الآليات والأهداف تصحيح مسار الجزائر في قطاع الصحة بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* ان الحديث عن أي مسار لأي دولة سائرة في طريق النمو لهو حديث متشعب وله اتجاهات عديدة لكنها تصل في النهاية إلى ما يسمى تحقيق السيادة واللب الذي نعنيه في مقالنا هذا هو كيفية تحقيق السيادة الصحية في الجزائر من منطلق استمرارية مشروع الحراك كظاهرة صحية في مضمونها لأنها جاءت بعد ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة التغيير وربما الإصلاح لا يتفق مع ما يتصوره الجزائريون في أذهانهم لأنهم يحصرونه في توفير الأحسن والأجود ووضع الأكفأ في المكان المناسب..متناسين في ذلك الرهانات والتحولات الجيوسياسية الدولية عالميا. طيب مراودة فكرة تصحيح المسار في ذهننا لم تكن بدافع التسرب وسط الأفكار والاستراتيجيات والاقتراحات والتصورات التي تدفع للابتكار وللإبداع فغالبا أصحاب العقول المبدعة يتمتعون بخيال واسع يجعلهم يسبحون في محيط لا محدود من التفكير ولكن في مجال الصحة التفكير يجب أن يخضع لأساس علمي تقني قانوني اجتماعي لتستخلص عصارة المشروع المستقبلي في أي ميدان.. ونذكر أن مجال الصحة مرتبط بما تبنيه الدول الكبرى المهيمنة عالميا على صورة العالم اليوم وربما غدا مع أن المعطيات تحتمل التغيير والإلغاء والتطور..وحتى الإقصاء بفكرة الحروب الخفية والظاهرة . في تصوري أن بقاء المنظومة الصحية الجزائرية كما هي الآن دون أن يسعى أصحاب القرار إلى نقلها من الروتين والهدوء والاعتياد إلى نسق الحركية والتطور والسرعة في مواكبة التغيرات الصحية العالمية أقول العالمية وليس الإقليمية لأن الإقليمية أو القارية أو الوطنية ان هي اكتفت بهذه الحدود من التسمية فإنها ستظل راضية على ما هي فيه ولا تطمح في الأفضل والأرقى..لهو إجابة للمستقبل الذي نجهل معطياته لكن التحضير لأي احتمال واجب. فإذا كان ظهور منظمة الصحة العالمية جاء بسبب ظهور الأوبئة والأمراض المتنقلة بين البشر بدء بمرض الطاعون الدملي في العصر الروماني الذي راح ضحيته أكثر من 25 مليون انسان بدأ اهتمام الناس حول السياسات الصحية العابرة للحدود أين انتبه المختصون والأطباء إلى فكرة العزل بين المصابين وسايرت الكنيسة هذا التوجه بإنشائها للمستشفيات عبر قارتي أوروبا وآسيا ولكن حينما ظهر الاهتمام بالصحة العالمية كان الأمر مختلفا عما كان عليه سابقا بتصور مشروع المستعمرات الأوروبية في العالم الجديد وهو ما يجعلنا نساير الفكرة بنوع من الحذر والتخمين المتعمق حول ضرورة تصحيح المسار الجزائري في الصحة حتى لا يبقى رهينة لفكرة الاستعمار بشكل جديد وخطط جديدة ووسائل مغايرة تماما للوسائل التقليدية لأي مستعمر يستعملها في شنه للحروب هذه الحروب التقليدية هي التي جعلت الأطباء والمختصين الأوروبيين يتساءلون ويبحثون عن طريقة لحماية جنودهم من الأمراض المستوطنة وحتى العبيد المجلوبين من قارة افريقيا للخدمات الشاقة ومن هنا بدأت الجهود الأولى لمكافحة الملاريا ونشأ فرع للطب هو فرع المناطق الحارة كاستجابة للتحديات التي واجهت الأوروبيين في المناطق الاستوائية ومنذ منتصف القرن التاسع عشر بدأ وضع لبنات المؤسسات الصحية العالمية المهتمة بالصحة بعد انتشار الكوليرا في كل من أوروبا والمستعمرات فانعقد أول مؤتمر عالمي للصرف الصحي سنة 1851 وضم 12 دولة أوروبية وأنشأ الصليب الأحمر عام 1864 والمكتب الدولي للصحة العامة في باريس عام 1909 وأخيرا أنشأت منظمة الصحة التابعة للأمم المتحدة سنة 1920 ومع ظهور الأوبئة ظهرت منظمات إنسانية وخيرية ذات ميل للتوسع الرأسمالي إلى غاية 1948 دمجت هذه المنظمات في منظمة جديدة هي منظمة الصحة العالمية . فإذا كان هذا هو مسار انشاء منظمة الصحة العالمية التي تدير الأزمات الصحية العالمية اليوم بإشراف منها فلما لا تنطبق نفس الوتيرة على مسار الجزائر اليوم