في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الثالث والثلاثون- بقلم: الطيب بن إبراهيم *المستشرق لويس غاردي ونشاطه الثقافي بالأبيض سيدي الشيخ يعتبر لويس غاردي Louis gardet 1904 1986م من كبار مستشرقي فرنسا بعد ماسينيون وأحد تلامذته الذين اختصوا في التصوف الإسلامي والتصوف المقارن خاصة والثقافة الإسلامية عموما وهذا ما تميز به عن غيره من المستشرقين الفرنسيين الآخرين. منذ سنة 1936م أصبح لويس غاردي أحد قادة إرسالية الأبيض ومرشدها الديني والمعلم المذهبي والمكلف بالتكوين الفكري للطلبة وكان هو من يتحمل مسؤولية الإشراف وتسيير شؤون الإرسالية بالنيابة أثناء غياب مؤسسها ورئيسها روني فوايوم. كان كل واحد من أعضاء إرسالية الأبيض إخوة القلب المقدس قبل أن تُحوِّل اسمها إلى إخوة يسوع الصغار يتزعم مجالا محددا وكان لويس غاردي فارس مجال الفكر والتعليم بالإرسالية بدون منازع فبالإضافة لنشاطه التعليمي كمستشرق دارس للفكر الإسلامي عامة والتصوف الإسلامي خاصة في منطقة تعتبر من معاقل التصوف في الجزائر وشمال إفريقيا خاصة دراسته لصوفي المنطقة سيدي الشيخ وترجمته لقصيدته الصوفية الياقوتة رفقة زميله بيار جرو Pierre Gros واهتمامه بدراسة اللغة العربية وانشغاله بدراسة احد أهم كتب التصوف كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للأبي بكر الكلاباذي . كان لويس غاردي بالإضافة إلى كل ذلك يعتبر هو مسئول تعليم الطلبة الموجودين بالإرسالية فيما يخص علم اللاهوت أو التيولوجيا فهو يشرح ويبسط لهم فلسفة جاك ماريتان الذي انضم هو الآخر في نهاية حياته لتلامذة شارل دي فوكو وهو المحاضر لطلبة الإرسالية حول احد أعمدة علم اللاهوت حيث كانت من أشهر محاضراته تلك التي قدمها بإرسالية الأبيض يوم 7 مارس سنة 1942 حول الفلسفة التوماوية ونشرت في المجلة التوماوية وفي نفس الوقت بحكم تخصصه في التصوف المقارن كان يُعَرِّفُ الطلبة ويحاضر لهم عن الفكر الإسلامي عامة والصوفي خاصة. منذ مغادرة لويس غاردي لمدينة الأبيض سيد الشيخ سنة 1947 التي كتب بها أكبر عدد من دراساته حول التصوف لم تنقطع زيارته لها وكان يحضر مناسبة التظاهرة الثقافية الركب التي تُنظم بالأبيض وهي تظاهرة ثقافية سنوية يحضرها الجزائريون من جميع أنحاء الوطن ومن المغرب الأقصى آنذاك لزيارة ضريح صوفي المنطقة سيدي الشيخ. *عالمية لويس غاردي انطلقت من الأبيض عاش لويس غاردي في الأبيض سيدي الشيخ ما يقرب من أربع عشرة سنة من هنا كانت انطلاقته الأولى للعالمية إذ أصبح من أكبر مستشرقي فرنسا وخليفة أستاذه الذي تعرف عليه بالمراسلة من الأبيض سيدي الشيخ لويس ماسينيون ومن الأبيض كانت مراسلاته الشهيرة لأساتذته وأصدقائه أمثال جاك ماريتان وكذلك زميله وشريكه لاحقا في بعض الكتب المصري جورج شحاتة قنواتي ومراسلاته للمرتد المغربي الدكتور محمد جون عبد الجليل. فمن الأبيض سيدي الشيخ بدأت أولى المراسلات بين لويس غاردي وجورج شحاتة قنواتي وبالأبيض ولأول مرة يلتقيان ويتعرفان على بعضهما ومن الأبيض كانت بداية أول تعاون علمي وفكري بين العالِمَين الاستشراقيين خاصة حول فكر الصوفي أبي حامد الغزالي. *الأعمال الفكرية للويس غاردي بالأبيض من ابرز آثاره العلمية والفكرية عندما كان مقيما في إرسالية الأبيض سيدي الشيخ قبل مغادرته لها نهائيا سنة 1947: العقل والإيمان في الإسلام نُشِر في المجلة التوماوية سنة 1937م ونص للغزالي ترجمة وتعليقا نُشِر سنة 1938م وفكرة لابن سينا سنة 1939م والتعاون في