بقلم الدكتورة: سميرة بيطام* لعل الملاحظ جيدا لعبارة معركة تحرير الوعي سيعتقد في الوهلة الأولى أنها نزاع بسلاح لتحرير سجين أو مقيد أو ضحية لسجال ما أو ربما هي خصومة بين دولتين أو أكثر حول أمر متنازع فيه..فلا يتصور العقل البشري مدى روعة هذه العبارة لما فيها من ملامح التمدن والتطور والانتقال من حال الركود والفتور إلى حال النشاط والانفتاح على المحيط بكل ادارك إيجابي للحقائق دون شكوك أو تغليط أو تردد في السير في طريق التحرر من عبودية الاستعمار التي حتى وإن بدا للملاحظين أنه هاجر وغادر البلد المستعمرة الا أن المخلفات والأذناب والتوابع والآثار باقية وبقائها يمتد لسنوات ان لم تكن هناك إرادة فاعلة وشجاعة لإحداث القطيعة النهائية بين مفترضات هذا المستعمر كدخيل على بلدنا الجزائر وعلى بلدان افريقية أخرى وحتى البدء في التجرؤ للتدخل في شؤون الغير بأساليبه الوحشية لا شيء مستحيل في هذه الدنيا كلها مادامت الإرادة متوفرة ولنقل الإرادة السياسية طموحة لتحقيق بنود الأهداف المشروعة لشعب أطاح برؤوس فساد جنبا لجنب مع القرار الحكيم للقيادة العسكرية الواقع يتكلم مكاننا والنتائج بدأت في الظهور وقطف الثمار سيكون في أوانه هي سنة حميدة للشعوب الطموحة لأن تحرر نفسها من تبعية القوم الأعمى والطامع لثروات الغير... ومن هنا اقترن التغيير الإيجابي بسبق معركة تحرير الوعي التي يجب أن تمهد لهذا المشروع الحضاري والذي هو في طياته سيكون انبعاثا حضاريا أكيدا والجرأة لمن قرر فعلها دون إشارة من أحد أو من دولة ما. لماذا معركة تغيير الوعي؟: إن خطوات التغيير الإيجابي تبدأ برغبة أكيدة في قلب كل مواطن يرى أن الواقع الذي يعيشه ينقصه الكثير من الموجودات والتي هي في الحقيقة حاضرة وكائنة كينونة كبرى وظاهرة للعيان لكن ثمة مانع أو موانع تحول دون الاستمتاع بتلك الموجودات والتي هي حق للمواطن في وطنه معناه فيه. تساؤلات قائمة عن سبب المنع ور بما يكون مجهولا أو معلوما وتحقيقه يحتاج إلى ثورة مبادئ وقيم عليها أن تنشر في شوارع أي دولة تريد التحرر مثل ما حدث في دولة الجزائر في الحراك الأخير وعليه يعتبر هذا الحراك ممهد ومقدمة لمعركة تحرير الوعي وفواصل التوابع لا نتكلم فيها جملة وتفصيلا بل خطوة بخطوة حتى لا نضيع للمعركة حقها من التألق والإيجابية في عقل كل من يقرأ عنها الآن ولسنا نأخذ فكر الغير لنملأ سطورنا بل ننطلق من واقعنا الجزائري كونه خاض تجربة التغيير باحترافية الكل سواء جيش أو أجهزة أمنية أخرى أو شعب أو سلطة ممثلة في إرادة المشرفين على توليها لا نعيث خوضا عشوائيا فيما ليس لنا الحق التكلم فيه لأن معركة تحرير الوعي جديدة وتحتاج لفن وابداع في سرد فواصلها إلى أن تتجسد حقيقتها على أرض الواقع. وللإجابة على السؤال السابق لماذا معركة تحرير الوعي الآن لأنه لابد أن تكون فيه تكملة لكفاح الشعب الجزائري برمته الذي أراد احداثه في مؤسسات الدولة كاملة وعليه أن يكمل مراده على نحو آخر سيكون فيه مرة مسؤولا بالايجابية في التعاطي الفكري ومرة مدافعا