في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الخامس والأربعون- بقلم: الطيب بن إبراهيم عنوان الصورة: ضريح سيدي الشيخ *ثورة الشيخ بوعمامة وتفجير ضريح سيدي الشيخ عندما حل رجال ارسالية إخوة يسوع الصغار بمدينة الابيض سيدي الشيخ سنة 1933 كان قد مرّ على وفاة الشيخ بوعمامة ( 1840 - 1908 ) خمس وعشرون عاما فقط وهي مدة قصيرة نسبيا وكان الكثير من سكان المدينة الذين عاشوا احداثها على قيد الحياة وبعضهم كان يعرف الشيخ بوعمامة شخصيا وشارك معه في مقاومته وهؤلاء كانوا قد رأوا بأعينهم حدث مذبحة مدينتهم بزعامة السفاح دو نيغريي يومي 14 و15 اوت سنة 1881 وكان رئيس الإرسالية الأب فوايوم يتصل بالسكان ويسألهم عن كيفية تفجير ضريح سيدي الشيخ ومشاعر السكان وردود فعلهم واثر ذلك على المريدين وما قاله الشعراء عن الحدث وامام فظاعة وهول ما وصفوه له اعترف رئيس الارسالية بمذابح جيشه الفرنسي في حق مدينة الابيض وتكلم على ذلك في اكثر من مناسبة وفي اكثر من مكان مستشهدا احيانا بالأرقام التي سمعها من شهود العيان وليس من تقارير جيشه المزيفة اذ يقول: العقيد De Négrier حطم كل شيء واعتقل السكان والنساء والشيوخ والأطفال فرُّوا للجبال وفي موضع اخر يقول: ان تفجير سيدي الشيخ وقطع نخيل المدينة من طرف دو نيغريي سنة 1881 لم يُنسى لغاية التحاقنا بالأبيض منذ سنة 1933.. . *مقاومة اولاد سيدي الشيخ للاحتلال الفرنسي علاقة الزاوية الشيخية بالغزاة لم تبدأ مع بداية الفرنسيين بل بدأت مع ابناء عمومتهم الغزاة الاسبان حيث كان مؤسس الزاوية الصوفي الشهيد سيدي الشيخ هو اول الشهداء ضد احتلال الاسبان لوهران. اما مقاومة الزاوية الشيخية للفرنسيين فتعود للأيام الاولى للاحتلال حيث ارسل الامير عبد القادر رسالة للزاوية مطالبا دعمها للجهاد ضد العدوان الفرنسي أُرسِلت الرسالة في اليوم الأخير من شهر جماد الأول سنة 1248ه الموافق 24 من نوفمبر سنة 1832م وكان على رأس الزاوية آنذاك السي حمزة بن بوبكر وعلى الفور ردت الزاوية بإرسال المقاومين بزعامة الشيخ الغمري للأمير كما كان رد فعل اولاد سيدي الشيخ قويا على الطلائع الاولى للفرنسيين لمنطقتهم بزعامة العقيد جيري قبل ان يُردّوا على اعقابهم في اول مواجهة عسكرية بين الطرفين يوم 2 ماي سنة 1845 بواد الشريعة بزعامة السي الشيخ بن الطيب 1780 - 1870 وبعد هدنة غير معلنة تجددت الثورة وكانت اول معاركها يوم 8 افريل سنة 1864 بزعامة السي سليمان بن حمزة 1842 - 1864 الذي استشهد بعد أن قَتَل العقيد بوبريتر وأباد قواته ليخلفه اخوه محمد بن حمزة 1843 - 1865م الذي استشهد هو الاخر بسبب اصابته في معركة قارة سيدي الشيخ يوم 4 فبراير سنة 1865 وهو الذي قال عنه المؤرخ الفرنسي إيميل غوتيي E.Gautier: لقد أنجبت الجزائر في الفترة التي نحن بصدد الكلام عنها عمالقة في ميدان البطولة مثل السي محمد بن حمزة وأنجبت عمالقة في ميدان الخيانة مثل الأغا قدور الصحراوي ولد عدة . بعد استشهاده خلفه اخوه احمد بن حمزة 1852 - 1868م وهو اصغر قائد للمقاومة الجزائرية حيث كان سنه سنة 1865 ( 12 سنة ) حسب لامارتينيار والعقيد تروملي ليلتحق بأخوته شهيدا مسموما في شهر اكتوبر سنة 1868 وخلفه اخوه الرابع السي قدور بن حمزة 1853 - 1897 بالاضافة لعمهم القائد العسكري المحنّك السي لعلى وكان اخر قائد لمقاومة اولاد سيدي الشيخ هو الشيخ بوعمامة. لقد أُعجِب الجزائريون بمقاومة اولاد سيدي الشيخ وانضموا لها من كل جهات الوطن وتغنى الشعراء من قدماء ومحدثين ببطولاتها وانتصاراتها فقال عنها شاعر مقاومة اولاد سيدي الشيخ محمد بالخير: أحْنَا مُجَاهْدِين مَانَا قَوْل ضْعِيف تَبّعْنَا ما قال رب في القرآن واحْنَا فُزْنا على العرب جيد وشريف بَتْوَانسْ نَضْر بوا على شَوْفة لَعْيَان واللي ما نَافْ على النَّبي ما عنده نَيْف محمد صاحب الشفاعة والفرقان وقال عنها شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا بنو سيد الشيخ قادوا النضالا فهزّوا الثرى وأذابوا الجبالا... *ثورة الشيخ بوعمامة: