الدافع والخلفيات من تحرير الوعي إلى حتمية تحرير الإرادة بقلم: الدكتورة سميرة بيطام * ربما من عامين أو أكثر تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات لنشر الوعي أو ما يسمى معارك تحرير الوعي أو تحرير العقل من الركود الفكري والتصور الخاطئ للأشياء وللقضايا..ربما هذه المدة أو أكثر منها كانت كافية لأن يفهم جموع الناس وعامتهم بغض النظر عن نخبهم أن ثمة تغليط وتوجيه للفكر لعقود خلت نحو تضبيب مشهد الحقيقة وكتم بعض الوقائع التي نالت الحظ الأوفر من الأسئلة والاستفسار عن سبب وقوعها وعن التوقيت الزمني لها. كما يمكن القول أو الحديث عن بعض المظالم التي طالت أناسا أبرياء دون أن ينصفهم التاريخ أو ربما أنصفهم ولكن ليس بالقدر الكافي لحقيقة معاناتهم في مجتمعاتهم وقد كان لهم السبق في إرساء قواعد الحق والعدالة والنزاهة والصدق والمصداقية لكنهم بخسوا حقهم من الشكر والثناء والتقدير لأتعابهم سواء الفكرية أو النضالية أو الكفاحية عبر صفحات الأثير الحياتي . لقد كانوا كالشموع التي تضيء للتائهين طريقهم وتوضح تعقيدات الفهم على عقولهم ليستوعبوا حقيقة النهضة وشروطها ولماذا بالأساس تأخرت عن الظهور والتجسيد في أرض الواقع وكل معطيات النهوض متوفرة من أدمغة مفكرة وطاقات شبابية فاقت النسب المحسوبة لدى الدول التي تعاني الهرم في مكنونات مجتمعاتها ضف الى ذلك توفر الأفكار التي هي أرضية البناء والتشييد لكل ما جادت به قريحة علمائنا ومفكرينا الذين وهبوا حياتهم من أجل شرح الظاهرة التحولية التي كان منها المنطلق للتغيير لدى مفكرنا الراحل مالك بن نبي لكن القليل والقليل من لم يتعرض للتضييق الي عاناه الرجل ورغم ذلك ترك لنا ثروة هائلة احتار لها العقل العربي والغربي وراح ينهل من أفكاره ليدرسها ويحللها ويطبقها في نمو حضاراته حتى لو لم تكن تمت بصلة للاسلام كمحرك رزين لدوافع التغيير وأساسيات تجسيدها بين فئات المجتمع. فليس عجيبا اليوم أن نرى مجموعة من المبادرين يخوضون معارك تحرير الوعي من أجل التوضيح وإزالة الالتباس عن الناس والمضي قدما نحو رسم معالم التطور والانبعاث الحضاري الذي لطالما حلمنا به كمواطنين عاديين وكنخبة رفعت رأسها تتأمل الواقع المزري للأمة العربية والإسلامية التي لم تكد بالكاد تنهض من سباتها ولا من غفلتها لتعين الجريحة غزة على الأقل حتى توصف هذه الأمة بأنها قادرة لكنها في حقيقة الأمر ومنذ السابع من أكتوبر تاريخ انطلاق معركة طوفان الأقصى اتضح جليا أن هذه الأمة لم تكن لا بالمستعدة ولا بالقادرة على تحريك ساكن على حدود غزة وهذا أبسط مثال لمعرفة الدافع والخلفيات من معارك تحرير الوعي أو تحرير العقل والقلب من تراكمات الكسل والغفلة والجبن والخور وكل عوامل الضعف والجبن..سواء داخل الأوطان أو خارجها. *امة حبيسة التبعية اذا فمعارك تحرير الوعي لم تكن صدفة بل جاءت كضرورة وكحتمية لتكاسل دول ومجتمعات رضت أن تبقى حبيسة التبعية وانتضار الإشارة من الغير لتقول كلمتها أو لتعقد اجتماعاتها أو لتطور من أسلوب حركيتها وحياتها بصفة عامة ونحن نعي جيدا أنه لا خير في أمة لا تأكل مما تنتج ولا تلبس مما تصنع فقد أصبح حريا جدا أن يتغير لون الخطاب والمقال والتصور الى ضرورة الاعتراف بعدم الجاهزية والى ضرورة الجاهزية في نفس الوقت لأن العالم لن يرحم من الآن فصاعدا أمما لا تريد أن تنهض من كبوتها فالعالم اليوم صار مسؤولا وآمرا في نفس الوقت مسؤولا لأنه يضم دولا موزعة عبر قارات ومسؤولا لأن ثمة حرب انطلقت شرارتها وهي رهينة بركان آيل للانفجار بشظاياه ليعم المعمورة قاطبة لأن ثمة تنافس وثم رغبة في حماية الحدود والحقل والغنم والزرع و التراب والماء والصحة. فلا حيرة عن سبب هذا التحول العالمي ولما كل هذه الرهانات والتغيرات السريعة لأن ما هو مهم للطرح والوقوف عنده هو مدى فاعلية الدول العربية والإسلامية في مواجهة تيار الحرب القادم لا محالة ثم لماذا كان التصور منا لضرورة تحرير الإرادة كتكملة لمعارك تحرير الوعي وهل ثمة ارتباط وثيق بين الإرادة كمفهوم نابع من الرغبة