من أكثر الظواهر الاجتماعية تعقيدا وتشابكا التسول الذي أخذ منحنى متزايدا في المسيلة، في ظل تفاقم حالات البطالة والفقر والتشرد، حيث يزداد عدد المتشردين يوما بعد يوم وأصبح التسول مهنة لها قواعدها وأصولها. إن ما يلفت الانتباه إلى هذه الظاهرة هو اقتحام النساء والأطفال لهذا المجال وأصبح بذلك التسول سبيل المحتاجين تارة والمحتالين تارة أخرى! هذه الطريقة التي لا تحتاج إلى رأس مال كبير بقدر ما تحتاج إلى عاهة طبيعية أو مصطنعة كرِجل أو يد مقطوعة، يرافقها ارتداء المتسول لزي عمله الرسمي والمتمثل غالبا في ثياب تعود للقرون الوسطى إضافة إلى تعلم بعض الجمل والعبارات التي تحمل طابع الرحمة والشفقة مثل – من مال الله يا محسنين – ربي يسترك- الله يحفظك- وما إلى ذلك من عبارات الاستعطاف الرقيق التي يستعملها المتسول لكسب ود أصحاب الجود والكرم. "الأمة العربية" حاولت التحقيق في هذه الظاهرة الاجتماعية للكشف عن أسباب ودواعي انتشارها في المجتمع الجزائري وكيفية التخلص منها، فقد يظهر التسول مرة حالة نصب واحتيال تستدعي منا استبعاد العاطفة ويظهر مرة أخرى فقر وتشرد وبطالة تستدعي الرحمة والشفقة. وما يجعل الملاحظ لهذه الظاهرة يقع في الإرباك هو انقسام المتسولين إلى فئات وأنواع، فهناك المتسولون المحترفون وهناك المتسولون المتسولون والمتسولون الظرفيون وليس هذا فقط؛ بل حتى التسول ينقسم إلى أنواع منه التسول الثابت والمتحرك والتسول الموسمي والذي يكون عادة في الأعياد والمناسبات. وعن أساليب التسول تقول الأستاذة هاجر إنها تنقسم إلى ثلاثة أنواع وهي : التسول الصريح : والذي يتمثل غالبا في شخص يمد يده صراحة طالبا المساعدة بعبارات منمقة ومختارة. التسول الخفي : ويتمثل في شخص مريض أو يتمارض، يعرض أشياء رخيصة كالصور أو العقاقير وغالبا ما يمنحه الناس الصدقة دون مقابل لبضاعته الرخيصة. وعن وسائل التسول تقول الأستاذة سمية إن البعض يستخدم الأطفال الذين يجذب بهم المتسول عطف الناس والكثير من هؤلاء الأطفال لا يمتّون بأية صلة قرابة للمتسول لكنهم يستأجرون من طرف أهاليهم والذين غالبا ما يكونون فقراء فقرا مدقعا. ويضيف الأستاذ بدر الدين أنه كل يوم يضاف متسول إلى القائمة ليحتل رصيفا أو يسند ظهره للحائط، المهم أن يكون المكان مناسبا للاسترزاق، ولكل واحد منهم طريقته وأسلوبه الخاص لكي يقنع الناس من أجل التصدق. هناك من يصطنع عاهة على حساب جسده !! من خلال تجوالنا رصدا لهذه الظاهرة، لاحظنا أن الكثير من المتسولين يعانون من عاهات تشفع لهم عند الناس، وتجعل حتى أكثر الناس بخلا يمنحونهم الصدقات. لكن البعض منهم يصطنع عاهة قد تكون خطيرة على جسده، لكنه لا يبالي المهم أن يكسب شفقة الناس حتى ولو كان ذلك على حساب صحته. وصفات طبية ووثائق هوية من أجل إثبات العجز ويلجأ بعض المتسولين إلى الحيلة باستعمالهم وصفات طبية ووثائق هوية وفي الكثير من الأحيان أوراق مكتوب عليها تقرير مختصر عن الحال حتى لا يكلف المتسول نفسه عناء الحديث. وإن نطق فإنه يتحدث عن الغبن والمرض دائما، وتجده يعدّد أمراضه من إصابة بداء السكري وضغط الدم ومرض القلب إلى السرطان والروماتيزم وغيرها من الأمراض المزمنة. والغريب في الأمر أنه يحمل وصفات طبية كثيرة يثبت بها كل هذه الأمراض! النساء أكثر سخاء من الرجال الكثير من المتسولين الذين التقيناهم يُجمعون على أن المرأة أكثر جودا وكرما من الرجل، لأنها ترغب في الستر، كما تمنح الصدقة تجنبا للسب والشتم الذي يلحقه بها المتسول إذا رفضت ذلك. لقد أصبح التسول مألوفا عندنا في الجزائر في شكل ديكور اجتماعي يزين الأرصفة و البنوك والمحلات التجارية وأمام أوضاع اجتماعية واقتصادية متردية وجدت الظاهرة طريقها نحو الانتشار وأصبحت مهنة يقتات منها الكثير دون وضع حساب لما يسمى بالكرامة وعزة النفس.