تحيي ولاية البليدة اليوم الإثنين الذكرى الخمسين لاستشهاد العقيد سي الجيلالي بونعامة قائد الولاية الرابعة التاريخية لثورة التحرير، الذي يصادف ليوم 8 أوت من كل عام، وبالمناسبة احتضنت دار النعيمي التي يتواجد بها النصب التذكاري للشهيد، وذلك بحضور العائلة الثورية والعديد من الوجوه الثورية إلى جانب أفراد عائلة الفقيد، وعقب رفع العلم الوطني تحت أنغام النشيد الوطني، وقراءة الفاتحة ووضع أكاليل من الزهور تحت النصب التذكاري الواضع بقلب البليدة· وأبرز بعض رفقاء الشهيد بخصاله وتضحياته والذي أهدى شبابه فداء للوطن حيث كان لا يتعدى عمره 35 سنة والذي ولد يوم 16 أفريل 1926 في قلب الونشريس مثالا يقتدى به في الوطنية والنضال والكفاح من أجل الاستقلال حيث أخلص لنشاطه الوطني منذ الصغر بعد أن عاش طفولته كغيره من الشباب الجزائري في الحرمان الذي فرضه الاستعمار الفرنسي على سكان المنطقة، ونتيجة للظلم والقهر والاضطهاد والتعسف والفقر والمرض المسلط على الشعب الجزائري· تلقى دراسته الابتدائية إذ لا يحق لهم تجاوز المستوى الابتدائي وهو مخطط استعماري معروف· تفطن سي محمد للوضع وانخرط في حركة انتصار الحريات الديمقراطية حيث تقلد بسرعة مسؤولية قسم· سمحت له هذه المهمة بالاتصال بمناضلي الأصنام ووهران والجزائر حيث كان ينتقل في مهامات الحزب ثم عضوا في المنظمة السرية· كانت أجهزة الاستعمار تتبع حركاته حيث ألقت عليه القبض وسجن لأول مرة وما إن أطلق سراحه حتى واصل كفاحه· ثم اتصل بعمال مناجم بوقايد حيث كانت شركة فرنسية بلجيكية تستخدم منجم رصاص، تمكن من تجنيد العمال وفي 1951 دبر إضرابا دام 5 أشهر· كان سي محمد أحد المناضلين الطلائعين الذين ناصروا فكرة الكفاح المسلح· لا يتسع المقام لذكر شخصية الشهيد القوية والتي من معالمها الترفع والشهامة والجد والصبر والاحتمال، والإرادة، والإصرار، والشجاعة والإقدام· وحياة العقيد بلا مبالغة كلها مواقف، فهو متهلل الوجه رضي النفس وكان يدفع المجاهدين إلى طاقة متأججة بإيمان وعزم إلى المعركة وتميزت الثورة خلال فترة مسؤوليته بقوة تنظيمها السياسي والعسكري ليس في الأرياف والمدن فحسب بل فرضت نفسها فوق التراب الفرنسي وداخل السجون واستكمال تنظيم شعبي الذي أعطى للثورة الجزائرية خصائصها وقوتها المجددة· أوقف سي محمد في الأول من شهر نوفمبر 1954 لانتسابه إلى حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية· ورغم ذلك نجح في شهور قليلة من تجنيد مختلف أفواج المناضلين ضمن صفوف جيش التحرير الوطني· ليرقى إلى رتبة ملازم عسكري في نهاية 1956 وراح يكون وحدات مقاتلة لمهاجمة الوحدات الفرنسية وضرب تجمعاتها وقوافلها، فالعقيد سي محمد بونعامة ورفاقه وهم كثر من الذين سقطت دماؤهم الزكية أرض الجزائر الطاهرة، وهؤلاء الأسماء من القادة والذين أنست من رفقاء السلاح فيهم مفاتن التمدن ومباهج الدنيا عن أهل الفضل والشرف والذين عاشوا في الريف اكتسبوا منهم كل الصفات الحميدة حب الوطن الإيمان الشجاعة، فكانوا هم المخططون والمدبرون والشاهدون على التاريخ الذي لا ينسى بطولتهم، فلأرواحهم تحية التقدير والإجلال· فكان سي محمد من أولئك المجاهدين المحنكين الذين كانوا يترصدون العدو أينما حل وارتحل، لا يتوانوا في توجيه الضربات الموجعة والقاضية· ولا تخطئ هجوماتهم أهدافها، وبذلك كانت العمليات العسكرية تتوقف على ضربات أهداف العدو والهجومات على الثكنات ونصب الكمائن وتوسيع دائرة الحرب وفضح سياسة المستعمر الفرنسي· كان سي محمد يملك صفات عسكرية جعلت منه استراتجيا كبيرا، أبادت كتائب الكموندوس تحت قيادته عددا من وحدات العدو، كان يعتمد دائما على المفاجأة والسرعة في التنفيذ· وأمام تحرشات العدو قام سي محمد وهو المحنك الفطن بتنظيم مصلحة قوية للتوعية وكانت تغطي العاصمة وأهم المدن، توزع المناشير وتدعو إلى الالتفاف حول جبهة التحرير الوطني، ولتدعيم النظام وإعطاء أبعادا أخرى للكفاح اختار سي محمد البليدة لتنفيذ خططه حيث وضع مصالح المواصلات والتوعية والإخبار في صميم قلب متيجة انطلاقا من البليدة نظمت إضرابات ومظاهرات ضخمة شرعت في الانفجار من الشلف إلى الجزائر يتحدون الموت بصدورهم العارية· كان الشهيد البطل منهمكا في العمل، يتحدى الموت عندما فوجئ هو وبعض رفاقه في ليلة 8 أوت 1961 في مركز القيادة الموجود في قلب البليدة، أعطي الإنذار عقبته معركة بين 4 رجال من جيش التحرير الوطني منهم قائد الولاية من جهة والقوات الفرنسية من جهة أخرى بعدما علم العدو بتواجد سي محمد بالمكان الذي نزل به، فأرسل إليه بفرقة الكموندوس الخاصة فحاصرت المكان واشتعلت معركة بينها وبين سي محمد والمجاهدين الذين كانوا في رفقته· استشهد في هذه المعركة برصاص العدو سي محمد والذين كانوا معه، وأعلنت مصالح الإعلام الفرنسي عن موت أسد الونشريس· فكان سي محمد يوصف بأنه أبو التنظيم والنظام المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تصرفات كهذه، وكل المجاهدين الذين عرفوه أثر في نفوسهم ولن ينسوه أبدا·· ويبقى سي محمد لغزا آخر لا يزال يكتنفه الغموض في جثته فرحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جناته·