لجعلها مركز قوة صحية إقليمية ثم توسعية لتصير عالمية ما المانع أن تتطور المنظومة الصحية الجزائرية باستحداث نظرة مستقبلية مغايرة تماما لما هي عليه اليوم حتى نكف على فكرة التقليد والتبعية والرضوخ لمطالب منظمة الصحة العالمية التي في مسارها لم تكن قوية ولا مرتكزة على دعائم علمية نابعة من هيمنة العلم بل من الحاجة للاحتماء من خطر الأمراض والأوبئة و اذا كان هذا المسار هو فكرة جديدة مقترحة في ساحة الإصلاح لقطاع الصحة في الجزائر فما هي آلياته والبلد يعيش في ظروف قد لا تسمح للانتباه والتركيز على مثل هذا الاستحداث في نوعية المسار ومآلاته؟. بالعودة إلى تاريخ تموين منظمة الصحة العالمية ماليا نجد أن رصيدها المالي جاء عن طريق اشتراكات وتبرعات طوعية اذ أن نحو 70 بالمائة من هذا التمويل يحدد استخدامه من المانح مباشرة ما يجعل توجيه المنظمة وسياستها نحو المشكلات الصحية التي يفضل المانح الاهتمام بها بغض النظر على خبايا أي أزمة صحية ودوافعها وأهدافها لأن ما يهمنا في هذا المقال هو فائدة تصحيح المسار وهل الوقت مناسب لطرحه . لنقترح مجموعة من الآليات لتصحيح المسار الصحي في الجزائر : *إقحام الرقمنة في قطاع الصحة ومتابعة الحياة المهنية للموظف والعامل على السواء بما يحفظ الكرامة المهنية دون الحاق الضرر بها وربط المشروع بصندوق الضمان الاجتماعي لاقتطاع جزء الأعباء المالية وانشاء البطاقة المالية الخاصة بكل مستخدم للصحة في محاولة لرفع مستوى الاقتصاد الصحي باختزال التبذير وسرقة المال العام وتبديده في مشاريع وهمية او أقل تكلفة مما يصرح به في الفواتير والعقود المشتركة في جلب العتاد الطبي وبناء الهياكل الصحية..و لا ننسى أن تبديد المال العام أنهك المنظومة الصحية حتى لو لم يتم الكشف بعد عن قضايا الفساد فيها لكنها موجودة في عشرين سنة خلت سادت فيها الفوضى وسوء التسيير والتوجيه وغياب الابتكار والتحيين للمشاريع والمراقبة لها . *ضمن احدى الآليات المهمة إعادة مراجعة دور مؤسسات الدولة الصحية وتغيير تسييرها بجلب طاقات وكفاءات تقدم مشاريع جديدة ولا تكتفي بما يقدم لها من الوزارة الوصية ضمن مشروع تشجيع الطاقات الشبابية المتخرجة من معاهد الإدارة ومدرسة المناجمنت وكذا امدادها بفرص المشاركة في التظاهرات العلمية الجديدة ويمنع فيها التقليد أو السرقة العلمية لبحوث المشاريع الصحية. *مراجعة دور صيدال والصيدلية المركزية للمستشفيات وكذا مرافق المستشفيات وطرق التسيير فيها وإيلاء عامل السرعة والربح الوقتي أهمية لتتحقق الجودة الطبية والشبه طبية ضمن مناقشة تصنيع اللقاحات الخاصة بفايروس كورونا وما هي حصيلة هذا المشروع وربطه بالاستقلال التام عن الخدمات الأجنبية ونركز على عامل الابتكار والتميز لتكون الجزائر منطقة جالبة للاستثمار على مدى سنوات قادمة فما يهم الآن هو وضع الأرضية المناسبة واختزال الأضرار والمرافق التي تسند لها مهام تحيدها عن مهامها الأصلية كمخابر صيدال التي يجب ان تبقى محافظة على الإنتاج في مجال الأدوية في ظل رهانات تضع الجزائر ضمن شروط لا تطيقها أو تؤثر سلبا على استهلاك المواطن الجزائري للأدوية التي اعتادت الجزائر جلبها من الخارج . *إلغاء التبعية بالتدريج بواسطة التركيز على الإنتاج المحلي وكذا التشريع الوطني للقوانين فلا يمكن تصور قوانين فرنسية الأصل فيها المصلحة الجيدة للجزائر في ظل الأزمة الصحية التي يعيشها العالم خاصة أن فرنسا ظهرت برئيسها اليوم بمنطق تطوير الهيمنة على قارة افريقيا بما فيها الجزائر تزامنا مع حدث الانتخابات الرئاسية وهو ما يدفع بالجزائر لأن تحقق قطع تبعيتها بطرق ناعمة لإبعاد الضغوطات عليها ولتحقيق الاستقلال الصحي بنوع من المرونة نظرا لأن الظروف الآن وأسبقية الاهتمامات قد تؤجل نوعا ما فرضية تصحيح المسار الصحي لكن سترقى لأن تصبح ضرورة نظرا لما يشهده العالم من تغيرات. وما