على غير ما كان يتوقعه الجميع تواصلت الأعراس ببعض البيوت الجزائرية حتى في الشهر الفضيل ومنذ الأسبوع الأول منه على أن تستمر دون شك إلى الأسابيع الأخرى، بحيث فضل الكثيرون عقد قرانهم في شهر رمضان تبركا بعظمة الشهر الكريم من جهة ولأسباب أخرى منها الابتعاد عن صخب القاعات وفوضاها، وكذا التقليص من المصاريف التي تتطلبها الأعراس في الأيام العادية أو بالأحرى في وقت الإفطار، وقصر مدة موسم الأعراس وتقلصها في هذا الموسم كانت سببا جعل الأعراس تتواصل حتى في شهر رمضان على غير العادة. نسيمة خباجة دليل ذلك المواكب الليلية المتنقلة في السهرات الرمضانية والتي حسبها الكل أنها مواكب تخص المعتمرين إلى بيت الله الحرام إلى أن تأكدوا أنها مواكب عرس حقيقية بعد التمعن في سيارة العروس المزدانة بالزهور، وهي عادة جديدة لم يألفها الجزائريون وتفاجئوا بها في هذا العام. وتبعا للسنوات الماضية كانت تعقد حفلات الخطوبة في السهرات الرمضانية أما حفلات الزواج فكانت نادرا ما تتم، على عكس ما عرفته هذه السنة الذي تحول فيها شهر رمضان المبارك إلى شهر أعراس، وكأن العرسان صمموا أن يكون فألا حسنا عليهم ببركته، ولدوافع أخرى تتعلق بالناحية المادية فأعراس رمضان لا تتطلب مصاريف كثيرة وتحضيرات مكثفة حسب آراء من اختاروا إقامتها خلال أيامه، فلا تشترط القاعة التي تكلف عشرات الملايين ولا تحتاج إلى تقليد "التصديرة" كعرف ملزم بحيث يتم جلب العروس بالفستان الأبيض المزود ب"حايك" أو "برنوس" لتمكث به ببيت العريس خلال السهرة وسط العائلة والأحباب. فأعراس رمضان يراها الكل على أنها غير مكلفة وتتميز بقصر مدتها تبعا لما يقتضيه الشهر فلا يسع عائلة العروس أو العريس إلا دعوة الأهل إلى مأدبة الفطور يوم زف العروس إلى بيت زوجها وكذلك الأمر بالنسبة لعائلة العريس لينتهي العرس يوم بدايته وتقتصر مراسمه على يوم واحد، ما يدل على أن أعراس رمضان غير مكلفة البتة ومن شانها أن تشجع الجميع على إتمام تلك الخطوة المباركة في الشهر المبارك. اقتربنا من إحدى العائلات من المدنية بالعاصمة التي فضلت إقامة عرس ابنها في الشهر الكريم فأبان العريس أن موعد العرس لم يأت صدفة في اليوم السادس من الشهر الكريم بل كان على علم بذلك ولم تمانع زوجته الأمر ورأته أحسن بكثير من إقامته خارج رمضان وإثقال كاهلهم بكثرة التكاليف مما جعلها تلغي التصديرة وتكتفي بالطقم الأبيض إلى جانب فستان الزفاف، وكان موكب العرس في السهرة وازدان بالأنوار المتلألئة وتم العرس في أحسن الأحوال خاصة وانه ليس هناك أي مانع شرعي يحرم الزواج في رمضان. ويرى الكل أن عقد القران في رمضان هو اقل تكلفة عن إقامة الأعراس في غير أيامه مما دفع الكل إلى تلك الخطة أضف إلى ذلك التبرك بعظمة الشهر الكريم. ومن الناحية الشرعية لم يخصص الإسلام شهرا بعينه للزواج، ولا درج السلف الصالح على تخصيص تاريخ خاص للزواج ولكن الشهور والأيام كلها ترحب بالزواج، لأنه شعيرة من شعائر الدين، وسنة من سنن رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تزوج فقد أحرز شطر دينه، في أي لحظة من لحظات السنة، غير أن السنة جاءت باستحباب الزواج في شهر شوال، فقد جاء في صحيح مسلم، باب استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بنى بعائشة في شهر شوال وبنى أيضا بأم سلمة في شهر شوال من السنة الرابعة للهجرة، وفي نفس الشهر بنى بريحانة بنت زيد بن سمعون رضوان الله عليهن جميعا، وبهذا تكون السنّة قد أكدت أنه لا شهر يمنع فيه الزواج، غير أن طبيعة شهر رمضان من كونه شهر عبادة، وخشوع وتفرغ للطاعة، جعل أكثر الناس لا يخصونه بالزواج، وإن صحّ فيه بلا حرج.