لا يليق بك ألّا تحزن! من تأمل واقعنا وواقع أهل غزّة اليوم وجد أن الأثرة قد استحكمت على القلوب فهذه صورهم تنقل إلينا لحظة بلحظة وشدتهم وكربهم يحكيها لسان حالهم ومقالهم فهجمات العدوان الإسرائيلي ألقت بثقلها عليهم وأفقدتهم أساسيات العيش فلا غذاء يكفي ولا مكان يؤوي مع ما هم فيه من الخوف والظلم والقهر.. وتناقلت وسائل إعلام محلية روايات عن شهود عيان في مناطق شمال غزّة تتحدث عن بدء المدنيين بطحن الرمل مع التبن والأعلاف ليصنع منه الخبز في وقت يؤكد مدوّنون أن بعض المواطنين يتساقطون في الأرض من شدة الجوع.. من منا أحس بهم فجفاه النوم لأجلهم؟! فهذا سيد التابعين أويس القرني فيناجي ربه يشكو إليه عجزه عن إعانة إخوانه الذين أعياهم الجوع والبرد فيطلق عبارات رقراقة: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كبد جائعة وبدن عار فإنّه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري . وذكر الإشبيلي: أن علي بن الفتح خرج يوم عيد الأضحى فرأى الناس يضحون بضحاياهم وهو فقير لا دينار له ورأس ماله علو الهمة فانتحى جانبا وقال: يا رب وأنا تقربت إليك بأحزاني!. أي أحزان هذه التي يتقرب بها إلى الله في الوقت الذي يتقرب فيه الخلق بأضحياتهم وصدقاتهم وأموالهم؟!.. إنه ما قصد أحزانه الشخصية وهمومه الحياتية وحاجاته اليومية.. إنه قصد أحزان الأمة وهمومها أحزان أهله وإخوانه وأمته التي شغلت باله وملكت فؤاده وملأت نفسه واستدرت دمعه وأيقظت ليله وطال بها سهاده ولهج بالدعاء اللحوح بها لسانه. يا رب: وأنا تقربت إليك.. وهذا شعار يجب أن ترفعه وواقع يجب أن تعيشه ونشيد يجب ترداده.. ارفعه شعاراً في زمن النسيان والعقوق.. في زمن الذل والخذلان.. ارفعه شعاراً فلا يليق بك أن لا تحزن.. ومن ذا الذي يقوى على أن لا يحزن إن كان في القلب إسلام وإيمان؟!. يعلم الله أننا نتمزق ونتحرّق قهرا وهوانا.. وقلة حيلة. إخوان لنا على مرمى البصر يفعل بهم كلّ هذا.. ونحن لا نستطيع أنْ نحرّك ساكنا ما ألطفَ الله بنا!. فيا رب.. إن أعرض الناس جميعا وإن نسوا أو تناسوا أهل غزة فإنا نتقرب إليك بأحزاننا بآلامنا وضعفنا فتقبل يا ربنا أحزاننا وهمومنا.. وثقل بها موازيننا.. اللهم وارحم ضعفهم واجبر كسرهم وتولّ أمرهم يا أرحم الراحمين. انت المستعان وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك..