مراصد إعداد: جمال بوزيان أخبار اليوم ترصد مقالات أهل القلم قطاع التعليم العالي بالجزائر يحتاج إصلاحات عميقة ترصد أخبار اليوم كل حين مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة. محطَّات في تطوُّر الجامعة الجزائرية بقلم: الدكتور بوفلجة غيات أستاذ التعليم العالي يعاني التعليم العالي حاليا من مجموعة من المشكلات والصعوبات ومن أجل فهم أسبابها هناك حاجة إلى التعرف على أهم مراحل تطوّر الجامعة الجزائرية. عرفت الجزائر تطورا كبيرا في مجال التعليم العالي بمفهومه التقليدي حتى قبل الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر من خلال ظهور وتطوّر الزوايا ومختلف المدارس التي كانت تقدم تعليما عاليا في مستوى جامعي وقد كانت منتشرة في مختلف المدن الجزائرية. لم يكن التعليم في الجزائر مسؤولية الدولة بل كان مسؤولية اجتماعية يتم تمويله من خلال مؤسسات الأوقاف وتبرعات المحسنين.وقد ساهم الحكّام العثمانيون بالتبرع لصالح مختلف الزوايا ومؤسسات التعليم الديني في الجزائر. وبعد دخول فرنسا إلى الجزائر دخل نظام التعليم الفرنسي إلى الجزائر وأصبحت الدولة هي التي تشرف على التعليم بكل مراحله. وهكذا تمّ إنشاء أول مدرسة للتعليم العالي بمفهومه الحديث وهي مدرسة الطبّ سنة 1833. تبعتها مدارس أخرى: مدرسة العلوم مدرسة الآداب والعلوم الإنسانية ومدرسة الحقوق. وقد تم جمع هذه المدارس لتظهر في صورة جامعة سنة 1909. وبهذا تكون جامعة الجزائر بمفهومها الغربي الحديث من أولى الجامعات في العالم. وهكذا تركت فرنسا عند استقلال الجزائر جامعة واحدة كان جلّ أساتذتها وطلبتها من الفرنسيين مع عدد قليل من الطلبة الجزائريين خاصة في التخصصات الأدبية. وقد رحل الأساتذة والطلبة من أبناء المعمرين مع رحيل الاحتلال وبذلك أصبحت جامعة الجزائر أول جامعة في الجزائر المستقلة. عرفت الجزائر بعد ذلك تطورا في عدد الجامعات التي لم تعد مقتصرة على العاصمة بل ظهرت جامعات أخرى بالمدن الكبرى بدءا بجامعتي قسنطينة ووهران (1968). وقد فتحت الجامعات الأولى في ثكنات عسكرية كما هو الحال لجامعة السانيا بوهران وغيرها من الجامعات. كما ظهرت غالبية الجامعات بعد ذلك في صورة مراكز جامعية أو ملاحق تابعة لجامعات أخرى أصبحت فيما بعد جامعات مستقلة. وقد بلغ عدد مؤسسات التعليم العالي حاليا (2021) أكثر من 110 مؤسسة بين جامعات ومدارس عليا ومعاهد وطنية. لقد ورثت الجامعة الجزائرية المناهج وطرق الإدارة والتنظيم عن الجامعات الفرنسية. وأولى الإصلاحات التي عرفتها الجامعات الجزائرية إدخال اللغة العربية إلى الجامعة وتدريس بعض التخصصات المرتبطة بالهوية الوطنية كالتاريخ والجغرافيا باللغة العربية. كما أن تعريب الدراسة ببعض الثانويات ووصول دفعات الطلبة المعربين إلى الجامعة دفع إلى إيجاد شعب معربة إلى جانب الشعب المفرنسة ببعض الأقسام وخاصة في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية والحقوق. وقد توسّعت هذه الطريقة إلى شعبة البيولوجيا. حيث كان جل الأساتذة الذين كانوا يدرسون في الشعب المعربة من دول عربية وعلى رأسها مصر وسوريا والعراق والسودان... أما أساتذة الشعب الفرنسية فقد كان جلّ أساتذتها من فرنسا. كما كان عدد كبير من الأساتذة الجزائريين من حملة الليسانس يدرّسون كمساعدين Assistants بالجامعة. وقد استمرّ نظام الشعبتين في كثير من التخصصات لسنوات قبل أن تتوقف عملية التدريس باللغة الفرنسية بسبب طبيعة تكوين الطلبة الذين يصلون إلى الجامعة. مع ذلك يبقى مشكل الصراع اللغوي قائما في الجامعة الجزائرية إلى اليوم في كليات العلوم والطب والهندسة... نتيجة طبيعة تكوين الطلبة وهم معربون ولغة التدريس وهي اللغة الفرنسية. وقد أدت سياسة التعريب في الجامعة إلى ظهور مقاومة قوية له وإلى صراعات أيديولوجية كبيرة بين مناصري اللغة العربية وارتباطها بالإسلامية من جهة ومناصري اللغة الفرنسية وارتباطهم بالشيوعية وبفرنسا المؤيدة لكل من يحارب العربية والإسلام. وهكذا عاش الطلبة والأساتذة في تلك الفترة صراعات أيديولوجية كبيرة وقد