هي مهنة يتجنبها الكثيرون إلا أن الظروف القاسية التي تمر عليها العديد من الأسر وانعدام فرص العمل جعلت منها مهنة متفشية في مجتمعنا بالنظر إلى امتهانها من طرف الكثيرات كونها مهنة أنثوية محضة، ألا وهي مهنة خادمات البيوت التي تتذوق منها الكثيرات-ودون تعميم طبعاً- الأمرين، وهي مهنة شريفة ولكنها في نفس الوقت مهينة لاسيما مع المعاملات القاسية التي تشهدها العديد ممن امتهنها من استغلال وهضم للحقوق مما حولها إلى مهنة تحمل العديد من المساوئ التي تشتكي منها الكثيرات بالنظر إلى الممارسات اللاأخلاقية التي يتعرضن إليها بكثرة ولم يسلمن حتى من التحرشات الجنسية والمساومات في تلك البيوت التي تخفي جدرانها العديد من الأسرار. نسيمة خباجة العينات التي هي من صميم الواقع والتي التقينا بها تبين لنا الصور البشعة والممارسات اللاأخلاقية التي تتعرض إليها البعض من ممتهنات تلك المهنة ببعض البيوت الجزائرية، وهي عادة بيوت تنتمي إلى الأسر الراقية الميسورة الحال من الناحية المادية والتي أبت إلا الاستفادة من تلك الخدمة في ظل تواجد من يقبلن بها وأجبرتهم الظروف على امتهان تلك الحرف التي على الرغم من أنها شريفة إلا أن البعض حولها إلى حرف مهينة بفعل السلوكات التي أضحت تطالها من البعض. نظرات احتقار مهنة خادمة بالبيوت مهما رحنا أو عدنا تبقى مهنة تطارد من امتهنتها نظرات الشفقة تارة والاحتقار تارة أخرى فمن تمتهنها في مجتمعنا لا تقوى على إعلاء رأسها وعادة ما تصرح بمهنتها بتثاقل ورأسها مطأطىء كونها تخشى رد فعل من حولها فهي مهنة دخيلة على مجتمعنا لم يُعرف امتهانها من طرف النسوة في الماضي لكن يبدو أنها تفشت في مجتمعنا بفعل الظروف الصعبة التي تعيشها بعض العائلات وقلة المداخيل وكذا فرص العمل لكنها تبقى مهنة متخفية وغير معلنة وعادة ما يلحقها التستر والكتمان خوفا من الفضح والكشف بين أفراد المجتمع. فكثيرا ما تخجل من امتهنتها كثيرا بنفسها في ظل النظرات الغريبة التي تلاحقها لاسيما وان مجتمعنا لا يتجاوب مع تلك المهن التي هي وليدة الاستعمار حتى هناك من رفضتها آنذاك، فما بالنا اليوم. اقتربنا من البعض لرصد آرائهم حول تلك المهنة ومدى تقبلها من طرفهم أو حتى السماح لأحد بنات العائلة بامتهانها فكان الموقف الرافض لها هو الغالب من طرف الكل منهم السيد عمر الذي قال أن مهنة خادمة هي مهنة حقيرة ويستكبر عليها الكل ومن تمتهنها تطالها نظرات غريبة في مجتمعنا تبعا للأعراف فأغلبية الأسر لا تقبل أن تمارس بناتها تلك المهنة وتلحقها الكثير من العيوب والشبهات وهي تحكم بالوجود الدائم للفتاة خارج المنزل فتصبح عضو في الأسرة الجديدة التي قد تتجرع فيها الأمرين حسب ما كشفه الواقع في الكثير من المرات وقد يلحق الأمر إلى المساومات والتحرشات ناهيك عن الاستغلال. نفس ما راحت إليه السيدة نورة التي قالت أنها لا ترضى بتلك المهنة حتى ولو ماتت من الجوع وأضافت أنها تأسف لما تعاني منه خادمات البيوت في الوقت الحالي بفعل الممارسات الطاغية ببعض الأسر