عادة ما يدفع الجهل والسذاجة وضعف الشخصية البعض إلى المشعوذين ليطلبوا منهم العلاج من أمراض يدعون أنّ الطب الحديث لم يستطع أن يقضي عليها، وقد يكون ذلك صحيحا، وقد يعجز الطب عن علاج بعض الأمراض والتي تسمى مستعصية، لكن ما لا يعلمه هؤلاء أن طرقهم لباب السحرة والدجالين ليس خالياً من الفائدة فقط، بل مضرٌّ كذلك. رغم ما وصل إليه العلم والطب والتقدم الحاصل خاصّة منذ العشرين سنة من القرن الماضي إلى اليوم، إلاّ أنّ ذلك كله لم يسمح للإنسان باكتشاف كل الأمراض أو الإلمام بكل أنواع العلاج، فالكثير من العلل تصنف في خانة الميئوس من علاجها إلى إشعار آخر، وهو الأمر الذي قد لا يتقبله البعض، خاصّة ممن نفدت من قلوبهم آخر قطرة من الإيمان، فيلجأون إلى السحر والسحرة، طالبين الشفاء، ولا يدرون أنهم يطلبون المرض والجهل وظلمات فوقها ظلمات. كنا في حافلة للنقل عندما تناهى إلى سمعنا حديث امرأة عجوز، راحت الأولى في البداية تشتكي للثانية من مرض مزمن تعانيه لم تجد له حلا ولا دواء منذ أكثر من خمس سنوات، حيث أنها وكلما حبلت سقط جنينُها، ورغم أنها زارت الأطباء الأكثر شهرة، إلا أنه لا أحد تمكن من علاجها، واكتفوا بأن قالوا لها بأن رحمها ضعيف وفقط، فاقترحت عليها العجوز أن تزور الحاجة »د« والتي قالت لها عنها إنها تعالج كل المرضى وكل الأمراض وبوصفات سحرية لا تستدعي لا جهدا ولا وقتا. كانت السيدتان تجلسان من خلفنا، وأردنا أن نعرف المزيد، فاتجهنا إلى العجوز بالسؤال عن تلك الحاجة التي ذكرتها، واعتذرنا لها عن تطفلنا، إلا أننا اختلقنا لها قصة أن لنا أختا تعاني من نفس ما تعانيه السيدة صاحبة الرحم الضعيف، فشرحت لنا العجوز أنه في الحي الذي تسكن فيه هناك عجوز مسنة »مباركة«، كما وصفتها لنا، لها قدرة سحرية في علاج الأمراض التي لا يقدر الطب على علاجها، فأبدينا اهتمامنا بالموضوع، لكننا مع ذلك سألناها عن الطرق التي تعالج بها تلك الحاجة »المباركة«، فقالت لنا إنها لا تدري بالضبط خاصّة وأنّ لكل حالة طريقتها الخاصة للعلاج، لكنها مع ذلك أخبرتنا أنها تمارس »لقطيع«. و»لقطيع« هو نوع من الشعوذة والسحر والدجل، حيث يقوم الساحر بإعطاء وصفة للمريض، يأكلها أو يرشها على جسده أو في بيته أو حتى يرمي بها عدوه، ثم ينتظر بعض العلامات أو الإشارات التي تدل على شيء معين، فينفذ خطوة ثانية وهكذا، طبعاً كل ذلك، وكما قالت لنا العجوز، مرهونٌ بنوع المرض، أو بالأحرى بدرجة حمقه، وقابليته على تصديق الأشياء حتى الأكثر سخفا وبلاهة، ويدعي المشعوذون أنّ »قطيعهم« يستعمل في علاج كل الأمراض مثل الروماتيزم والبوصفاير والبواسير، فلم نخف حينها حيرتنا عن المرأة العجوز، وقلنا لها بصوت متردد فيما إذا كان هذا سحراً أم لا، فأجابتنا إجابة لا بد أنها ترددها على كل زبائنها وزبائن صديقتها أو ابنة حيِّها، قالت إنَّ ذلك ليس سحراً وإنما علاج تقليدي، حيث تُستعمل فيه الأعشاب الطبية، والتي كانت أدوية ينتفع بها كثيرا في وقت سابق، وفيها الكثير من الفائدة، فأردنا حينها محاصرة العجوز، وقلنا لها إنه يمكن في تلك الحالة لكل من هب ودب أن يمنح وصفات مثل التي تمنحها صديقتها ويحل المشكل، فتضايقت العجوز لكنها أخفت ذلك حتى لا تخسر على الأقل زبونتها التي كانت تجلس أمامها، وتسمع حديثنا إليها بكثير من الحيرة والتردد أجابتنا العجوز أن الحاجة »د« مباركة، وهو الأمر الذي يفرقها عن غيرها. انتقلنا بعدها إلى بيت الحاجة »د« في المنطقة التي ذكرتها لنا العجوز، وكنا نحاول في الطريق أن نختلق سيناريو يمكننا من الدخول إليها ومحادثتها، وكنا نسأل عنها البشر في الطريق فكانوا يدلوننا دون إشكال، أو على الأقل فقد كان الكثير على معرفة بها، ما جعلنا نتيقن أن لها شهرة واسعة في الدجل والشعوذة، وما إن وصلنا إلى البيت المقصود سألنا أول مار، فقال لنا إن الحاجة »د« لا تعمل إلاّ بالسبت والثلاثاء لأنهما يومان مباركان!