-الجزء السابع والأربعون- بقلم: الطيب بن إبراهيم تعليق الصورة: كتاب ميلاد عيسى الياقوتة *الإرسالية ودراسة قصيدة سيدي الشيخ الصوفية كانت مدينة الأبيض سيد الشيخ صوفية النشأة والنفوذ والنشاط خاصة بعد وفاة سيد الشيخ ودفنه بها فبقيت زاويته وطريقته وضريحه وأتباعه ومريدوه وأحفاده واصبحت المدينة مقرا للطريقة الشيخية وعرفت استقطابا صوفيا بين الجزائريين فنما وازدهر نفوذها الذي بلغ ذروته بين مريدي الطريقة من كافة أنحاء الجزائر ومن المغرب وتونس في القرون الاربعة الاخيرة كما أن مدينة الأبيض كانت ولا زالت منذ وفاة زعيمها تشتهر بموسم صوفي سنوي وطني ومغاربي يحتفل فيه بزيارة زاوية وضريح سيد الشيخ تسمى التظاهرة بركب سيد الشيخ حيث صنفت التظاهرة في شهر ديسمبر سنة 2013 من طرف المنظمة الدولية للثقافة اليونسكو ضمن التراث الثقافي العالمي غير المادي. ولمكانة مدينة الأبيض سيد الشيخ الصوفية ولما تتميز به من تراث صوفي توافد عليها الكثير من مستشرقي دراسة التصوف الإسلامي الذين انقسموا إلى قسمين قسم اختص بدراسة التصوف الإسلامي لكبار المتصوفة كابي حامد الغزالي وكتابه الإحياء وكأبي بكر الكلاباذي وكتابه التعرف لمذهب أهل التصوف وهؤلاء كانوا كبار المستشرقين كلويس غاردي وجورج شحاتة قنواتي المصري الذي قال عن المدينة بأنها من أحسن الأماكن في العالم لدراسة التصوف الإسلامي والقسم الآخر اختصوا بدراسة التصوف المحلي خاصة صوفي المدينة ومؤسس الطريقة الشيخية سيد الشيخ ودرسوا حياته عامة وقصيدته الصوفية ا لمسماة ب الياقوتة خاصة وهؤلاء هم أ نطوان جياكوبيتي وروني فوايوم وبيار غرو وميلاد عيسى . *دراسة قصيدة سيد الشيخ الياقوتة تعكس قصيدة الياقوتة شخصية صاحبها العلمية ومكانته الصوفية ومآثره التاريخية ومدى اطلاعه على من سبقوه في ميدانه وحالته الانفعالية والوجدانية والتأملية في عالمه الصوفي الذي ينتمي إليه نُظِّمت في السنوات الأخيرة من القرن 16م وتم حفظها عن ظهر قلب من طرف أحفاد سيدي الشيخ وأتباع طريقته ومريديه وطبعت في عدة مناطق من الوطن وفي تونس والمغرب تُقرأ كمديح ديني في المناسبات كما تقرأ في ضريح سيد الشيخ كل يوم جمعة صباحا وهي تتكون من 178 بيتا مطلعها: بدأتُ بحمدِ الله قصدا لنجح ما أروم من استفتاحِ نظمِ القصيدة تتميز قصيدة الياقوتة مبنى ومعنى بما تتميز به باقي القصائد الصوفية لكبار متصوفة العالم الإسلامي الذين اقتدى بهم سيدي الشيخ وتأثر بقصائدهم واخذ عنهم واتخذهم سلسلة مشيخته. أول ما تميزت به القصيدة كونها تائية القافية كباقي تائيات قصائد كبار المتصوفة الذين سبقوه فأبو حامد الغزالي له قصيدة صوفية تائية شهيرة تتكون من 343 بيتا مطلعها: بنور تجلّى وجه قدسك دهشتي وفيك على أن لا خفا بك حيرتي وعبد القادر الجيلاني له قصيدة صوفية تائية عدد أبياتها 47 بيتا مطلعها: ولمَّا صَفَا قلبي وطابت سرِيرَتي ونادَمَنِي صَحوِي بفتحِ البصيرةِ وتائية الصوفي عمر بن الفارض تتكون من 761 بيتا مطلعها: سَقَتْنيِ حُميَّا الحبِّ راحةَ مُقلتِي وكأسي محيًّا منْ عَن الحُسْنِ جَلَّتِ وتائية الصوفي محي الدين بن عربي وعدد أبياتها 384 بيتا مطلعها: تنزَّهت لما أن حضرْتَ بحضْرَتي ووحدت في ذاك المقام بنظرتي. *أنطوان جياكوبيتي Antoine Giacobetti 1869 - 1956 كان انتوان جياكوبوتي شخصا كثير التحرك والتنقل رغم اعتلال صحته ولأول مرة حل بالجزائر بمركز الآباء البيض بالحراش سنة 1886 قبل أن يسافر لتونس ويصبح أستاذا بمعهد لافيجري بقرطاج ثم عاد للجزائر ليتجه نحو الأبيض سيدي الشيخ سنة 1898 وهو أول مستشرق أقام بمدينة الأبيض. بدأ بدراسة حياة صوفي المدينة سيدي الشيخ وقصيدته الياقوتة التي أكمل كتابتها يوم 24 أوت 1899 وكانت نسخته