بقلم: الدكتورة سميرة بيطام * ربما لاحظ المواطن الجزائري كشاهد أول أنه بعد الحراك في سنة 2019 ما شهده قطاع الصحة من تحول كبير فيما يخص نقص أو ان صح الواقع أن نقوله بكل شفافية غياب مظاهر العنف على مستوى المصالح الاستعجالية وحتى المصالح الاستشفائية . بالإضافة إلى نقص الإضرابات التي كانت تنظمها النقابات العمالية كمؤشر صحي لا يدل بالضبط على أن قطاع الصحة قد تخلص من مشاكله الحقيقية كلية والتي هي قيد التأرجح بين من يصنع التغيير في هذا القطاع الحساس وبين من ينفذ تلك التعليمات التي تُوجه تلط التطلعات الإيجابية على سلم مهني لا يعفي أحدا من مستخدمي الصحة من المسؤولية المنوطة به كفاعل في المجتمع الصحي داخل المستشفيات او في أي مكان آخر يرتبط ارتباطا وثيقا بالصحة. *بادرة خير قلنا غياب تلك المشاهد السابقة يعتبر بمثابة بادرة خير لأنها بقدر ما كانت تعبر عن احتياج المجتمع للأحسن والأفضل من خدمات وترتيبات للعلاج بقدر ما أعفت المواطنين من مظاهر سلبية لم تقدم لهم المطلوب لأنها كانت سلوكات للتنفيس عن الرفض لواقع صحي لم يرتقي بعد لمطامح ألفية جديدة غير سابقاتها. ولكن بداية الغيث قطرة وإصلاح القطاع لم يكن هينا كما يعتقده البعض رغم توفر الإمكانيات لأنه كانت ثمة معرقلات مدسوسة داخل الجهاز الإداري من بيروقراطية وتعسف وسوء استغلال للسلطة وتهميش الكفاءات وتحييد مبادرات الإصلاح حتى لو كانت فردية. ما يعني أن منطلق الإصلاح لم يُؤذن له بعد في تلك الحقبة الزمنية أو أن مطية التغيير لم تجد لها البنى الهيكلية التحتية الأساسية وبطبيعة الحال بعد جهود مبذولة ظاهرة كانت أو مخفية يمكن القول أن غياب بعض من مشاهد الرداءة كالعنف بأنواعه هو علامة صحية على أن المجتمع بات واعيا ومدركا أن التغيير لا يأتي باستخدام الأساليب التي هي في ما دون المستوى لأن ثقافة التغيير انطلقت حقيقة حين أدرك المواطن أن ارتياده للمستشفى هو للعلاج كحق كفله الدستور بلا مزايدات أخرى لا لأجل طلبه بأساليب غير حضارية لا تمت بصلة لقوامة مؤسسات وهياكل صحية بلغت اليوم مرحلة من تأسيس الرقمنة كآلية لتنظيم الخدمات الصحية ورفع مستوى الآداء. *مرحلة جديدة كما تعتبر الرقمنة مشروع حديث لتسريع وتيرة التشخيص وتنظيم التوجه نحو مختلف المصالح الاستشفائية ومراقبة مسار المريض من يوم دخوله للمستشفى إلى غاية خروجه طبعا لن نخوض في صعوبات هذا المشروع لكنه يعتبر لبنة من لبنات التغيير التي على الجميع التعود عليها لضمان استقرار الخدمة الصحية من كل جوانبها وحتى في تسديد آداءات العلاج التي هي بحاجة لمراجعة وضبط منظم خاصة للفئة التي تستحق المساعدة الاجتماعية تحت غطاء صحي. وبدخول الجزائر منذ السابع من سبتمبر مرحلة جديدة بعد آداء الاستحقاقات الانتخابية هو فرصة تجديد للثقة في شخص رئيس الجمهورية الذي أبدى تعهدا بتحسين المنظومة الصحية في مناسبات سابقة استحسنها موظفو القطاع باختلاف رتبهم والتي لطالما عانت الكثير في حقبات زمنية سابقة من أوجه مختلفة لمظاهر الفساد وتبديد المال العام وعدم صيانة