** ارتبط مصطلح الجهاد في الإسلام في أذهان كثير من الناس بالقتال وسفك دماء الأبرياء وترويعهم بغير حق حتى أصبح مرادفا في أذهان الناس بالإرهاب والتطرف فما صحة هذا الكلام؟ * بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فللجهاد في الإسلام صور متعددة، منها جهاد النفس وجهاد الدعوة، ومنها قتال الأعداء ردا لاعتدائهم، أو وقوفهم في طريق دعوة الإسلام، والجهاد في الإسلام بعيد كل البعد عن الإرهاب الذي يعتمد على تخويف الناس، وسفك دمائهم، وأخذ أموالهم بغير حق، ولا يعدّ الدفاع المشروع عن الأرض والعرض والنفس، ومجابهة الاحتلال من الإرهاب لا عرفا ولا قانونا ولا شرعا. وقد تناول المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء موضوع الجهاد ونفي علاقته بالإرهاب، وبعد استعراضه للبحوث والدراسات، وتداول المناقشات حوله خلُص إلى: أنّ النظرة الإجمالية الشمولية لنصوص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية تبيّن أنّ الأساس في علاقة المسلم بغيره هي علاقة الرحمة والمحبة والبرّ والتواصل والتعارف والتعايش السلمي والتضامن ومحبّة الخير والهداية للجميع، لقوله تعالى: (يا أيّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثِى) (الحجرات:13)، ولقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الّذِينَ لم يُقَاتِلُوكُم في الدّينِ ولم يُخْرجُوكُم مِنْ دِيَارِكم أنْ تَبرُّوهُم وَتُقْسِطُوا إليْهِم، إنَّ اللهَ يُحِبُّ المقْسِطينَ. إنما ينْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذينَ قَاتَلُوكُمْ في الدّينِ وأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُم وظَاهَرُوا عَلى إخْرِاجِكُم أنْ تَوَلَّوْهُم، ومَنْ يَتَوَلهَّم فأولئكَ هُمُ الظَّالمونَ) (الممتحنة:8 و9). ويرتبط بهذه العلاقة مفهوم الجهاد الذي أُسِيءَ فهمُه وتطبيقه في بعض الأحيان سواءً في الماضي أو الحاضر. وللجهاد معانٍ عدة منها: جهاد النفس بتزكيتها، والجهاد بالمال والقلم واللسان والعلم والتقنية، بل الجهاد بالقرآن نفسه، أي بإظهار وإبلاغ ما نزلَ فيه من الحق لقوله تعالى: (فلا تُطِع الكَافِرينَ وجَاهِدْهُم بهِ جِهِاداً كَبيراً) (الفرقان: 52). ومن الجهاد كذلك، الجهاد في ميدان المعركة، والذي يشار إليه في القرآن بلفظ "القتال" وذلك من أجل الدفاع المشروع عن النفس وردِّ العدوان، كما أجمع عليه الفقهاء، لقوله تعالى: (وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ الَّذين يُقاتِلونَكم وَلا تَعْتِدُوا، إنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ) (البقرة:190)، وقوله تعالى: (أُذِنِ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا وإنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:38 40). وقد أجمع الفقهاء كذلك على مشروعية الجهاد لمقاومة شتى أنواع الاضطهاد، مثل ما يسمّى ب"التطهير العرقي" والاحتلال العسكري لأراضيهم، وكذلك الاضطهاد الديني، لقوله تعالى: (وَقَاتِلوُهُم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَة ويَكُونَ الدّينُ لله، فإنْ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إلا عَلَى الظَّالمينَ) (البقرة:193)، وقوله تعالى: (وَقَاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتْنَة ويَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ للهِ، فإنْ انْتَهَوْا فإنَّ اللهَ بما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال:39). وهذا الصنف من الجهاد هو كذلك أمر وثيق الصلة بالحقوق المشروعة والإنسانية لسائر البشر وخاصة في عالمنا المعاصر، وفي كلتا الحالتين، دفعٌ للعدوان ووقفٌ للاضطهاد، ولا يكون القتال إلاّ آخر خيار بعد استنفاد