والقرار وبين الوعي كمشروع عقلي وفكري ينأى عن كل التصورات التي تريد الميل به نحو ما يحقق مآرب شخصية لا تمت بعلاقة لفكرة النهضة أو التقدم . نعم لابد من تحرير الإرادة لتجسيد نتائج تحرير الوعي في الميدان وفي المؤسسات وعبر فصول السنة ضمن برامج التلاميذ والطلبة والأطباء والمهندسين والجيش والشرطة ليكتمل البناء وتتجلى صورته واضحة للعيان أن الدولة بالفعل قررت التقدم والنهوض حضاريا لكن كيف يكون تحرير الارادة وهل بمعنى التفرد يكون كافيا أم بمعنى المشاركة والاتحاد لرسكلة مشروع الأفكار وضمها لبعضها البعض ليكتمل منحى الموسوعة الحضارية الناطقة باسم أبناء الأمة الواحدة . فاذا رجعنا الى مقولة مالك بن نبي: أن جوهر المسألة هو مشكلتنا العقلية ونحن لازلنا نسير ورؤوسنا في الأرض وأرجلنا في الهواء وهذا القلب للأوضاع هو المظهر الجديد لمشكلة نهضتنا وانطلاقا من تحليل مالك بن نبي يكون للإرادة دور فعال في إعادة صياغة الأدوار والأفعال والأولويات لإعادة النظام في المجتمع فلا يكون فيه لا استبداد ولا تفاخر ولا احتقار أيا كان مضمونه بمعنى أن حتمية تحرير الارادة من الركون لوقف الحال وعدم التحرك تجاه المسائل الفوضوية وما يخرج عن المألوف من القيم والمبادئ يكون لزاما على أهل العقول المفكرة أن يوثقوا كتاباتهم بمقترحات وآليات تعيد للتوازن انضباطه وللعقل رشده وللفكر صفائه من شوائب التيه والخوف والجبن والتردد والغفلة والتواكل هي مجموعة مثبطات قيدت الإرادة وجعلتها لا تقوم بدورها الحقيقي في توجيه السلوك الوجهة الحقيقية لاحداث التغيير ولو بنصح بسيط في واجهة ما يبدو الاعوجاج فيه كامن. *سلوكيات طفيلية حقيقة يسود بعض الناس في تصورهم الأناني أن كل ما يعجبهم يمكن حيازته بلا ضوابط قانونية أو أخلاقية وبالتالي نعيش فوضى في نظام الحياة واحترام الآخر فيمكن صياغة القوانين من العرف التقليدي الذي لا يحترم العقل والفكر والأخلاق والنزاهة والاستقامة لأن ثمة دواخل من طفيليات تجاوزت الحدود من أجل تحقيق أغراض دنيئة أو تحقيق مكاسب بطرق غير مشروعة وقد لا يتدخل القانون لإعادة توجيه هذه السلوكات وضبطها بالردع الفوري فيصبح لعامل الزمن اذا تم توظيفه بنية تمرير أجندة الاعتياد الغير شرعي والغير مشروع ضمن مفترضات التقبل التدريجي له حتى يصبح قانون ولو لم يكن مقننا أو مكتوبا وما على الغير من الأغلبية الشعبية الا قبوله واحترامه وربما الخوف من التصدي له وفي خضم هذا الصراع الفكري تغيب المؤسسات أو تتغيب وهي من لها دور في التدخل لفرض العدل في المكتسبات والحقوق انطلاقا من العمران الذي نسكنه وصولا الى المكتب الذي نشتغل فيه . بمعنى عقيدة البعض تصبح مبنية على قناعة وجدانية فردية تمليها الرغبة الشخصية في حب التملك أو السيطرة او حيازة شيء بدون وجه حق ومنه كان لارتباط تحرير الوعي اتصال مباشر وفوري بحتمية تحرير الإرادة ليكتمل التفاعل الإنساني إزاء مشكلات الحياة فيسود العدل وتنتظم الأمور ولن نكون ساعتها بحاجة لا الى قانون ولا الى تدخل مؤسسات مادامت آلية الأخلاق مفعلة وتحرير الإرادة قد تم بالشكل الصحيح والعقلاني وهو دور العقلاء والنخب التي لها باع من العلم والمعرفة والتصور المنطقي للأشياء ليكتبوا ويوجهوا ويصححوا وعلى مستويات أخرى يتم اعتماد مقترحاتهم كبرامج عمل ضمن أجندات محينة تخدم الصالح العام بلا تهميش ولا تمييز ولا تسبيق لفئة على أخرى بل يكون معيار الأولوية هو العمل والرصيد الفكري والأخلاقي للشخص. وفي الختام يمكن القول أن العالم يتحول سريعا ومواكبة هذا التحول لن تتم بالآليات القديمة في الاعتماد على المؤسسات وما تقترحه الحكومات من استراتيجيات للتغيير فمنطلق التغيير هو شخصي قبل أن يكون مؤسساتي وعلى الأفراد أيا كان موقعهم فهم هذه الضرورة الحتمية في تحرير ارادتهم وتوجيهها للإصلاح والخير والنصح الصحيح بعيدا عن المشاحنات والكراهية وأسلوب التعصب والتمسك بالرأي الواحد وكلما كان الانفتاح على الحوار والتواصل متاحا بأريحية كلما كانت وتيرة النهضة سريعة وناجعة ومحققة للأهداف وللطموحات.