عن سيرة وطن أراده العدو لا حدث ومرة أخرى قاضيا في أن يصدر أحكاما على من تسول له نفسه المساس بهذا الوطن المفدى وبالتالي معركة تحرير الوعي عليها أن تعلم الجميع أنه مسؤول أمام برنامج التغيير الإيجابي نحو الأفضل وأن هناك ممهدات لهذه المعركة وهي الحراك المبارك كما ذكرت آنفا ثم هناك رغبات يجب أن تحقق لهذا الشعب الأبي الذي عانى كثيرا وصبر وتحمل من أجل هدوء وسلام وطن حتى لا يخوض نفس تجربة الدول الأخرى التي للأسف اصطدمت ببعض الظروف التي حالت دون تحقيق تلك الاستقلالية في المطالب والنتائج وعليه فان توفر الحنكة السياسية لصانعي القرار وفي إرادة الشعب المستقبل لها في حد ذاته هو ممهد آخر ثم أرضية زرع المطالب والتي كانت عبارة عن مسيرات منتظمة بدقة وبلا مشاكل رغم وجود بعض الاختراقات لمحاولة افساد وتلويث تلك الأرضية والتي هي جزء من ميدان معركة الوعي الا أن السلام خيم على كل جمعة ثائرة فلا بد من تسمية الأمور بمسمياتها ووصفها الوصف الصحيح ولسنا ندعي في ذلك النجاح التام فيما نطرحه من أفكار ولكن على الأقل هي محاولة لتجديد الطرح وعدم الاكتفاء بالتصور المتكرر للأشياء وللمعطيات وللظروف. -الدوافع لخوض معركة تحرير الوعي : أكيد لكل مشروع ممهدات وخطة ومقدمة وبدايات ومؤكد أن لكل استراتيجية مشروع بدوافع تمثل السبب لخوض غمار أي تجربة حياتية شخصية أو مجتمعية أو سياسية أو اقتصادية وغيرا من المجالات ولنا أن نستصيغها دائما من تصورنا لأن أي معركة جديدة لا يجوز أن تتخذ لها من المؤلفات والروايات والكتب أحاديث ومواقف تطبق في ميدان المعركة وحتى لو كانت معركة قديمة أعيد بثها لاستخلاص العبر فلن يليق أبدا بمقام السرد استحضار ما قاله المبدعون في مجال المعارك والحروب والا فما فائدة أن يروى عطش القارئ بمشروب مكرر أو أعيد صبه مرات عديدة وعليه يمكن ادراج جملة من الدوافع لخوض معركة تحرير الوعي منها : *الرغبة الشخصية للمواطن والتي تصب في جموع رغبات الغير لتتوحد المطالب والأفكار وتصب في بوتقة واحدة وهي تحرير الوطن من تبعية الأقدام السوداء ومن تسببوا في جرائم ماضية في حق الأبرياء فالتاريخ لا يرحم ووحدها المعارك الفكرية من يعيد النصاب لمكانه الحقيقي مهما طال الزمن. *معاناة جموع الشعب من يوميات تتكرر بلا إحساس بنسق حياتي يتطور مع مرور الأيام والأشهر والسنوات لأن الخيرات والموارد لم تكن تمنح له مباشرة للاستفادة منها أو ليستفيد منها الوطن فيحصل ما يسمى النهضة الحضارية ومواكبة الدول المتقدمة في تطورها فما يبدو ما حققته البعض من هذه الدول أو معظمها لم يكن بعصى سحرية ولم يكن في نفس الوقت بالمستحيل بل هو نتاج واقع أحسن استغلاله من رؤساء هذه الدول بتواجد إرادة فاعلة حققت المعجزات وعليه لن يكون صعبا أن نعتبر محاولة التقدم والريادة دافعا أساسيا لخوض غمار معركة تحرير الوعي. *يعتبر التغيير مفتاحاً لخوض المزيد من التجارب في الحياة والحصول على فرص أكثر فالفرص الجديدة والتجارب الاستثنائية تعتبر مهمّة جدّاً للإنسان ليضمن تقدّمه