وصل الأمر أحيانا إلى وقوع أحداث تخللها العنف الجسدي بين الجانبين. ورغم استقرار الأمور لاحقا بعد أن فرضت اللغة العربية نفسها كلغة تدريس كثير من المواد الأدبية والعلمية إلا أن الصراعات اللغوية بين العربية والفرنسية مازالت مستمرّة إلى اليوم. إن دخول اللغة العربية إلى الجامعة الجزائرية رافقه جيل من الشباب المتعلم باللغة العربية والمتشبع بالقيم الإسلامية إلى الجامعة الجزائرية. وهكذا ظهرت في تلك الفترة مصليات في الجامعات وظهرت أولى الطالبات المحجبات وتوسعت دروس الدعوة بين الطلبة. مقابل ذلك توسّع نفوذ الفرنكو شيوعيين من خلال حزب الطليعة الاشتراكي (Partidel avant-GardeSocialiste PAGS ) والذي كان له نفوذ كبير في الجامعات وفي القطاعات الاقتصادية حيث قاد الصراعات ضدّ التعريب والمعربين وهو التيار الذي كان مسيطرا على هياكل الدولة ولو في الخفاء. رغم أنه لم يكن معترفا به قانونيا إلا أنه كان مدعما من طرف جهات في السلطة لمواجهة مدّ التيار الإسلامي في الجامعة كما كان مدعما من طرف فرنسا. وما يميّز حقبة السبعينات من القرن العشرين توسّع إرسال بعثات الطلبة إلى الدول العربية وأوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا لمزاولة دراساتهم العليا. وقد تمّ تنظيم اجتماع تحت إشراف رئيس الجمهورية آنذاك السيد الشاذلي بن جديد في القاعة البيضاوية بملعب 5 جويلية بالعاصمة والتي امتلأت عن آخرها من كثرة عدد الطلبة الذين كانوا مُبعثين إلى الخارج من طرف وزارة التعليم العالي. لقد كان طموح الجزائر كبيرا في عودة كل الطلبة الممنوحين إلى الجزائر لتحمّل مسؤولية التدريس والبحث العلمي بالجامعة الجزائرية. إلا أن الدولة لم توفر الظروف المناسبة لاستقطابهم عند عودتهم بسبب الأزمات ومختلف المشكلات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي عرفتها الجزائر آنذاك مما جعل عددا كبيرا من الجزائريين الذين أنهوا دراساتهم العليا بالخارج يفضلون البقاء بالدول التي أرسلوا إليها. لم يكن عددهم بالعشرات ولا بالمئات ولكن كان بالآلاف. كما أن الدول الخليجية استقطبت عددا كبيرا منهم ووفرت الشروط الضرورية لاستقرارهم بها وهي الشروط التي عجزت الجزائر عن توفيرها لهم. وأما الذين عادوا للجزائر لأسباب عائلية ونتيجة ارتباطهم بحبهم لوطنهم فتحملوا الكثير من العناء مقابل البقاء لخدمة أبناء وطنهم في الجامعة الجزائرية. إلا أن البعض منهم لم يستطع التحمّل فحزموا أمتعتهم مرّة أخرى للعودة من حيث أتوا أو أنهم هجروا إلى دول أخرى تقدر كفاءاتهم وتساعدهم على البحث العلمي وإبراز شخصياتهم. وأما الذين بقوا في البلاد وخاصة المعربين منهم فأصبحوا مهمّشين عاجزين عن إبراز قدراتهم لانعدام الشروط الضرورية للعمل وغياب وسائل البحث. كما أنهم عانوا من مشكلات بيروقراطية أعاقت استغلال كفاءاتهم وقدراتهم وخاصة مع هيمنة اللوبي الفرانكو شيوعي على الجامعة في تبك الفترة من الزمن. وهكذا خسرت الجزائر معركة الحفاظ على شريحة واسعة من الكفاءات التي أنفقت عليها أموالا طائلة بالعملة الصعبة لتكوينها وعجزت عن استقطابها واستغلالها لإيجاد جامعة جزائرية متطوّرة في مستوى الجامعات العالمية. إن عدم قدرة الجامعة الجزائرية على استقطاب الكفاءات التي كونتها واستثمرت فيها أموالا طائلة جعلها تنكفئ على نفسها باعتماد سياسة التكوين السريع ومنح الشهادات العليا للمتخرجين من الجامعة الجزائرية ومنحهم الدرجات العليا. لإحراز التقدم الإحصائي وهو ما ساهم في تعزيز الرداءة بالجامعة الجزائرية مما كان له انعكاسات على الاقتصاد الوطني والتنمية في الجزائر وهو ما تزال تعاني منه إلى اليوم. ولمواجهة عجز الجامعة الجزائرية من الأساتذة ذوي الكفاءات قامت الوزارة بفتح عمليات تكوين الطلبة على مستوى الماجستير والدكتوراه بعدد كبيرة لمواجهة العجز. كما أنها فتحت أبواب الترقية لإيجاد عدد من أساتذة التعليم العالي بروفيسورات بالجامعة الجزائرية يتماشى مع تزايد عدد الجامعات وعدد الطلبة. ذلك أن قطاع التعليم العالي في الجزائر يهتم بالأعداد والإحصاءات