هو مقبلة عليه وزارة الصحة من مشروع تغيير المنظومة الصحية لا يقترب من فكرتي في تصحيح المسار لأن التصحيح يتضمن عمل الإلغاء وليس التبديل . *مراجعة أزمة كورونا مراجعة علمية واقعية من حيث كونها أزمة صحية من جهة ومن حيث كونها آداء سياسي مغلف بحماية أمن صحي وفي هذه المراجعة تكمن العديد من الفوارق والمتغيرات التي يجب التحفظ بها وهي التي من شأنها قلب الموازين طبيعيا ليأخذ التحول العالمي الجديد منحى آخر يعود سلبا على الدول التي رسمت أبعاده وخططت له من عقود زمنية طويلة فيختل ميزان القوى ليتحول من ظن كيانه قويا إلى ضعيف ومن اعتاد أن يظل ضعيفا إلى قوي..كل شيء جائز ويتوقف ذلك على مدى احداث عامل التأثير أكثر من التمثيل والتقليد . *الأهداف: لماذا تغيير مسار الجزائر في قطاع الصحة وليس في مجال آخر؟ بالدرجة الأولى لأن الهدف الأسمى هو أن الجزائر وضعت قاطرتها على السكة الجديدة بعد الحراك الشعبي وما فرضه من تغيرات في هرم السلطة ومؤسسات الدولة التي هي حاليا مستمرة في عملية التطهير لكل ما هو فاسد وفق القوانين والأعراف الإدارية فالهدف الأسمى هو تحقيق مشروع جزائر قوية وقطاع الصحة لابد أن يحظى بالاهتمام والعناية المادية والبشرية لأن رعايته هو حماية للأمن الصحي بصفة عامة و حماية الأمن الصحي موصول بحماية الأمن الغذائي والاقتصادي. *الهدف الثاني هو مسايرة التطورات والتغيرات العالمية بنوع من التحديث في طريقة التكيف في مكافحة الأمراض والفايروسات والأوبئة فالكل مرتبط ببعضه البعض لأن ما سيشهده العالم من أزمات اقتصادية حتما سينقل التأثير إلى قطاعات أخرى والأجدر أن يحاط قطاع الصحة بالتحديث اللازم لتحقق الدولة توازنها في برامجها الصحية وانفاقاتها المادية بما يكفل ميزانية معتدلة لا تتأثر بأي أزمة قد تطرأ فجأة . *تصحيح المسار هو نابع لتحقيق هدف دولة نظيفة بدون فساد أخلاقي أو مالي أو اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي وفي قطاع الصحة هو تحقيق منظومة قوية بعيدة كل البعد عن تصرفات وسلوكات الماضي بحذف ما يجب حذفه وتطوير ما يجب تطويره ولا دخل لمؤثرات العاطفة في ذلك فمثلا اذا كان تواجد نقابات عمالية كثيرة وهي لا ترقى لتحقيق طموحات مستخدمي الصحة فالأجدر الغاء من لا تفي بالوعود المهنية و هكذا السياق يأخذ مجراه في تىشجيع الأحسن والأكفأ وابعاد كل ما من شأنه أن يضر بقطاع الصحة وبمصلحة وحقوق المستخدمين وما سلوكات التسويف التي يشهدها القطاع في بعض القضايا لدليل على رغبة من لا يهمه تطور الجزائر في أن تبقى تابعة لا مستقلة وأن تبقى في مستواها لا أن تتطور وترتقي وأن تبقى برتبة الدولة التي يجب أن لا تفهم ولا تغير ولا تصلح خاصة وأن من يضمرون هذا التمني يعرفون جيدا ان الجزائر بها إمكانيات تحت الأرض وفوق الأرض وفي العقول وفي السواعد والقيد الوحيد المعطل هو التبعية ..وتصحيح المسار في قطاع الصحة حتما سيلغيها نهائيا مع الوقت لأن الخطوات الأولى هي الأصعب في اتخاذها ولذلك يفضل ان يبقى مفهوم الإنجاز فكرة إلى أن يصير مشروع ويتحقق كهدف. *من أهم الأهداف في تصحيح المسار في قطاع الصحة هو اقحام مشروع تثبيت الهوية بفرض اللغة العربية وتعميم استعمالها في المراسلات الإدارية والمحررات الرسمية من منطلق الحفاظ على الثوابت فبدون حفاظ عليها لن يتحقق قوة الشخصية الوطنية المتمثلة في كيان عربي مسلم يعتز بانتمائه وبكينونته الفطرية ومنه يلي تثبيت الهوية تقنين القوانين وفق مآلات استخدام الهوية كاعتزاز بالقيم وليس ثني للتجزئة فيها بالمناداة بها وعدم تفعيلها فتفعيل ما نريده وما نعتز به هو الظهور بالشخصية القوية التي نريدها ونرغب فيها وليس تلك التي تجزأ فينا طموحنا ورغباتنا.. فعلاقة ترسيخ الهوية بالصحة هو شرط مهم لتحقيق هدف تفعيل الأخلاق التي تعتبر عامل ضروري في عملية الانبعاث الحضاري ببعديه العلمي والعملي .