نتجه يوما بعد آخر إلى إفتقاد عاداتنا القديمة، ومنها تلك الرمضانية، حيث كانت العائلات تجتمع بعد الإفطار وتسهر إلى الفجر، تتبادل التحيات والحديث والوصفات، وهذا بسبب استعمال الواب كام، ودخول المنتديات الالكترونية "فوروم" وغيرها من وسائل التيكنولوجيا الحديثة، مما قضى على الاجتماع في البيت، وغيرها من العادات الحميدة. مصطفى مهدي اللقاءات التي صارت تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي خاصّة، مثيرة حقا لعلامات الاستفهام، منها إذا ما كانت عادة السهرات التقليدية في طريقها إلى الاندثار، فشيئا فشيئا يحجم المواطنون عن السهر، الذكور منهم، والذي كانوا عادة ما يلجأون إلى المقاهي، ويلتفون حول طاولات الدومينو ليلا، وكذا السهر في الساحات العامة وامام الأحياء الشعبية، هؤلاء استبدلوا ذلك بالانترنيت، وحتى الألعاب التي اعتادوا عليها في الحي يمكن أن يجدوها على الانترنيت، وأن يشترك في اللعبة الواحدة، ومن كلّ الأماكن عشرات الأشخاص، وهو الأمر الذي دعا البعض إلى التخلي نهائيا عن الخرجات الليلية، خاصة منهم العاملون، والذي يضطرون في صباح اليوم الموالي إلى الخروج إلى العمل، فالأنترنات توفر لهم كل ذلك، وبتكاليف أقل، تماما مثلما صار كريم يفعل، يقول "رمضان بالنسبة لي هو فرصة للتلاقي، ولكن لا يهم إن كان هذا التلاقي حقيقيا أو افتراضيا، ثمّ إنني لا أؤمن أصلا بمصطلح افتراضي، فالأشخاص الذين لا نتعرف عليهم على الانترنيت، ولم يسبق لنا رؤيتهم هم الإفتراضيون، أما أصدقائي الذين اعتدت لقاءهم، وربما أراهم في المؤسسة التي أعمل فيها يوميا، هؤلاء ليسوا افتراضيين". أما رحيم فيؤكد أنّ هذه الطريقة هي أفضل، لأنها غير متعبة، ويضيف: "في الحي تلتقي بالجميع، وحتى هؤلاء الذين لا تريد لقاءهم، من أبناء الحي، أما على صفحة الفيس بوك فيمكن أن تختار أصدقاءك بعناية، وأن تسحب الذي لا يعجبك حديثه وهكذا، ولهذا فإنني لا أريد أن أفسد سهرتي بملاقاة أشخاص لا يربطني بهم شيء". سمية من جهتها تعتبر تلك المواقع العدو اللدود للسهرات الرمضانية، وهي التي عملت أمها كيفية استعمال الأنترنات، ولكنها ندمت على ذلك، ففي السابق كانت ترافق أمها وأخواتها إلى بيوت الجيران للسمر، ولكن أمها اليوم ترفض ذلك، وتكتفي إما بالرسائل القصية، أو بالالتقاء والحديث معهم عبر الواب كام، وهو الأمر الذي تقول لنا سمية عنه: "لا أدري إن كانت أمي كسولة أو أنها لم تعد تحب السهر رفقة الأصدقاء، فأنا لا أصدق من يقول أنّ العالم الافتراضي لا يختلف عن العالم الحقيقي، هو أمرٌ غير معقول، فالسهرات ليست لقاءات وتبادل أحاديث وفقط، ولكن الخروج واستنشاق هواء مغاير، وربما تذوق الحلويات التي تصنعها هذه الجارة، أو تلك القريبة، كلّ هذا يجعلنا نحبذ السهر، على البقاء وراء الكمبيوتر ورؤية صور أصدقاءنا ب"البيكسالات".