أكد المفكر الإسلامي وصفي أبو زيد عاشور ان الثورات العربية التي تجتاح أكثر من بلد عربي إسلامي في الوقت الحاضر، تقدم خدمات جليلة ليس فقط لشعوبها وإنما أيضا لجانب ربما لا ينتبه إليه الكثيرون يتمثل في المصالح والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية. ورأى ابو زيد المهتم بالفكر المقاصدي ان ثورات الشباب في العالم العربي قامت من أجل حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العرض وحفظ المال والعقل، وتحقيق الأمن بمستوياته المتعددة الفردي والأسري والاجتماعي والعالمي، وليس أدل على ذلك بنظر أبي زيد مما بلغته هذه المحاور من التردي والتدهور والتقهقر في فترة ما قبل نشوب هذه الثورات. وقال المفكر الإسلامي ان أوضاع ما قبل الثورات كانت يشوبها الضعف والتردي وان المتدينين على سبيل المثال أصابتهم حالة من التراخي الاجتهادي بسبب ضعف المؤسسة الرسمية في أغلب البلدان العربية، وأن السبب في تراجع دور المؤسسات الدينية الرسمية هو الاستبداد السياسي الذي قهر هذه المؤسسات، وفرض عليها لونا من الخطابات، ومنعها من أن تقوم بدورها في توضيح الإسلام وشرح معانيه ومفاهيمه بشكل يناسب حقيقة هذا الدين، مما أدى إلى أن يتمدد في هذا الفراغ على حد تعبير الشيخ الغزالي رحمه الله أطيافٌ فكرية متباينة ومتعددة تمتد من أقصى الشرق الإسلامي إلى أقصى غربه وأصبح الخطاب الإسلامي في حالة مرتبكة. وأوضح أبو زيد في محاضرة بالمركز العالمي للوسطية بالكويت أن الخطاب الإسلامي في الآونة الأخيرة قد أصيب بحالة من التسطيح المذهل الذي أدى إلى تفريغه من محتواه، وأن ما نسمعه هذه الأيام من أحاديث عن تجديد الخطاب الديني، وتجديد الخطاب الإسلامي وغيرها من التسميات ليست سوى آثار لمشكلة تسطيح الدين وغياب الفكر الوسطي؛ كنتيجة لغياب دور الأزهر وضعف المؤسسة الأزهرية. أما على مستوى النفس البشرية فأشار أبو زيد إلى أننا جميعا رأينا كيف كانت النفس الإنسانية تعامل قبل هذه الثورة، وإلى ما نعرفه جميعا من قصص التعذيب والترويع والقتل في أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة، بحيث أصبح الرجل لا يأمن على نفسه. ورأى أن الثورات العربية سبقتها حالة من السعار الأهوج ضد النفس البشرية، وأن الشعوب الثائرة تعرضت لحالات من الرعب والفزع والرهبة، بحيث أصبح من الصعب السكوت على ذلك بأي حال من الأحوال. وأما عن "المال" وهو كلية من الكليات التي استهدفتها الشريعة الإسلامية بالحفظ؛ فقد رأينا كيف سرقت أموال الشعوب وهربت إلى بنوك أوروبا وأمريكا. وأكد أبو زيد أن شعوبنا قد عاشت في فترات ما قبل الثورات العربية في حالة من إهدار مقاصد الشريعة الإسلامية وكلياتها جميعا؛ المتمثلة في حفظ الدين والنفس والمال والعرض، وجميعها ضروريات، ويتساءل أبو زيد: فما بالكم بالحاجيات والكماليات؟ وما بالكم بما هو فوق ذلك؟ لأن هناك مبادئ ومفاهيم أساسية في الإسلام كالحرية والكرامة والشورى والمساواة والعدالة والتنمية واحترام الذات الإنسانية التي أهدرت أيضا، فهذا الإنسان المكرم في خلقته على الله تعالى قد تعرض للإهانة في نفسه وماله وعرضه. والمقاصد جميعها حاجات إنسانية أساسية، ولا يمكن تصور الحياة الإنسانية بدونها، فلا يُتخيل حياة بلا دين أو بلا نفس أو بلا مال، فهذه الحاجيات إذا تدهورت تدهور معها مفهوم الحياة عينه. * الخطاب الإسلامي في الآونة الأخيرة أصيب بحالة من التسطيح المذهل الذي أدى إلى تفريغه من محتواه، وأن ما نسمعه هذه الأيام من أحاديث عن تجديد الخطاب الديني، وتجديد الخطاب الإسلامي وغيرها من التسميات ليست سوى آثار لمشكلة تسطيح الدين وغياب الفكر الوسطي؛ كنتيجة لغياب دور الأزهر وضعف المؤسسة الأزهرية.