-الجزء الثامن والأربعون- بقلم: الطيب بن إبراهيم تعليق الصورة: التظاهرة السنوية: ركب سيدي الشيخ *الإرسالية والتظاهرة الصوفية ركب سيدي الشيخ ركب سيدي الشيخ هو تظاهرة ثقافية صوفية سنوية تحتضنها مدينة الأبيض سيدي الشيخ منذ تاريخ وفاة الصوفي الشهيد سيدي الشيخ سنة 1616 إلى يومنا هذا.كانت بداية انطلاقة التظاهرة تتم سيرا على الأقدام وعلى ظهور الحيوانات من قرية ستيتن القريبة من مدينة البيض بداية من يوم الاثنين الأخير من شهر جوان ليصل الركب بعد ثلاثة أيام إلى الأبيض سيدي الشيخ يوم الخميس آخر الأيام من نفس الشهر وتنطلق الاحتفالات وألعاب الفروسية وإطعام الزوار وهذا خلال ثلاثة أيام ابتداء من يوم الأربعاء ليبدأ التفرق صبيحة يوم السبت واستمر تنقل ركب سيدي الشيخ سيرا على الأقدام وعلى ظهور الحيوانات إلى مدينة الأبيض سيدي الشيخ منذ بدايته سنة 1616 إلى غاية توقفه سنة 1982 ليستبدل بوسائل النقل الحديثة من سيارات وحافلات وشاحنات. ومع مرور الوقت وخلال القرون الأربعة الماضية من عمر التظاهرة الركب إلى يومنا هذا والمناسبة تُحيى سنويا من قبل القبائل التي شاركت لأول مرة في ركب جنازة سيدي الشيخ بالإضافة لأبناء سيدي الشيخ وأحفاده واتباع طريقته الصوفية من الدول المغاربية الثلاث تونس وليبيا والمغرب. لقد تضاعف عدد رواد التظاهرة والمشاركين فيها من كافة أنحاء الوطن من هواة وتجار ومتسوقين وسواح ودارسين وإعلاميين وحتى من الفضوليين واحيانا تقام بالمناسبة محاضرات تاريخية ومعارض وثائقية ويكون مسك الختام قراءة وختم القران الكريم. واذا قارنا بين تاريخ وفاة سيدي الشيخ يوم 18 ماي وتاريخ إقامة التظاهرة الثقافية الصوفية ركب سيدي الشيخ نهاية شهر جوان يظهر أن الفرق بين التاريخين اكثر من شهر وان ركب سيدي الشيخ لم يكن بمناسبة تاريخ وفاته والا كان يقام في منتصف شهر ماي من كل سنة لكن إقامته في نهاية شهر جوان يعتقد انه كان احتفالا بمناسبة أربعينية وفاته. *التظاهرة الصوفية ومنظمة اليونسكو نظرا لقدم وعراقة التظاهرة الثقافية ركب سيد الشيخ التي تجاوزت أربعة قرون وهي من اقدم التظاهرات الثقافية على المستوى الوطني ونظرا لثراء تراثها وموروثها الروحي التاريخي والحضاري قدمت الجزائر طلبا للمنظمة الدولية للعلوم والثقافة اليونسكو من اجل إدراج تظاهرة الركب ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي للإنسانية التابع لها وهذا لحماية التراث الوطني غير المادي والحّت الجزائر على طلبها في اكثر من مناسبة وتتويجا لجهود الجزائر تحقق لها ذلك وأدرِج ركب سيدي الشيخ ضمن القائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي للإنسانية التابع للمنظمة الدولية للعلوم والثقافة اليونسكو وذلك خلال انعقاد الدورة الثامنة للجنة الحكومية المشتركة للحفاظ على التراث غير المادي لليونيسكو المجتمعة بباكو بأذربيجان في شهر ديسمبر سنة 2013. *التظاهرة محطة أنظار ودراسات العسكريين والمستشرقين الفرنسيين لقد أثارت هذه التظاهرة الصوفية المغاربية العريقة بعاصمة أولاد الشيخ الأبيض انتباه الفرنسيين من مدنيين وعسكريين بعد الاحتلال ووصولهم للمنطقة وأصبحت مدينة الأبيض سيد