه لإرسالية الأبيض سيدي الشيخ وهو صديق مقرب من ماسينيون جاء يحمل كتبا دينية للإرسالية مترجمة للعربية كذلك وعملا بنصائح ماسينيون استُدعِي من لبنان الأب أنطوان حبيب ليعلم نزلاء إرسالية الأبيض كيفية الصلاة باللغة بالعربية وحول التأكيد على أهمية الألحان العربية وتعريب الصلاة هو ما أكد عليه الأب أنطوان في رسالة له أرسلها لرئيس إرسالية الأبيض الأب فوايوم بتاريخ 16 أكتوبر سنة 1935. وحل بالإرسالية أيضا المستشرق بيار غرو pierre Gros خريج مدرسة الدراسات الشرقية القادم من باريس والذي وصل إلى مدينة الأبيض سيدي الشيخ يوم 19 جويلية سنة 1935 وكان هو الآخر مُرسَلا من قبل لويس ماسينيون. كما تحصلت إرسالية الأبيض على ترجمة عربية كَرْمَلِيَة للإنجيل أرسلت إليها من بيت لحم وكذلك تم إرسال نسختين من الإنجيل والتوراة بالعربية من بيروت وصلتا لإرسالية الأبيض يوم الثلاثاء 12 مارس سنة 1935 وفي صيف سنة 1935 وضعت نسخة عربية للإنجيل على مكتب الكنيسة بدل النسخة غير العربية التي سحبت من المكان. وأول صلاة عشاء (La prière du soir) أقيمت في كنيسة الأبيض بالعربية من طرف القساوسة كانت يوم الاثنين 20 يناير سنة 1936 كما استعملت الكنيسة الترانيم الشرقية العربية التي تتلاءم مع سكان مدينة الأبيض سيدي الشيخ وكان رجال الإرسالية يرددون في المناسبات باللغة العربية قولهم : لا اله إلا الله سيدنا عيسى بن الله أما صلاة القداس وهي الأهم فتأخر تعريبها عن الصلوات العادية بحوالي خمس عشرة سنة إذ تمت في عهد ثاني رئيس للإرسالية ميلاد عيسى وذلك لما تتطلبه هذه الصلاة من تحضير واستئذان من الجهة الوصية وأول قداس تم بالعربية في كنيسة الأبيض كان صباح يوم الأحد 21 أوت سنة 1949م حيث أداه رئيس الإرسالية الأب ميلاد عيسى بالمصلين وتم ذلك بعد الطلب الذي قدمه للجهة الوصية وانتظر إلى أن جاءته الموافقة. وفي إطار سياسة التكيف الثقافي واللغوي المتبعة من طرف الإرسالية مع محيطها العربي متمثلة في تعريب الكنيسة وكل محيط الإرسالية أصبحت كتاباتها كلها معربة ابتداء من بوابة مدخل مقر الإرسالية الرئيسي الذي كتب على بابه بخط عربي مغاربي كبير اسم الخلوة وعلى بابها الثانوي كُتِب بالعربية أيضا اسم دار السعادة مرورا بساحتها ومطعمها ومكتبتها وقاعة الضيافة وحتى نص نظام الانضباط الموجود بجدار المطعم كتب باللغة العربية بدل الفرنسية بالإضافة لكل لوحات وجداريات الإرسالية كلها كتبت باللغة العربية وهذا المحيط الذي تم تعريبه يحتوي على كل الأماكن التي كان عادة يتردد عليها الزوار العرب في المناسبات أو بدون مناسبات لدواعي وحاجات مختلفة ليروا جيرانا مستعرِبين ؟!. لم تُعرَّب فقط مرافق الإرسالية التي قد يتردد عليها الزوار العرب بل عُربت حتى الكنيسة نفسها وجدرانها وكل ما بداخلها وهي مكان الصلاة الذي لم يكن مفتوحا لغير المصلين المسيحيين وكما جرت العادة المسيحية نُقش على جدران الكنيسة أربعة عشر لوحا جبسيا يعلو كل لوح منها صليب خشبي كتبت عليها مقاطع من الإنجيل والتوراة بخط عربي مغاربي نَقَشَ خطوطها العربية المغاربية المُستَعْرِب لويس غاردي ابتداء من شهر أكتوبر سنة 1934 وهو نفس الشهر الذي أنجزت فيه المئذنة وانطلقت منها تجربة أذان الكنيسة باللغة العربية. هكذا وفي وقت الاحتلال والفرنسة عُرِّبت الإرسالية على غير العادة لنزلاء وزوار وقساوسة وأساقفة لا يعرفون اللغة العربية لان التعريب ومشروعه لم يكن موجها لسكان الإرسالية القساوسة الخمسة ولأبناء جلدتهم وملتهم من زوارهم ولكن الرسالة والخطاب كان موجها للسكان العرب المجاورين للإرسالية وهم من تجند الجميع في مخاطبتهم بلغتهم وبكل أساليب حياتهم!!؟ . يتبع...