يحل علينا بعد أيام قلائل شهر رمضان الفضيل، هذه المناسبة الدينية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بعادات وتقاليد وروح كل مجتمع مسلم، ورغم المجتمع الجزائري، وكغيره من البلدان المسلمة عبر العالم رغم انه فقد الكثير من العادات التي كانت تطبع شهر رمضان، إلا أن بعض العائلات الجزائرية، مازالت تحضر لاستقبال رمضان مثلما كان الحال قبل أعوام. بعض الأسر الجزائرية لا زالت محافظة على العادات والتقاليد التي اعتادت عليها منذ زمن، خاصّة تلك التي لازالت فيها السلطة للجد او مازالت الجدة على قيد الحياة، والتي عادة ما تحاول أن تحيي بعض التقاليد، رغم ما يعرفه المجتمع من تطور وتغير، ورغم رفض الجيل الجديد لبعض الأفكار التي يراها بالية، وغير صالحة لهذا الوقت. من ذلك أن تقضي العائلة الكبيرة رمضان مع بعضها البعض، حيث تجتمع كل الأسر في البيت العائلي، وتتعاون وتتحد على صنع جو رمضاني بهيج، وهو ما افتقدته الكثير من الأسر الجزائرية في وقتنا هذا في ظل التطور التكنولوجي الحاصل، حيث صارت كلّ أسرة، بل كل فرد لا يعني إلا بنفسه، وبمشاغله وهمومه، وحتى مائدة الإفطار او العشاء عادة ما لا نجدها عند العائلات، حيث يفطر كلّ واحد في وقت يخالف الوقت الذي يفطر فيه الآخر وهكذا، وهو الأمر الذي جعل الأسرة تتفرق، ولا تجد حتى الوقت الكافي للحديث فيما بينها. بعض الأسر حاولت أن تحافظ على ذلك التقليد، على الأقل في شهر رمضان، وان تلتحم فيما بينها، فتعود إلى البيت العائلي، ومنها أسرة نادر،28 سنة، والذي قال لنا أنه وأسرته كثيرا ما يقضي أشهر رمضان في بيت جده، ويقول لنا أنّ عائلته كبيرة، فوالده أخ لستة إخوة، شكل كل منهم أسرة وأنجب أولادا، وصار عدد أفراد العائلة يفوق الخمسين فردا، وهو ما جعل من الصعب أن يتعارفوا فيما بينهم، لهذا فقد صارت، وعلى حد تعبير الجد، تلك اللقاءات ضرورية، ويحكي لنا نادر قائلا:" منذ أن كنت صغيرا وأبي يأخذنا إلى البيت العائلي الكبير، والذي يقع بعيدا عن مسكن أسرتنا، ولهذا فإننا نادرا ما نزوره او نزور أبناء عمّنا في أيام السنة الأخرى، ولهذا قرر جدي، وأصر على قراره، أن نلتم في شهر رمضان، وفي الحقيقة أنها فكرة جميلة، فقد تعرفت عن قرب على أبناء عمومتي، بل وصادقت بعضهم، وبقيت على علاقات معهم، وكذلك فعل إخوتي، فهي فرصة جميلة أن توطد علاقاتنا مع أقاربنا، وقد كان جدي قبل أن يقترح أن نلتم في شهر رمضان، كان قد اقترح أن نعيش كلنا في بيت واحد، خاصّة وأنّ المكان يسع الجميع، لكنّ أبناؤه رفضوا، لهذا فرض عليهم أن يقضوا على الأقل شهر رمضان في البيت العائلي، وهذا لكي يراهم باستمرار من جهة، ولكي يحفزهم على أن يبقوا على علاقة فيما بينهم". أمّا سها، 18 سنة، فتحكي لنا هي الأخرى تجربة أسرتها تقول:" مند مدة طويلة ووالدي يفرض علينا أن نلتقي بباقي أفراد عائلتنا سواء إن تعلق الأمر بأقاربه او أقارب أمي، ويعتبر رمضان فرصة لذلك التلاقي بيننا، حتى أنّ أبي وفي كلّ شهر رمضان إمّا أن يستقبل أسرة من أقاربنا او نذهب نحن للإقامة عندهم، وهي العادة التي حاول أبي الحفاظ عليها قدر الإمكان، فهو يهتم كثيرا بالحفاظ على هذه العادة، خاصّة وأنها تساعد على لم شمل العائلة، وكثيرا ما كان إخوته يتهربون من هذه العادة، لكنّ يحاول أبي قدر المستطاع أن يعيدها ويحييها، وذلك لأنه الأكبر ولأنه كان الأقرب إلى أبيه والذي أوصاه بدوره لان لا يقطع صلة رحمه مهما وقع، وهو ما أراه يفعله، وقد أخذت منه هذه العادة، خاصّة بعدما أقنعني بذلك، بمختلف الآيات والأحاديث النبوية والتي تحث على الحفاظ على صلة الرحم، وفي الحقيقة فان الأمر ممتع إلى جانب كونه مفيد، فقد اكتشفت أن بنات عمي وبنات خالاتي يمكن أن يكن صديقات لي، وهو ما حدث فعلا، فبعدما كنت أصاحب الغريبات، وجدت في قريباتي من تغنيني عن ذلك، وفهمت بذلك لما يصر والدي على أن لا يقطع هذه العادة". أمّا بالنسبة للأولياء فإنّ الأمر يختلف، تحكي لنا السيدة زبيدة عن اللقاءات الأسرية في رمضان تقول:" عندما التقي مع زوجتا أخي في رمضان، استفيد كثيرا، فمن جهة نصنع جوا رمضانيا بهيجا وممتعا، ونصبح عائلة كبيرة، فنشعر حينها بالأمان والاطمئنان، ومن جهة أخرى فقد تعلمت الكثير منهن فيما يخصّ الطبخ وعادات كل واحدة منهن، لأنهن لسن كلهن من العاصمة، وهو الأمر الذي شكل تنوعا جميلا، حيث نتبادل كيفيات صنع الأطباق ومختلف المأكولات، ونحضرها سويا، وحتى من الناحية المادية فقليلا ما نشعر بنقص ما فكل واحدة منا تساعد الأخرى، والطهو الجماعي كذلك ممتع واقتصادي، ويجعلك لا تصرف كثيرا، أما في السهرات، فبقدر ما يكثر أفرادها بقدر ما تكون جميلة، خاصة عندما نلتف بعد الإفطار، وتحكي كل واحدة منا للأخريات قصصا وحكايات، حيث نتناول في كل مرة موضوعا ما، كما تعد فرصة لنزوج بناتنا وأولادنا، ربما بينا او مع معرفنا وهكذا". لكن في المقابل فان هناك من يستاء من تلك اللقاءات، او على الأقل يعتبر أن وقتها قد مضى، وأنها لا تصلح لهذا العصر، ومنهم سليم، الشاب الذي وكلما ذهبت أسرته لتمضي رمضان مع الأقارب وجد الفرصة لكي يهرب ، يقول لنا:" ما يزعجني في تلك اللقاءات أنّ الحديث يكون محدودا، ولا تستطيع أن تعبر عما تشعر به في كل وقت ومع أي كان، فالعلاقة بين الأقارب حساسة، وأي شجار او اصطدام، يمكن أن يتطور إلى صراع بين العائلات، وهو الأمر الذي يجعلني أتفادى تلك اللقاءات