الشيخ ملفتة للانتباه بسبب هذه التظاهرة الركب سواء من حيث قدسيتها عند مريدي الطريقة الشيخية أو من حيث جموع المشاركين فيها من كل جهات الوطن وخارجه فزارها الفرنسيون من مدنيين وعسكريين وكتبوا عنها الدراسات والتقارير وكان العسكريون اسبق في الوصول فزارها الجنرال دوما والجنرال رونو والعقيد تروملي والجنرال دوريو والجنرال توماسان والجنرال ديتري والمارشال ليوتي والقائمة طويلة. كما زارها الرحالة والأطباء والعلماء المستشرقون وبسبب مكانة تظاهرة المدينة الصوفية ركب سيد الشيخ عند اتباعها اطلق عليها الفرنسيون وصف مكة فوصفها العقيد تروملي الذي زارها سنة 1858 ب مكة الصحراء . أما المارشال أوبار ليوتي Lyautey الذي كان حاكما لمقاطعة العين الصفراء سنة 1903 ثم هران وقائد حملة احتلال المغرب سنة 1912 وحاكمه العام فقد زار مدينة الأبيض سيد الشيخ يوم الجمعة 17 جوان سنة 1905 وهي مناسبة إقامة التظاهرة الثقافية في هذا الشهر من كل سنة ويعتقد انه حضر مناسبة ركب سيد الشيخ وهذا ما جعله يصف المدينة ب مكة الصغيرة . ورد هذا الوصف في إحدى رسائله التي أرسلها أثناء رحلته للأبيض والتي سلمت فيما بعد لمجلة الابدومادار الفرنسية التي نشرتها سنة 1920 في عددها 34. أما بالنسبة لعلماء ومستشرقي الإرسالية ودارسي التصوف الإسلامي عموما والمتصوف سيد الشيخ خصوصا فكانت تظاهرة الركب بالنسبة لهم فرصة لا تقدر بثمن فالتظاهرة هي ظاهرة ثقافية واجتماعية واقتصادية صوفية ثرية حية ومتحركة بتعابيرها ورموزها وطقوسها وقيمها الثقافية والاجتماعية ومن رأى ليس كمن سمع أو قرا.فزارها عدد من المستشرقين منهم أنطوان جياكوبيتي لويس ماسينيون لويس غاردي إيميل جورج شحاتة قنواتي المصري الذي قال عنها بانها من احسن الأماكن في العالم لدراسة التصوف الإسلامي بالإضافة لروني فوايوم وميلاد رئيسا الإرسالية. *مشاركة رئيس الإرسالية والمستشرق غاردي في التظاهرة كان زعيما دارسة التصوف الإسلامي بالأبيض سيد الشيخ المستشرقان روني فوايو ولويس غاردي كانا يحرصان على حضور التظاهرة الصوفية الركب بمدينة الأبيض أثناء تواجدهما بالأبيض منذ سنة 1933 إلى غاية تاريخ مغادرتهما للمدينة نحو فرنسا سنة 1947 وحتى بعد مغادرتهما للأبيض كانا يحرصان على زيارة المدينة بمناسبة التظاهرة الصوفية الركب . ومن بين مشاركاتهما في التظاهرة الصوفية ركب سيد الشيخ نتوقف عند تلك التي تمت سنة 1953 بعد رحلة طويلة وبعيدة قادت رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم إلى اقصى القارة الأمريكية إلى كندا وألاسكا ليعود على جناح السرعة للجزائر مع بداية فصل الصيف وذلك بمناسبة تظاهرة الركب حيث وجد زملاءه وعلى رأسهم المستشرق لويس غاردي في انتظاره بمطار مدينة الجزائر وبعد إقامة قصيرة عند زملائه الآباء البيض بالحراش ورغم حرارة الصحراء اتجه الأب فوايوم لمدينة الأبيض سيدي الشيخ بمناسبة إقامة التظاهرة الصوفية ركب سيد الشيخ التي وصلها يوم الأربعاء 16 جوان سنة 1953 رفقة زميله المستشرق لويس غاردي ويخبرنا رئيس الإرسالية الأب فوايوم أن احتفالات أسبوع الركب بدأت يوم الجمعة 18 جوان واستمرت إلى غاية يوم الجمعة 25 من نفس الشهر.