المستمرّ وعليه أن يعرف مدى ملائمة هذه الفرص لتجربته الشخصيّة ومع مرور الوقت سيكون أقدر على اختيار الفرص والتجارب التي تناسبه وتناسب ما يقوم به في الحياة ليحسّن من أدائه دون أن يقوم بمخاطرات غير محسوبة انها سنة التفكير في عقل الانسان من تبث في نفسه روح التجديد والتغيير الإيجابي ولما تأتي الفرصة للتعبير على تلك الرغبة يجب استغلالها جيدا بكل مساحتها. *نحن مقتنعون أن الدماغ ليس هو اللاعب الوحيد في تشكيل سلوكنا ونشاطنا الجسمي والنفسي والانفعالي بل هو خادم مطيع لهذا العقل او القلب بقي أن نوضح الكيفية التي يستخدمها الدماغ وجهازه العصبي في صياغة ما يمليه عليه العقل من أنشطة بشكل عام والجوانب الانفعالية بشكل خاص و من هنا نفهم أن مركز إدارة معركة تحرير الوعي هو الدماغ ويجب أن يكون دافعا طاهرا من شوائب التغليط والمزايدات والتضليل ليكون مسار المعركة واضحا وبلا عراقيل تحول دون نجاحها في تحقيق أهدافها وهي تنوير العقل للحقيقة وللنور الرباني الذي حبانا به ما يجعلنا نروض عقول الغير في كل مرة تحاول الانفلات لأفكار قد تدخل الشك فيها وهنا يأتي دور النخبة التي عليها أن تتوسط حركة المجتمع وتنور مسار الفاعلين بطريقة حضارية صحيحة حتى تكون هذه النخبة في حد ذاتها دافعا نحو خوض معركة التغيير بلا خوف للنتائج أو للاحتمالات المفترضة. تنامي ظاهرة الرهانات بشكل ملفت للانتباه من خلال عملية الانتخابات الرئاسية التي تحدث على المستوى العالمي وهو ما ينبىء عن حركة جديدة للسياسة العالمية ومدى تأثيرها على باقي الدول التابعة والمتبوعة لسياسات هذه الدول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهنا يمكن اعتبار هذا التحول في الرهانات وتناميها دافعا قويا لخوض معركة تحرير الوعي لفهم ما يجري من حولنا واكتشاف الحقيقة التي تحاول الدول المتقدمة والتي تحمل فكرا استعماريا يتم اخفائها علينا ما يجعلنا نكون في حالة تأهب قصوى دائما لأي طارئ محتمل وهذا هو عماد نجاح السياسة الوطنية للخروج بأقل الخسائر أو ربما بلا خسائر بالمرة. *و أخيرا يمكن اعتبار سنة التغيير التي تحدث كل مئة عام دافعا خارجيا ولا اراديا من البشر يعني سنة انتضام الكون هي من تفرض هذا التغيير نحو الأفضل ليتحقق التوازن العالمي وتمنح فرص للدول السائرة نحو النمو لثبت جدارتها في كل الميادين حتى لا يبقى الأمر حكرا على الدول العظمى كأمريكا وروسيا والصين وتركيا التي تنتهج منهجا فيه الكثير من المغامرة للظفر بمنصب عالمي في المنافسة. لنصل في الختام إلى أن معركة تحرير الوعي ليست واحدة في الطريقة والخطة والنتائج فكل واحد يثيرها بحسب قناعته وشخصيا أثرتها كامتداد واستمرار وكحاجة الحراك ليحقق مبتغاه بطريقة مشروعة وسلمية وراقية وهو ما سيكون بإذن الله ما دامت الإرادة متوفرة ومشوار التحضر عليه ان لا يتوقف في المنتصف... ومادام الاحتكام للقانون وللأخلاق هما سيدا المعركة فلا خوف من النتائج المستقبلية بإذن الله. نكمل لاحقا..... يُتبع.. * مفكرة وباحة في القضايا الاجتماعية