إن الله سبحانه لما اختار للمسلمين منهجاً قويماً يتعاملون به في حياتهم وفق رؤية شاملة متوازنة، إنما يريد تحقيق الوفاق بين مكونات شخصية الإنسان وجوانبه المتعددة، بين الجانب الجسدي والجانب الوجداني والعقلي، وبين الجانب الذاتي والبيئة الاجتماعية، فينبغي أن ينظر إلى هذه الجوانب ليس على أنها مجرد عناصر متنافرة، بل على أنها تشكل كياناً منتظماً متميزاً بالتناسق والتكامل والتوازن. ويقصد بالشخصية النظام الكامل من النزعات الثابتة نسبياً الجسدية والنفسية. والتوازن هو هدف الشخصية المسلمة، التي تؤمن بتنافر جوانب شخصية الإنسان. فالمسلم إذا اتزن في شخصيته تحققت وسطيته واستقامت حياته، التوازن الكامل في واقع الحياة إنما تعبر عنه شخصية المسلم الكامل في هذا الواقع، ومن هنا كان الجمع بين جوانب الحياة المختلفة وتكاملها وتوازنها ميزة شخصية المسلم، فكلما تكاملت جوانب شخصيته المختلفة تكاملت شخصيته واتزنت. إن الأحكام الشرعية ضمنت للمسلم منهج الوسطية في حياته إذا حرص على الالتزام بها من غير زيادة أو نقصان، فتحقق له غذاء الروح واطمئنان النفس وتوازنها، فأفضل الأعمال عند الله أدومها وإن قلت، وإن بالغ المسلم في التعبد قد يسأم ويدع العمل ويسلك طريقاً آخر يخرج به من الإفراط إلى التفريط ومن الشدة إلى التسيب، لذلك نصح الرسول صلى الله عليه وسلم متبعيه بالاتزان. وما أجمل نصح النبي صلى الله عليه وسلم بالقصد والاعتدال وسلوك مسلك التيسير في العبادة محذراً من الشدة في التعبد وآثارها السلبية على نفسية المسلم. ودعا صلى الله عليه وسلم إلى إعطاء النفس حقها من الترويح وبذلك يتحقق للمسلم التوافق النفسي وهو الإحساس بالرضا الذاتي نحو عمله وسلوكه في المجتمع الذي يعيش فيه وفق معايير الجماعة ومثلها واتجاهاتها وقيمها الاجتماعية. فالحفاظ على النفس مقصد ثابت من مقاصد الدين، لذلك دعا الإسلام الناس إلى أخذ نصيبهم من الدنيا من مأكل ومشرب وزواج وملبس ومسكن وكل ما يحتاج إليه الإنسان بحكم الغريزة والطبع. ولتحقيق الصحة الكاملة للإنسان أمر الإسلام بالاستجابة للمطالب الأساسية في الطبيعة الإنسانية بحكمة واعتدال. ولكمال صحة الإنسان أمر الإسلام بالاعتدال في التنعم بما خلقه الله من الخيرات وإشباع الدوافع والمطالب الأساسية، وحسن التصرف فيها وفق الحكمة والاقتصاد، لأن في عدم الإشباع الإحساس بالضيق والحرج والحرمان وقد تحدث بعض الأمراض والأعراض. وتحقيقاً لمبدأ الاعتدال منع الإسلام الإفراط في الشهوات والملذات، ولسلامة صحة الإنسان أمر الإسلام بالاعتدال في العمل مهما كان نوعه أو شكله، ونرى أن الإسلام يأمر المسلم بالاعتدال في تحقيق مطالبه الروحية والبدنية حتى تتحقق الصحة الكاملة وتنتظم حياته، والسعادة تتبع الاعتدال في الأمور كلها، فيحصل له نوع من التوافق مع ذاته يستشعر من خلاله الطمأنينة والثقة واحترام النفس.