مجتمع شمال إفريقيا نشره مركز دراسات البربر- الجزائر سنة 1942 والملّة الإسلامية - في ملامح الملّة نشر باريس سنة 1944 والإنسانية الإسلامية أمس واليوم نشِر بمعهد الآداب العربية بتونس سنة 1944. والإنسانية الإسلامية والإنسانية المسيحية نشر بمونتريال بكندا سنة 1946 والإسلام والديموقراطية نشر بالمجلة التوماوية سنة 1946 ومقدار حريتنا : فصل من علم أصول الدين الإسلامي نشر بمجلة الآداب العربية بتونس سنة 1946 والمِلْكِية في الإسلام نشر سنة 1947 وحول الفقه الإسلامي نشر بالمجلة التوماوية سنة 1947 والمدخل إلى علم أصول الدين الإسلامي بمعاونة قنواتي والمعرفة وحب الله بحسب بعض نصوص صوفية من أوائل عصور الهجرة نشرته المجلة التوماوية La revue thomiste سنة 1946 وهي مجلة تعتني بالبحوث الدينية والفلسفية تأسست سنة 1893 من طرف الدومينيكان الفرنسيين. أما نشاط المستشرق لويس غاردي خارج المؤلفات يتمثل في تدريس الفلسفة المقارنة والإسلاميات في المعهد الدولي في الفار وفي مسقط رأسه تولوز منذ سنة 1947 إلى غاية سنة 1977 كما ألقى سلسلة محاضرات في المعهد البابوي للدراسات العربية في روما وفي جامعات الرباطوالجزائروالقاهرة وبيروت وقام برحلات علمية إلى العراق وإيران وسورية واشترك في معظم المؤتمرات الاستشراقية الدولية والإقليمية والجامعية. وتولى مع المستشرق ايتين جيلسون الإشراف على سلسلة الدراسات الإسلامية التي تطبع في باريس وشارك في كتابة دائرة المعارف الإسلامية وكوفئ مع زميله قنواتي بالدكتوراه الفخرية وأهديت لهما منوعات باسميهما تكريما لهما بعنوان: مباحث في الإسلاميات نشر المكتبة الفلسفية بلوفان سنة 1977م. *الأعمال الفكرية لغاردي بعد مغادرته الأبيض سيدي الشيخ ومن أعمال لويس غاردي بعد مغادرته إرسالية الأبيض أي بعد سنة 1947م هي: الإسلام الحديث وتطوره نُشر بنشرة الإرساليات سنة 1949 ونبذة عن التصوف الإسلامي سنة 1949 والتصوف الطبيعي والتصوف فوق الطبيعي في الإسلام نشر بباريس سنة 1950 وجوهرة التوحيد لإبراهيم الباجوري بمعاونة صديقه الأب قنواتي والتوكل للغزالي ترجمة وتعريفا نشر بمجلة معهد الآداب العربية سنة 1950.كما اهتم بابن سينا فكتب عنه عدة دراسات أهمها: معرفة الله بحسب ابن سينا نشر سنة 1951 وصلة فكرة ابن سينا بالعقيدة الإسلامية نشر بالمجلة التوماوية سنة 1950 وابن سيناء وقضية فلسفته الشرقية نشر بمجلة القاهرة سنة 1951 والتجربة الصوفية في نظر ابن سينا سنة 1951 وقيمة نص لابن سينا مترجم حديثا نشر بالمجلة التوماوية سنة1951 وفكرة ابن سينا الدينية سنة 1951 والفلسفة والقانون الديني في الإسلام واليهودية في العصر الوسيط نشر بالمجلة التوماوية سنة 1951 والمعرفة الصوفية لدى ابن سينا نشر المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة 1952. هذه بعض أعمال لويس غاردي بعد مغادرته الأبيض سيدي الشيخ منذ سنة 1947 وليس كلها ونشاطه الفكري لم يتوقف رغم تدهور صحته وبعد وفاته سنة 1986 كُتِبَ وقيل عنه الكثير وكان مدحه والثناء عليه أكثر من نقده ومن أبرز ما كُتب عنه كتاب زميله موريس بورمونس سنة 2010 الذي كان تحت عنوان: لويس غاردي: فيلسوف مسيحي في الثقافات وشاهد الحوار الإسلامي المسيحي والسيد موريس بورمونس يعرف لويس غاردي جيدا ويعرف كذلك الجزائر التي أقام بها أكثر من عشرين سنة بل يعرف مدينة الأبيض سيدي الشيخ أكثر من غيره ممن كتبوا عن لويس غاردي والسيد موريس بورمونس تردد على مدينة الأبيض وإرساليتها أكثر من مرة. يتبع...