الانتقام وتفجير ضريح سيدي الشيخ الشيخ بوعمامة اكثر قادة مقاومة اولاد سيدي الشيخ تشابها وتشبثا بجده سيدي الشيخ فاسمه الحقيقي هو محمد بن العربي لكنه اخذ اسم بوعمامة وهو احد اسماء سيدي الشيخ تيمنا به وهو أكثر قادة مقاومة اولاد سيدي الشيخ اقتداء بتصوف وجهاد سيدي الشيخ والشيخ بوعمامة هو المتهم بتهريب زعيم الزاوية الشاب السي حمزة بن بوبكر ( 19 سنة ) يوم 8 نوفمبر سنة 1878 من الابيض إلى عمه السي قدور بن حمزة زعيم المقاومة بجنوب الابيض وهذا حسبما توصل اليه التحقيق الفرنسي وكان وقع ذلك كبيرا على فرنسا. ومن مدينة الابيض سيدي الشيخ انطلقت مسيرة الشيخ بوعمامة الجهادية نحو الشمال كما ان الشيخ بوعمامة اختار مناسبة ذكرى وفاة سيدي الشيخ تاريخا لمعركته التي كنت يوم الخميس 19 ماي سنة 1881 حيث سحقت قواته قوات العقيد اينوسونتي Innocenti في معركة تازينة بالإضافة إلى كل ذلك تحمس سكان مدينة الأبيض لمقاومة الشيخ بوعمامة ومشاركتهم بقوة معه إذ يقول رئيس الإرسالية القس فوايوم: أن قوات دو نيغريي وجدت قصور الأبيض شبه خالية من السكان الذين التحقوا بمقاومة الشيخ بوعمامة. وما أثار غضب الفرنسيين ان الشيخ بوعمامة مباشرة بعد انتهاء المعركة اتجه بقواته إلى عاصمة أولاد سيد الشيخ الأبيض حيث ضريح جدِّه وكأنه يريد أن يحمل إليه بشرى الانتصار ويُشْرِكه في الاحتفالات التي دامت أسبوعا كاملا بجواره. بالإضافة إلى ذلك الخسائر العامة التي كبّدها الشيخ بوعمامة لفرنسا والمتمثلة في عشرات القتلى والجرحى إلى جانب ثلاثمائة أسير وبلغت غنائمه ألف غرارة شعير وقمح وهذا حسب جريدة التايمز البريطانية. هذه العلاقة القوية القائمة بين الشيخ بوعمامة وسيدي الشيخ وزاويته ومدينته كانت تتم تحت انظار العدو الذي نفد صبره هذه المرة وكانت هزيمة معركة تازينة 19 ماي 1881 وما تلاها من احتفالات في مدينة الابيض بمثابة القطرة التي افاضت الكاس وفجرت غضب وانتقام فرنسا من اولاد سيدي الشيخ بل من ضريح سيدي الشيخ نفسه. ان تاريخ فرنسا في الانتقام من الاموات ليس بجديد فها هو الجنرال غورو بعد احتلال فرنسا لسوريا سنة 1919 يقف عند قبر صلاح الدين ويقول كلمته الانتقامية: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين !؟.والانتقام من أضرحة أولاد سيدي الشيخ بدا منذ سنة 1868 بتفجير ضريح سيدي الحاج الدين جنوب الأبيض على يد الجنرال دي صوني وعقب تفجير ضريح سيدي الشيخ بشهرين تم تفجير بيت الشيخ بوعمامة ب أم غرار التحتاني يوم 17 نوفمبر سنة 1881 من طرف الجنرال كولونيو Colonieu بل أطال الانتقام حتى النساء بنات سيدي الشيخ كما حدث مع فاطمة بنت جلول زوجة المقاوم الشريف بوشوشة 1827 - 1875 التي اعتقلت من طرف احد العملاء الأنذال الذي أهانها في غياب زوجها سنة 1874 لتساق إلى منفاها بقسنطينة... بعد تواصل مقاومة اولاد سيدي الشيخ قائد بعد قائد وشهيد بعد شهيد وتوالي الانتصارات لم يجد دو نيغريي De Négrier مفرا من الانتقام من أولاد سيدي الشيخ بل حتى من رمزهم سيدي الشيخ فقرر الخروج إلى المدينة في حملة انتقامية. وصل السفاح دو نيغريي لمدينة الأبيض يوم الأحد 14 أوت سنة 1881 حيث وجد المدينة خالية من سكانها الذين التحقوا بالمقاومة باستثناء الشيوخ والنساء والأطفال الذين فرّ منهم من فرّ وقتل من قتل واعتقل الأخرون. فور وصول De Négrier للمدينة أباح لجنوده هدم البيوت الطوبية على رؤوس سكانها وسلب ونهب الممتلكات وقطع اشجار ما بين 2000 إلى 3000 نخلة والاستلاء على قطعان السكان وحرق المساجد والأضرحة والزاوايا وأُتلِف كل ما بالخزائن من قمح وشعير وتمر وسمن بالإضافة لما تعرضت له مكتبات الزاوية من نهب وحرق لوثائقها وكتبها ومخطوطاتها وفي اليوم الثاني الاثنين 15 أوت 1881 أكمل De Négrie جريمته فحاصرت قواته قُبّة سيد الشيخ وتم نبش القبر وأخرجت رفاته واحتجزت بثكنة عسكرية ليتم تفجير ضريح سيدي الشيخ بالديناميت في وضح النهار أمام ذهول المشاهدين. وصدق الامير عبد القادر عندما قال: إن هؤلاء الفرنسيين ليس لهم دين !!.