بالدرجة الأولى. إن هذه الانتكاسات في قطاع التعليم العالي والاستراتيجيات التي تمّ اعتمادها لمواجهتها ترتبت عنها مجموعة من الصعوبات والمشكلات التي تعرفها الجامعة حاليا. كما أن مشكلات الجامعة انتقلت إلى مختلف القطاعات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية وهو ما أدى إلى الأزمات التي تعرفها الجزائر رغم إمكاناتها الكبيرة واستثماراتها الضخمة. === وثيقة بيان صادر بعد اجتماع اللجان الوطنية لنقابات الاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي بعد هيكلتها الجديدة التي تم ترسيمها يوم 10/11/2021 من طرف الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين السيد سليم لباطشة والتي أصبحت تضم: نقابة الأساتذة الجامعيين ونقابة عمال البيداغوجيا ونقابة عمال الخدمات الجامعية ونقابة الباحثين الدائمين ونقابة عمال دعم البحث والتعليم عن بعد عقدت الاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي تحت إشراف أمينها العام الأستاذ الدكتور مسعود عمارنة اجتماعا تنسيقيا تشاوريا بمقر الاتحادية. كان هذا اللقاء مناسبةً لتدارسِ عدة ملفات مهنية واجتماعية راهنة تهم هذه الفئات والقطاع ككل كما أسهم الحاضرون في إثراء النقاش في سياقِ رسمِ الرؤى الناجعة واقتراح الحلول المناسبة لشتى الملفات التي تطرحها الاتحادية. في ذات اللقاء تم التذكير بنهج الاتحادية الهادف إلى تعزيز الفعل النقابي القوي المبني على القيم العريقة للاتحاد العام للعمال الجزائريين والسائر على خطى ثابتة على مسار بعث نفَس جديد ورؤية شاملة ومتفتحة في عهد جديد . في خضم ذلك تم التذكير بالغايةِ الأساسية للهيكلة الجديدة للاتحادية والتي تتضمن الارتقاء بالعمل النقابي المنسجم والقائم على تسخير الجهود المخلصة والعادلة للدفاع عن الحقوق الاجتماعية والمهنية وحمايتها وترقيتها لكل الفئات المنتسبة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي و إرساء الشراكة المثمرة والتي تعدّ مكسبا لن تتوانى الاتحادية عن صونه خدمة للأسرة الجامعية والقطاع و للمؤسسات والحفاظ عليها في كنف جزائر جديدة وقوية. كما أن هذا المنعرج الهيكلي بادرةٌ يرجى بها ترقية العمل النقابي النبيل الذي يعزز المصلحة العامة ويكرس ثقافة الحوار ونبذ العنف بشكل أوسع وينخرط بصفة أكبر في تطلعات المؤسسة وأهدافها المنشودة. كما أن توحيد النقابات المعنية تحت لواء الاتحادية سيمكن من التناول الفعَّالِ والمكتمل لكافة انشغالات الفئات المنتمية للاتحادية في نطاق مقاربة نقابية جادة مبنية على التلاحم والتماسك وتوحيد الرؤى على نحو يعزز الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والمهنية وترقيتها وهنا دعا المجتمعون كافة هذ الفئات إلى الالتفات حول هذه المساعي. كما دعا الحاضرون بهذا الاجتماع إلى أن الأهمية الجوهرية لمرفق التعليم العالي والمعوّلِ عليه من طرف الدولة من أجل تحقيق الاقلاع التنموي الشامل وإشراك النخبة الجامعية والبحثية في ما تنشده القيادة العليا للبلاد هي من تطلعات واعدة للجان الوطنية لنقابات الاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي للارتقاء بالبحث والتطوير وخلق القيمة المضافة تدفع بالاتحادية اليوم في هيكلتها الجديدة لتضطلع بدورها بقوة في تنمية القطاع بالطروحات الجادة والجهود الخالصة لذلك يتجسد توحيد النطاق النقابي العملي من جهة أخرى كمنطلق يعزز للاستثمار الفعال للجهود النقابية خدمة لهذا التوجه الإيجابي بامتياز. كما أكد الحاضرون على ضرورة إعطاء أهمية بالغة لاستقرار المؤسسات الجامعية والبحثية وتكريس الجهود للدفاع عن مطالب الفئات المنتسبة للقطاع و تكريس الفعل النقابي في إطار القانون المعمول به. تبقى الاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي الشريك الاجتماعي الوفي لمبادئه والحاضر برؤيته المتفتحة الخدوم للوطن ومؤسساته وداعما لكل المساعي المثابرة لخير الجزائر والجامعة الجزائرية. * الأمين العام للاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي: أ.د/ مسعود عمارنة