الأجهزة الطبية وتأخير مستحقات العمال في المنحة الوبائية وكذا انتضار القوانين الأساسية التي هي بدروها لبنة أخرى لترسيم حقوق مستخدمي الصحة على نحو يضمن لهم مباشرة مهامهم بكل ثقة. طبعا لسنا نرسم مستقبل الصحة الجزائرية دون الانطلاق من الواقع الذي لا يزال يعاني نوعا من التأخير في المشاريع وربما هذا راجع لأسباب وجيهة مثل مخلفات جائحة كورونا التي كان لها التأثير الكبير في رفع مستوى المردودية في قطاع الصحة ولكن تم تخطي ذلك بتكاثف الجهود رغم بعض الخسائر البشرية بسبب ما تم تىسجيله من نقائص في مادة الأكسجين وغيره من المشاكل في التسيير ما يجعل المنظومة الصحية اليوم تستفيد من أخطاء الماضي وتستفيد من الأزمات الصحية الماضية حتى لا يكون التعثر لا مبرر له أو لا وجود لآلية لتحييده من طريق الانبعاث الحضاري. هذا المشروع الجديد القديم والمتجدد في مضمونه بملامح التغيير في الخدمات الصحية هو المشروع الآني اليوم والذي ينتظر اليوم التجسيد الحقيقي والشفاف بكل صرامة ودون أي اعتبار لفرضيات التأخير في الإنجاز أو التسبب بحجية تأخير الآداء المهني لأن الجزائر اليوم دخلت مرحلة جديدة من العمل والتجديد في صناعة القرار الأنسب الذي يضمن منظومة صحية تعتمد على معايير عالمية من أجل منافسة يطمح لها الكثيرون سواء من القطاع أو خارجه. العزيمة موجودة ومظاهر الرداءة بدأت تتلاشى ونستحسن خيرا في ذلك على شرط البقاء والثبات على وتيرة احترام كل مجهود يُبذل ومن أي عامل كان ولا يهم في ذلك المستوى لأن ما يهم هو تلك الصرامة والانضباط والعمل الجاد والمستمر وعدم تكرار أخطاء الماضي فالعبرة هي بثقة التجديد في المعطى العام للمنظومة الصحية الجزائرية من ضرورة التخلي عن سلوكات الماضي التي لا تمت بصلة لا للأخلاق ولا للعلم ولا لتطلعات مستخدميها والذين هم قدوة ونخبة المجتمع. فكيف نتصور اليوم أن تنافس الجزائر بلدانا رائدة في المجال الصحي ووتيرة النظر إلى المنظومة الصحية باقية على نفس شاكلة المطالبة فقط بالحقوق وارتياد منصات التواصل الاجتماعي لطرح المشاكل دون طرح الحلول المناسبة ودون الاستماع الجيد والتنفيذ الحقيقي لهذه المقترحات في أرض الواقع من الجهات الوصية. الجزائر انتقلت اليوم لفكرة تجسيد الانبعاث الحضاري فعلا وليس مجرد كلام الجزائر اليوم عازمة على التغيير الحقيقي والملموس والملاحظ فعلا بعيدا عن ايديولوجيات الاقصاء أو التهميش أو فرض منطق العمل الفردي دون اعتبار لمسألة التعايش المجتمعي قبل الاجتماعي لأن الخريطة الصحية اليوم ستتغيير لا محالة وعلى الجميع فهم ذلك جيدا أنه لا مجال لتضييع المزيد من الوقت والفرص وكل شيء متاح اليوم نحو انطلاقة رائدة تصل بالمنظومة الصحية إلى الوجهة التي يريدها الطموح الجزائري بغض النظر عن مستواه الفكري والعلمي فمن فاتنا في الإنجاز لم يملك عصا سحرية في يده بل وظف العلم والآخلاق والإخلاص والاتقان فوصل إلى ما أراد..فلنأخذ العبرة ولنعقد العزم بكل يقين أن أحلام الأمس هي حقائق اليوم ومنجزات اليوم هي مبادرات الغد ..بحول الله تعالى.