** ما المقصود بمحارم الله؟ وما معنى انتهاك محارم الله الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثوراً، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جَلِّهِم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: «أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها». * معنى انتهاك محارم الله في هذا الحديث الذي تسأل عنه: هو اقترافها بجرأة من غير حياء من الله ودون إحساس بالذنب، ومن ثم كان هذا الانتهاك نفاقاً محبِطاً للأعمال الصالحة، والنفاق هنا هو المخرج عن الملة ولا نجزم بإحباط العمل إلا لمن مات على الكفر والعياذ بالله تعالى، قال الإمام القرطبي رحمه الله: (والعقيدة أن السيئات لا تُبطل الحسنات ولا تُحبطها). وهذا الحديث وإن كان قد صححه بعض العلماء فإنه قد ورد فقط في سنن ابن ماجه، والمعجم الأوسط والصغير للطبراني، ومسند الروياني عن ثوبان رضي الله عنه، قال العلامة المزي رحمه الله في تهذيب الكمال: قال الطبراني: لا يروى عن ثوبان إلا بهذا الإسناد، تفرد به عقبة.اه. وحديث ثوبان رضي الله عنه حديث غريب لمخالفة ظاهره للأحاديث الصحيحة الواردة في غفران ذنوب المؤمنين الذين يستترون بها عن أعين الناس، ففي صحيح البخاري في باب ستر المؤمن على نفسه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى". والأصل أن الحسنات يذهبن السيئات لا العكس، لكن قبول العمل الصالح يتأثر بمدى إخلاص النية، وقد قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري: (أي يحرم ثواب عمله لأنه لا يثاب إلا على ما أخلص فيه، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأنه يقوي مذهب الإحباطية الذين يقولون: إن السيئات يبطلن الحسنات...اه)، وفي فيض الباري شرح صحيح البخاري تعليقاً على هذا الباب: (وحاصلها عندي: التحذير من الجَرَاءة على المعاصي، وأنه ينبغي للمؤمن أن يخاف من سوء الخاتمة)، وعلى ما ذكرنا نستطيع أن نميز بين نوعين من العصاة: الأول: مؤمن بالله ويعمل الصالحات ولكن غلبته شهوته وشيطانه حتى وقع في معصية، لكنه يحس بثقلها على قلبه ويمتلئ قلبه ندماً بسببها فيتوب منها، فعلى هذا النوع تحمل الأحاديث الواردة في التوبة على العصاة المستترين عن الناس بمعاصيهم. الثاني: يعمل الصالحات رياء ونفاقاً لكنه ينتهك حرمات الله تعالى في خلوته بسبب خصلة من النفاق في قلبه، فهو لا يستحي من الله، وليس في قلبه ندم المؤمن ولا توبته، وبالتالي فالأعمال الصالحة التي جاء بها جديرة بأن لا تكون خالصة لله وحده ولذا حبط عمله. والحديث الذي سألت عنه فيه تخويف شديد من عاقبة عدم الإخلاص لله وحده، وخطورة انتهاك الحرمات من غير إحساس بذنب ولا ندم ولا توبة، والله أعلم.