الوسائل السلمية. كما أنّ للجهاد شروطاً وقيوداً صارمة على سلوك المسلم في ميدان المعركة، ومنها عدم إيذاء غير المحاربين المعتدين، وعدم تحطيم الممتلكات وترويع الآمنين، كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون. وقد أبطل الإسلام كل ضروب القتال من أجل تكريس المنفعة الشخصية، أو تكريس المجد القومي أو العرقي، أو الاستيلاء على أراضي وممتلكات الآخرين، أو القتال من أجل الإكراه في الدين وحمل الناس على الدخول في الإسلام، لقوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ في الدِّينِ) (البقرة:256) وقوله تعالى: (ولَوْ شَاءَ اللهُ لآمَنَ مَنْ في الأرْضِ كُلُّهُم جَمِيعاً، أَفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنينَ) (يونس: 99). وبذلك يتضح أنّ الجهاد في الإسلام لا علاقة له البتّة بالأعمال الطائشة التي قام أو يقوم بها البعض، والتي لم تُفْضِ إلا إلى المزيد من المعاناة وسفك الدماء. كما يتضّح أنّ الجهاد في الإسلام بشروطه وأحكامه وقيوده لا يمكن بحال أن يُدرج في إطار ما يسمّى اليوم بالإرهاب كما تشيع بعض وسائل الإعلام. فالإرهاب في المصطلح المعاصر هو: الاستعمال المنظّم غير المشروع للعنف، أو التهديد به، بقصد إزهاق الأرواح البريئة، كالاغتيال وأخذ الرهائن وتدمير الممتلكات وتلويث البيئة، من جانب أي فرد أو جماعة أو منظمة أو دولة. ومن أشد درجات الإرهاب هو الاحتلال بكل أشكاله، ولهذا فإنّ المقاومة المشروعة للاحتلال لا تدخل في إطار الإرهاب، كما استقرت على ذلك القوانين والمواثيق الدولية. ويذكّر المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء المسلمين الذين يقيمون في بلاد الغرب بصفة خاصة بالقيام بواجبات المواطنة، ومنها احترام القوانين والحفاظ على السلام والأمن العام والإسهام الإيجابي والفعاّل في تقدّم ورقيِّ وإصلاح مجتمعاتهم ودولهم، والالتزام بمقتضيات الشرع وواجبات المواطنة من حسن الجوار والتعايش السلمي والتعاون في الخير. ويلاحظ أنّ شروط وقيود استخدام القوة ينطبق كذلك على ما ينشب بين المسلمين أنفسهم من خلافات مذهبية وسياسية، فإنّ الأصل في ذلك هو الجهاد السلمي المدني الذي تكفله القوانين المعاصرة كالإضرابات والاعتصامات والمسيرات السلمية، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار القانون والصبر والمصابرة. ومن المعلوم أن استخدام العنف والقوة في تغيير الظلم أو المنكر تؤدي عادة إلى عكس مطلوبها، ومن المعلوم أنّه من قواعد النهي عن المنكر ألاّ يفضي إلى منكر أشدّ. لذلك ينصح المجلسُ الشبابَ المسلم بالإعراض صفحاً عن التحريض على اللجوء إلى سفك دماء الأبرياء والتعدّي على ممتلكاتهم واللجوء إلى أساليب الجهاد السلمي ومنها ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". وفي إطار هذه المفاهيم العامة يمكن فهمُ نصوص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة، والتي أساء البعض فهمها في الماضي والحاضر نتيجة لفصل هذه النصوص عن الملابسات التي أحاطت بظهور الإسلام وتكالب الأعداء عليه وعدوانهم على أهله. ويوصي المجلس بدراسة وفهم هذه القضايا بما تستحقه من أهمية مما يؤدي إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تخالف مجمل نصوص القرآن والسنة وتنتزع بعض النصوص من سياقها، وذلك بغض النظر عن شيوع هذه المفاهيم الخاطئة في الماضي والحاضر. * على المسلمين الذين يقيمون في بلاد الغرب بصفة خاصة بالقيام بواجبات المواطنة، ومنها احترام القوانين والحفاظ على السلام والأمن العام والإسهام الإيجابي والفعاّل في تقدّم ورقيِّ وإصلاح مجتمعاتهم ودولهم، والالتزام بمقتضيات الشرع وواجبات المواطنة من حسن الجوار والتعايش السلمي والتعاون في الخير.