ناقصة حسب الأب ميلاد فواصل البحث والكتابة ليكملها بمدينة ورقلة يوم 11 سبتمبر سنة 1900 لكنه لم يستقر بالجزائر التي غادرها بعد سنتين إلى السودان ولم يطل به المقام هناك لظروف صحية فعاد للجنوب الجزائريلورقلة ثم بِبَنِي يني وخراطة والأوراس ثم عاد للبيض سنة 1922 مدة أربع سنوات ثم انتقل لغرداية سنة 1927 والجلفة سنة 1929 ليعود مرة أخرى إلى الحراش سنة 1931 وأثناء هذا التحرك ركَّز في الأخير على دراسة الطريقة الرحمانية وقصائدها الصوفية ونشر ما كتبه عنها دون أن نرى له أي أثر نشر حول دراسته لقصيدة سيدي الشيخ الصوفية الياقوته . *روني فوايوم René Voillaume 1905 - 2003 كان رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم يحسن العربية قراءة وكتابة ومنذ وصوله للأبيض سيدي الشيخ سنة 1933 كان ضمن برنامجه المسطر الاهتمام بالمتصوف سيد الشيخ وقراءة قصيدته الصوفية الياقوته وتمهيدا لذلك التقى روني فوايوم لأول مرة بإمام المسجد السي احمد يوم الخميس 5 جويلية سنة 1934 ويذكر لنا رئيس الإرسالية كيف تعامل معه الإمام ككافر. تواصلت اللقاءات مع الإمام والأب روني فوايوم لدراسة قصيدة سيدي الشيخ الصوفية الياقوتة وبعد سنتين من الدراسة تأكد لرئيس الإرسالية أنه في حاجة لمن يساعده في ترجمتها فاستنجد بكبير دارسي التصوف الإسلامي لويس ماسينيون الذي رد عليه برسالة بتاريخ 19 جوان سنة 1935م أخبره فيها بأن بيار جرو Pierre Gros خريج مدرسة اللغات الشرقية بباريس والموظف آنذاك بمعهد الدراسات الإسلامية العليا بالرباط في طريقه إلى الأبيض سيد الشيخ وبإمكانه تقديم الدعم والمساندة له في ترجمة القصيدة. وفعلا حل بيار غرو بالأبيض يوم الثلاثاء 25 جوان سنة 1935 وفي اقل من شهر اجتمع الإمام السي احمد ورئيس الإرسالية روني فوايوم والمرسل للإرسالية بيار غرو لدراسة قصيدة الياقوتة وكان ذلك يوم الخميس 18 جويلية سنة 1935. ويظهر من خلال مراسلات ماسينيون لفوايوم أن الترجمة لم تعجبه فهو يرغب في أن تكون الترجمة تجمع بين الشكل والمنهج والمضمون واعتقد أن ذلك كان وراء عدم نشر تلك الترجمة. *ميلاد عيسى Milad Aissa 1912 - 1984 كان ميلاد عيسى ثاني رئيس للإرسالية وأطول من سابقيه إقامة بمدينة الأبيض سيد الشيخ التي حطَّ بها الرحال منذ شهر أكتوبر سنة 1935 واستقر بها إلى غاية وفاته سنة 1984 كما كان أكثر من سابقيه إصرارا على الإطلاع والإلمام بحياة سيدي الشيخ وقصيدته الصوفية فحاول أن يجمع ويقارن بين الوثائق التاريخية والروايات الشفوية فاهتم بالبحث والتنقيب عن شخصية صوفي المدينة سيدي الشيخ في الجزائر والمغرب والبحث عما تناولته الروايات الشفوية وما تحتضنه الذاكرة الشعبية فكان يتصل بشيوخ الأعراش والقبائل ويحاورهم ويستفسر منهم عن مواضيع اهتماماته وتحصل على بعض المخطوطات اليدوية للقصيدة واستطاع أن ينجز ما فشل فيه غيره ومن الذين استفاد منهم الأب ميلاد في دراسة قصيدة سيدي الشيخ الصوفية الياقوتة السي محمد بن عبد القادر التاجروني العالم والإمام بالأبيض حوالي سنة 1940م. أدت جهوده الأب ميلاد إلى تأليف كتابه: الياقوتة قصيدة صوفية تعرض فيه لقصيدة سيدي الشيخ متنا وترجمة من العربية للفرنسية وعلّق على بعض الأسماء والتواريخ والأحداث وبعد إنهاء ترجمته لقصيدة الياقوتة من العربية للفرنسية أرسل نسخة منها للشيخ بوبكر حمزة إمام مسجد باريس آنذاك كونه أحد علماء مدينة الأبيض واحد أحفاد سيدي الشيخ ليستشيره فيها وليطَّلِع عليها قبل إصدارها فردّ عليه الشيخ بوبكر حمزة بالنصح والتصحيح حسب تعبير هذا الأخير ولم يُنشر كتاب ميلاد عيسى الياقوتة إلا بعد وفاته بعامين من طرف المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر سنة 1986م.