اشتهرت منطقتي وادي عبدي والوادي الأبيض بولاية باتنة منذ القدم بامتهان قاطنيها لحرفة الحلي التقليدي ليظل هذا التراث متوارثا بالجهة أبا عن جد. ولم يفقد هذا التقليد الحرفي الذي استمد سماته الأساسية من الناحية الزخرفية والتصميمية من الطبيعة الأوراسية بريقه وما زال يحتفظ بجاذبيته وسحره في أوساط الحرفيين الذين تحولوا إلى حماة وحراس حقيقيين لهذا الموروث الثقافي المتجذر في تاريخ المنطقة. ويقول الحرفي المختص في هذا المجال محمد أمغشوش أنه ورث أسرار المهنة عن جده وأبيه وكذا أختيه (همامة) و(كوكة) اللتين كانتا أولى ممتهنات هذه الصنعة بمنطقة الأوراس لافتا إلى أن صناعة الحلي التقليدي بالمنطقة كانت حسب المتداول في العائلة تقليدا ضاربا في القدم انطلاقا من مشونش بولاية بسكرة المجاورة إلى غاية وادي الطاقة بباتنة مرورا ببوزينة ومنعة ونارة وشير وثنية العابد وحتى آريس. وما يميز الحلي التقليدي الشاوي الأصيل إستنادا للمتحدث خلوه من الصبغات والألوان فيظهر بسيطا معتمدا في الغالب على أشكال هندسية ونباتية وحيوانية إلا في حالات قليلة تزين بعض قطعه بحجارة حمراء وخضراء ومنها خاصة (إمساكن) أو (تيبزيمين) وهي حلية تثبت طرفي الملحفة على الكتفين. وقد برع الحرفيون بالمنطقة الذين اكتسبوا عبر الزمن خبرة ودراية كبيرة في القولبة وما تتطلبه من دقة وصبر يردف ذات الحرفي في تصميم وتنويع الحلي التقليدي الذي يغطي تقريبا كل أنحاء جسم المرأة من الرأس إلى القدم من أقراط تيمشرفن مرورا بالسخاب لاي فالأساور التي تفوق أحيانا ال 12 قطعة في الساعد الواحد للمرأة ثم الحلقات الخاصة بالأرجل أو ما يسمى ب إيخلاخالن . ويستمد في الغالب الحرفيون الزخارف والرسوم التي يزينون بها الحلي التقليدية وفق ما ذكره رئيس جمعية أزطا ناللحاف (نسج الملحفة) كمال راجعي من الزرابي وهي الأشكال التي تجود بها قريحة المرأة وهي أمام المنسج تحيك هذا الفراش التقليدي العريق الذي يقال بأنّ النساء تودعن فيه جانبا من أسرارهن وهمومهن اليومية. ويرى ذات المسؤول أن الحلي التقليدي ظل وما زال يلقى رواجا كبيرا بالمنطقة وتحرص الكثيرات من النساء على التزين به ولا يقتصر ذلك على المناسبات فقط بل يتعداه إلى باقي أيام السنة تمسكا بهذا الإرث الثقافي ووفاء لتراث الأجداد. ويحرص الحرفيون الذين استهوتهم هذه الصنعة على الإبقاء على النماذج الأصلية للحلي التقليدي الشاوي والمحافظة عليه من أي تشويه بإعتباره تراثا أصيلا ما زال يعكس التمسك والافتخار بالثقافة المحلية والترويج لها كعامل دفع للسياحة كما جرى توضيحه. صناعة المجوهرات أكثر الأنشطة انتشارا تشير إحصاءات غرفة الصناعة التقليدية والحرف بباتنة إلى أن الحلي التقليدي وصناعة المجوهرات يعتبران أكثر الأنشطة انتشارا بالولاية سواء في الإطار القانوني المنظم أو غير القانوني. ويفوق عدد الحرفيين المسجلين في صناعة الحلي التقليدي 483 حرفيا و1312 آخر في صناعة المجوهرات يتمركزون حسب ما صرح به مدير القطاع العايش قرابة بمدينة باتنة لكن أغلبهم ينحدر خاصة من البلديات التي تقع بشرق الولاية التي تعتبر قطبا في هذا المجال منها وادي الطاقة التي تأتي في المرتبة الثانية في مجال صناعة المجوهرات متبوعة ببلديات منعة وشير وثنية العابد وبوزينة وآريس. وبالنظر لأهمية هذا النشاط وازدياد عدد المنخرطين فيه ظهرت محليا في سنة 2006 جمعية حرفيي وتجار المجوهرات التي تحولت إلى جمعية وطنية في سنة 2020 لتستفيد بعدها الجمعية وفق المصدر من اتفاقية شراكة في إطار برنامج دعم الجمعيات المهنية الذي يدخل ضمن التعاون التقني الجزائري -الألماني. وعرفت سنة 2015 يقول السيد قرابة انطلاق مشروع تطوير التجمعات المهنية في الصناعات الثقافية والإبداعية في جنوب البحر الأبيض المتوسط الذي يموله الإتحاد الأوروبي بمساهمة من التعاون الإيطالي وتنفذه منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية حيث أختير نشاط صناعة الحلي والمجوهرات بولاية باتنة. وكان من بين أهداف هذا المشروع تطوير مستوى أداء الحرفيين من خلال اكتساب التقنيات والمهارات الحديثة وتطوير نوعية المنتوج وجعله قابلا للتصدير وإكسابه للمعايير الدولية لتحقيق التنافسية ليتم تنظيم عدد من البرامج لفائدة المنتمين لهذا التجمع منها دورات تكوينية وورشات إبداعية. وتندرج كل هذه المبادرات حسب ما ذكره رئيس دائرة التطوير والتنشيط الاقتصادي بغرفة الصناعة التقليدية والحرف بباتنة إبراهيم بن جابو في إطار تثمين هذا النشاط بشقيه الحلي التقليدي والمجوهرات. فبالنسبة للحلي التقليدي طور الحرفيون الناشطون فيه بالولاية مهاراتهم وأصبحوا حاليا يستعملون تقنيات حديثة كآلات التقطيع بواسطة أشعة الليزر والطابعات ثلاثية الأبعاد إلى جانب تقنيتي (الفتلة) و(الصب والقولبة) اللتين برع فيهما حرفيو الأوراس منذ القدم وجعلت منتوجهم متميزا وذي سمعة عبر الوطن. ودون التخلي عن حرفة الأجداد أصبح الحرفيون يصنعون الحلي التقليدي من الذهب إلى جانب الفضة المعدن الأصلي الذي كانت تصنع به مستعينين في ذلك بنماذج عتيقة من الحلي التقليدي الذي ما زال إلى حد الآن حسب ما ذكره فاعلون في هذا المجال يحتفظ بجاذبيته وسحره ومكانته كتراث عريق شاهد على إبداع حرفيي المنطقة منذ القديم.