في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ - الجزء الخامس والعشرون- بقلم: الطيب بن إبراهيم *القس شيخ الخلوة يقلد الصوفي سيدي الشيخ الصوفي الشهيد سيدي الشيخ اسمه الحقيقي هو عبد القادر بن محمد بن سليمان ومع ذلك اشتهر بأكثر من اسم بين احفاده واتباع طريقته الشيخية منها بوعمامة وهو الاسم الذي اخذه عنه حفيده الشيخ بوعمامة وهذا الاخير اسمه الحقيقي هو محمد بن العربي ومن اسماء سيدي الشيخ رَحْلَ البيضاء ومنها مَوْلى الفرعة ومنها مَوْلى الخلوة اي صاحب الصومعة وهي مكان للعزلة والعبادة ومن اسماء سيدي الشيخ ايضا اسم القَرْمَامِي وهو الاسم الذي ذكره شاعر مقاومة اولاد سيدي الشيخ محمد بالخير متسائلا عن بناء ضريح سيدي الشيخ من عدمه بعد تفجيره سنة 1881 قائلا : يَافَارَسْ حَشَّمْتَكْ عِيدْ لَخْبَارْ وَاشْ حال القَرْمَامِي رَايْسْ الْقَوْمْ كَانّك ْعنْد السُّلْطَان بشًّار الشَّيْخْ تَبْنَى وَلاّ مازَالْ مَهْدُوم ْ هذه الاسماء كلها كانت معروفة لدى رئيس ارسالية اخوة يسوع الصغار بالأبيض القس روني فوايوم فحاول ان يجد مدخلا له والتقرب من سكان مدينة سيدي الشيخ الصوفية بان يظهر لهم باسم وبمظهر صوفيين فاختار من بين اسماء سيدي الشيخ اسم مَوْلى الْخَلْوَة لأنه الاسم الذي يناسبه بعد ان أطلق على إرساليته اسم الخلوة وكتب هذا الاسم على بابها وأطلق على زملائه اسم إخوان الخلوة لكنه ادخل على اسمه الجديد تعديلا بسيطا يناسبه اكثر وبدل اسم مَوْلى الخلوة سمّى نفسه ب شيخ الخلوة لأنه هو رئيس الارسالية واعترف صراحة بتسمية نفسه بهذا الاسم شيخ الخلوة بعد اكثر من ستين سنة في كاتبه : Charles de Foucauld et ses premiers disciples الصادر سنة 1998 . واختياره لاسم مَوْلى الخلوة هو اختيار ذكي فسيدي الشيخ هو صاحب مائة وعشرة خلوات فلا احد في منطقة الابيض وضواحيها لا يعرف احد خلوات سيدي الشيخ ورئيس الارسالية نفسه يقر بذلك قائلا : أنه لم يتحرك حول الأبيض دون أن لا يجد مقاما أو خلوة لسيدي الشيخ. والملفت للانتباه أن رئيس الإرسالية القس روني فوايوم لم يكن كغيره ممن تعاقبوا على رئاسة الارسالية او ممن عملوا بها وغيّروا أسماءهم بأسماء مستعارة بعد فترة من اقامتهم بالأبيض او بعد تجنيسهم فاسمه المستعار شيخ الخلوة يبدو انه احضره معه منذ اليوم الأول الذي وطأت قدامه الأبيض حيث لم يعرفه احد من السكان باسمه الحقيي ولم يره احد بغير عباءتها لصوفية وبرنوسه ولِحْيته وسبحته فكان حريصا على الا يظهر إلا بمظهر الصوفي لقبا وقالَبا ولم يسمح لنفسه برؤيته وهو في لباسه الغربي بل فرض ذلك حتى على اتباع ارساليته امام السكان خارج مقر اقامتهم هذه هي الصورة التي رسمها لنفسه بين السكان طيلة بقائه في مدينة الأبيض منذ سنة 1933 الى غاية رحيله لفرنسا شهر فبراير سنة 1947. وعلق رئيس ارسالية اخوة يسوع الصغار بالأبيض على تسمية نفسه ب شيخ الخلوة وتسمية ارساليته ب الخلوة وعلى تسمية زملائه اخوان الخلوة ان هذه الاسماء لم تعجب شركاءه في الميدان الاباء البيض خاصة المحافظ الرسولي غوستاف نوي الذي عبّر عن ذلك في رسالة له ارسلها للاب مارشال بتاريخ 21 اكتوبر سنة 1935. شيخ الخلوة يقلد سيدي الشيخ في تعدد الخلوات خارج المدينة اشتهر سيدي الشيخ باسم مَوْلَى الخلوة لأنه هو صاحب مائة وعشرة خلوات ( 110 ) وهي الأماكن التي كان يتخذها صومعة له يخلو بها للعبادة وهو اسم منتشر بين سكان المنطقة وعدد مائة وعشرة من الخلوات ذكره ايضا المستشرق انطوان جياكوبيتي 1869 - 1956 الذي اقام بالأبيض سنتي 1898 -1899 ودرس حياة سيدي الشيخ وتصوفه وهذا قبل ان يتفرغ هذا المستشرق لدراسة الطريقة الرحمانية . ومن منطلق كثرة عدد خلوات سيدي الشيخ المتنقلة القريبة والبعيدة عن مدينة الابيض اراد القس شيخ الخلوة ان يقلد سيدي الشيخ في هذا المجال ويختار اماكن متعددة له هو الاخر حول الابيض يخرج للإقامة بها اياما معدودات للعبادة والاعتزال بعيدا عن الناس ولم يكن يأخذ معه إلا القليل من الزاد بالإضافة لحقيبة بها كتبه وأوراقه وأقلامه وهو كل ما كان يحتاج إليه أثناء خلوته. كان تقليد سيدي الشيخ في الخروج للخلوات في خيمة في البادية يمثل الخطوة الثانية لتقليد الصوفي الجزائري وأول مكان اختار شيخ الخلوة ان يخلو به بداية من يوم 14 سبتمبر سنة 1934 هو مكان يسمى حاسي بَتّْوام يقع جنوب غرب الأبيض سيدي الشيخ فجهز الناسك أمتعته وخيمته وانتقل لمكان خلوته ليخلو بها لمدة ثمانية أيام لكنه لم يستطع إكمال مدته وعاديوم 18 سبتمبر اي بعد أربعة أيام فقط وفي هذه الرحلة استعان بدليل من سكان مدينة الابيض ليقوده في طريقه. أما خلوته الثانية فكانت ابتداء من يوم 18 نوفمبر سنة 1934 باتجاه جبل تيسمرت جنوب مدينة الأبيض اي بعد شهر من خلوته الاولى وكان هذه المرة رفقة ضيفه القادم من فرنسا الأب دوريو Duriaux واستمرت الخلوة إلى غاية يوم 27 من نفس الشهر ثم واصلا رحلتهما سيرا على الأقدام جنوبا نحو حاسي البنود البعيد عن الأبيض بحوالي 80 كيلومترا واضطر رفقة ضيفه الفرنسي إلى شرب ماء الغدير المتجمع من الأمطار والذي لم يتعودا عليه أما خلوة شيخ الخلوة الثالثة فكانت يوم 3 أكتوبر سنة 1935 لمدة خمسة عشر يوما اختار لها مكان البنود وهي اليوم بلدية جنوب غرب الأبيض وهناك كانت بداية تأليف كتابه في قلب الجمهور الذي صدر سنة 1950 وترجم لأكثر من عشرين لغة لتتواصل بعد ذلك خلواته ورحلاته عبر الصحراء. ..يتبع..