الكثير من المتسولين ابتكروا اساليب جديدة للتسول، واثارة شفقة الناس، ليس بمد اليد مباشرة، ولكن بان يستغلوا الأماكن العمومية لكي يقصوا ما يعيشونه من مأساة، لكي يستجدوا عطف الناس، قد تكون تلك الأحاديث صحيحة، وقد لا تكون. من بين تلك الأماكن الحمامات فتعتبر المكان الأنسب لبعض النسوة، واللائي يتجهن إليها بغرض جني المال، حيث لا يمضين وقتهن إلا بالتحدث عن مرضهن وفقرهن، ويحكين حياتهن بأدقّ التفاصيل، حتى يثرن شفقة الزبونات، وخاصّة اللائي يتصدقن، ليس شفقة ولا طلبا للأجر، ولكن رياء ونفاقا، لكن، ما يهم تلك المتسوّلات المقنعات هو أن تدخل الأموال جيوبهن، وفقط، وتقول لنا سميحة والتي اعتادت أن ترتاد تلك الحمامات عن الأمر:"صرنا لا نستغرب رؤية امرأة تلتفّ حولها باقي النسوة، واعتدنا على سماع ما يقلنه، او ما يحكينه من مشاكل، اغلبها من نسج خيالهن، وهو الأمر الذي يدفع بالبعض إلى أن يدفع لهن بعض النقود، وقد حدث أن إحدى تلك النساء، راحت تتسول في الحمام، ولكن اتضح بعدها أن لها بيتا وأملاكا ونقودا، وان كل ما ادعته من أن ابنها يحتاج إلى عملية جراحية وغيرها لم يكن صحيحا، وهو الأمر الذي جعل الناس، او النسوة يحتطن لتلك النسوة، خاصّة إذا لم يعلموا عنهن شيئا. كنا في حافلة لنقل المسافرين عندما راحت امرأة تحكي للجالسة أمامها عن المشاكل التي تعيشها وزوجها، حيث أنهما، تقول، يعانيان من فقر شديد، وان صاحب المنزل الذي يقيمان فيه مع ابنهما الوحيد يريد طردهما، وأنها لا تجد مأوى لها ولا شيء، وبغض النظر فيما إذا كانت صادقة فيما تقول، فإنها وخلال دقائق استطاعت أن تثير انتباه جميع المسافرين، والذين كانوا يجلسون بالقرب منها، وراح كل واحد منهم يعرض عليها خدماته، بين من يمنحها نقودا، وآخر يعدها بان يجد لها مأوى، وآخر يقول لها أنّ بإمكانه أن عثر لزوجها على عمل، وكل هذا خلال طريق قصيرة لم تتعدى بضع كيلومترات، فنزلت السيدة من الحافلة وهي تحمل نقودا ووعودا جميلة. أما المساجد، والتي من المفروض ألاّ يدخلها الناس إلا لعبادة الله وحده، فان آخرين يستغلون وجود المصلين بها لكي يمثلوا عليهم دور الفقراء المساكين الذين يحتاجون إلى إعانات مالية، ثم يمثلون كذلك دور الكريم الذي لا يقبل حسنة من احد، ولكنهم يأخذون بالمقابل كل شيء يمنح لهم، وقد يطلبون المزيد من خلال توسلاتهم المستمرة إلى الغير. المشكل في ذلك أن المواطنين، وأمام كثرة أمثال هؤلاء، فإنهم يحتارون على من يتصدقون، وقد لا يفعلون، ويعتبرون جميع الفقراء سواسية، وان صار لا يمكن التفريق بين المحتاج الحقيقي، من الذي اتخذ من بسط اليد مهنة له، ولهذا فان المحتاجين لا يجدون من يتصدق عليهم، ولا من يعينهم.