أنا أخشى الله ولكنني أعصيه، وأنا أخشى الطلاب في المدرسة وأبناء الجيران أكثر من الله، لا أخشى الله من كما أخشى أن يفعل بي شيئ من الطلاب وأبناء الجيران، وأنا خائف من هذا الأمر، فهل إذا ابتعدت عن الذنوب والمعاصي هل يعني هّذا أنني أخاف الله؟ الخوف من الله والخوف من الناس وما الفرق بينهما؟ - إن الخشية من الله تعالى رأس مال المسلم، وهي الوقاية العظمى للعبد من الوقوع في الذنوب غالبا، والمطلوب من العبد عند الغفلة وأسبابها الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والإقلاع عن الذنب والمعصية، ولم يقل أحد من المسلمين إن العاصي لا يخاف من الله، لكنه قد يغفل بالشهوة والمعصية. ومن رحمة الله تعالى بعبيده خفف علينا عند غفلتنا، ففتح باب التوبة وبابها مفتوح لا يغلق على العبيد إلا عند الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها، والله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين كما جاء في القرآن الكريم. أما بالنسبة للخوف من الناس، فإن الخوف من الناس أمر طبيعي جِبلي لكن الخوف المذموم منه هو الذي يحملك على مراعاة الناس والوقوع في المعصية، وأما الخوف منهم من حيث إنك لا تقع في ذنب أو خطأ فهذا ممدوح لا مذموم، ففرق بين الأمرين، ولكن الكمال أن تترك الذنب خوفا من الله لا من الناس ولا تجعل بعدك عن نظرهم سبب للوقوع في المعصية لأنك حينئذ مصر على المعصية ولكن تتركها أمامهم فقط، وهذا أمر خطير لأن الله قال في كتابه: "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا" النساء: 108. وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا”. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، قال "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها"، رواه ابن ماجة وقال المنذري: رواته ثقات. والنصيحة لك أيها الأخ الكريم، هي أن تلازم الخوف من الله تعالى والبعد من المعصية والحياء من الله تعالى والحياء من الناس ولعلك تفسر الحياء من الناس خوفا، لا بل هو أمر ممدوح من حيث إنه يمنعك من الوقوع في المعصية، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت” رواه البخاري. وجاء في شرح الأربعين (معنى قوله: “من كلام النبوة الأولى” إن الحياء لم يزل ممدوحاً مستحسناً مأموراً به لم ينسخ في شرائع الأنبياء الأولين.. وأن معناه ائت كل ما لم يُستحيا منه إذا ظهر فاعله، ونحو هذا قوله صلى الله عليه وسلم: “الحياء من الإيمان” معناه إنه لما كان يمنع صاحبه من الفواحش ويحمل على البر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من ذلك ويحمله على الطاعات صار بمنزلة الإيمان لمساواته له في ذلك والله أعلم)، وقد روى محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني؟ قال: “أوصيك أن تستحي الله كما تستحي رجلا صالحا من قومك”، فالحياء من الناس والامتناع عما حرم الله ممدوح من هذه الجهة، ولكن كون الإنسان إذا خلا بمحارم الله انتهكها هو المذموم، والله أعلم.