تسعى الأرامل في كل مرة إلى التنويع في مصادر دخلهن بالنظر إلى الأجور المتدنية أو المنح التي يستلمنها عن الزوج المتوفى، هذا في حالة وجودها، ومن الأرامل من تنقطع عنهن تلك الأجرة الشهرية فيجدن أنفسهن في صراع دائم مع هذه الحياة هن وأبناؤهن، وان كن يتحملن تلك الظروف المزرية طوال شهور السنة يستعصى عليهن الأمر في شهر الرحمة بالنظر إلى متطلباته المادية. نسيمة خباجة لذلك نجد أن اغلبهن يهبن إلى احتراف بعض الحرف المنزلية كبيع الديول والمطلوع والقطايف إلى غيرها من المواد التي تتطلبها المائدة الرمضانية وتزدهر بها مداخيل الناشطين في تلك الحرف من كل سنة، وهناك من مالت إلى مطاعم الرحمة وسخرت نفسها لخدمة عابري السبيل لنيل الأجر من جهة وإعانة نفسها بمداخيل ذلك النشاط، حتى أن ذاك الأخير يمكنهن من الاستفادة من بعض الأطباق الرمضانية بصفة مجانية لإعالة أنفسهن وإطعام أفراد عائلاتهن، مادام أن القائمين عليها لا يمانعون ذلك تبعا للظروف المادية الصعبة التي تعاني منها العائلات. التقينا ببعض هؤلاء النسوة اللواتي أبين إلا كسب قوتهن بعرق جبينهن من جهة، ومن جهة أخرى كسب الأجر وإدخال السرور على عابري السبيل والفقراء والمعوزين خلال الشهر الكريم، لاسيما وأنهن عانين من نفس الظروف والويلات وتخبطن فيها، فرحن إلى تسخير أنفسهن بكل ما أوتين من قوة للطبخ بمطاعم الرحمة التي تعقد سنويا عبر اغلب بلديات العاصمة، بل منهن حتى من سخرت لوازم مطبخها على غرار الأفران التقليدية وبعض وسائل الطبخ للقيام بذات المهمة النبيلة التي يكسبن أجرها قبل اكتساب بعض مداخيلها، التي على الرغم من قلتها إلا أنها تسد لهن بابا ويصرفنها عند الحاجة لاسيما مع حلول مناسبة العيد وكذا الدخول المدرسي وهي مناسبات تتطلب مصاريف كثيرة لا تقوى عليها حتى العائلات المتوسطة الحال فما بالنا العائلات المعدمة الدخل. اقتربنا من بعض هؤلاء النسوة بأحد مطاعم الرحمة بالعاصمة قبل موعد الإفطار بساعات للوقوف على استعدادهن لموعد الإفطار فوجدناهن كخلية نحل وهن يعملن على قدم وساق ويحضرن أطباق الإفطار التي تنوعت بين الشربة وطاجين الزيتون ولحم لحلو والبوراك لخلق أجواء مماثلة لجو رمضان بالمنزل، بالإضافة إلى المشروبات الغازية ونوع من الفاكهة، ولكي لا يحس عابر السبيل بالنقص أو العقدة. اقتربنا من إحدى النسوة وهي "ز. كريمة" 52 عاما وأم لأربعة أبناء زوجها متوفي منذ ثلاث سنوات فقالت أنها اعتادت على العمل بذات المركز منذ عامين، والظروف المحيطة بالمركز جعلتها تخوض التجربة للمرة الثانية وقالت أنها تحس أنها بالمنزل وهي تطبخ خاصة وأنها تسعى إلى إطعام الفقراء والمساكين التي تحس لحالهم كثيرا خاصة وأنها تعيش بمنحة لا تتجاوز 10 آلاف دينار وتجدها أنها جد متدنية مع متطلبات العيش وتكاليفه الصعبة في الوقت الحالي، وقالت أنها تفد يوميا إلى المركز حوالي منتصف النهار وتشرع مع زميلاتها في تحضير الأطباق ولا تبرح المكان إلا قبيل المغرب بعد تحضير موائد الإفطار للصائمين، وقالت أنها تجد نفسها مرتاحة جدا بعد القيام بذلك العمل الذي تصبو به إلى كسب الأجر قبل المقابل المادي الذي تجنيه من تلك الحرفة المؤقتة.