الميسورة الحال والتي لا تحس بما يعانيه المحتاج وتضاعف من ماساته. هضم لأبسط الحقوق خادمات البيوت أثناء ممارساتهن لمهنهن الشاقة لا يتمتعن نظير ذلك بأبسط الحقوق وتزيد المعاملة القاسية التي يتعرضن لها وكذا الاستغلال البشع من مآسيهن كون أن هناك من البيوت من لا ترحم تلك الخادمات بدليل غياب ابسط حقوقهن فلا حق للراحة ولا حق حتى لزيارة الأهل كون أن الكثيرات ممن يمتهن تلك المهن يقطن بولايات بعيدة عن العاصمة ويخترن المدن الحضرية للبحت عن مصادر لاسترزاقهن واسترزاق عائلاتهن التي تتجرع ظروف قاسية في المناطق النائية المعزولة. خيرة، 26 عاما، هي واحدة من هؤلاء التي أجبرتها الظروف على امتهان تلك الحرفة المهينة تقطن بولاية المدية وتعمل لدى إحدى العائلات الغنية بالعاصمة ما إن بدأت تسرد حكاياتها حتى راحت الدموع تنهمر من عينيها بغزارة من شدة المعاناة التي تجرعتها ببيت المستخدمة لمدة أربع سنوات كاملة تذوقت فيها الأمرين هناك بحيث كانت تستغلها كالبهيمة ولا تنتفع ولو لساعة من الراحة هناك وكانت تقيم عندها ولا تزور أهلها إلا باختلاق الأسباب إلا أن القطرة التي أفاضت الكأس هي حادثة وفاة أبيها مؤخرا بحيث تجرأت تلك المرأة الشريرة حتى إلى منعها عن حضور مراسيم الجنازة وتذرعت بكثرة الأعمال في المنزل، ولم تمنحها سوى يوم واحد تذهب ثم تعود فيه إلى الأعمال الشاقة هناك وفعلا ذهبت تلك الفتاة وأخبرتنا أنها ستعود ليوم واحد تمنحها فيه تلك المرأة الطاغية حسابها الشهري ثم تلقنها درسا في الأخلاق وقالت انه الظروف ومستواها التعليمي المتدني هما من دفعاها إلى امتهان تلك الحرفة التي لا يتقبلها الكل . مساومات وتحرشات خادمة البيت هي الوسواس الذي يطارد ربة البيت بحيث تحوم حولها الكثير من الشكوك بصوب الزوج والأبناء من هم في سن الزواج، لذلك تذهب العائلات الثرية إلى اختيار نسوة عاديات وتفضلهن من كبار السن لكي لا يكن مطمعا للأزواج والأبناء وعلى الرغم من غاية هؤلاء في العمل لا غيره بعد وطأ تلك القصور الفخمة إلا أن مطامع كثيرة تحوم من حولهن وهي كلها ظروف أدت بالكثير من العائلات إلى رفض المهنة مهما بلغت درجة عوزها أو ظروفها المزرية التي بلغتها، بسبب التحرشات والمساومات وحتى المطاردات التي تلحق بالخادمات من طرف رجال البيت. هو ما تعرضت إليه الآنسة "م ز"، 30 عاما، بحيث أجبرتها ظروف عائلتها وقلة جاههم على الخدمة بالبيوت لاسيما وأنها غادرت مقاعد الدراسة في السنة الثانية ابتدائي وراحت إلى تلك السيدة التي وصلت إليها عن طريق معارفها وهي طبيبة وصلت إلى درجة من العلم لكن ذلك العلم لم يشفع لها في حسن معاملة الناس بدليل ما تجرعته محدثتنا على مستوى بيتها فكانت لا ترحمها وتنهرها وتسبها ووصل الأمر إلى حد ضربها إلا أنها المسكينة لم تجد الحل وبقيت عندها إلى أن بلغت معاملتها القاسية خطوطها الحمراء ووصلت إلى حد اتهامها باستدراج زوجها وأبنائها لربط علاقات معهم وأوسعتها ضربا في ذلك اليوم مما أدى بها إلى الفرار من ذلك المنزل ولم تأخذ حتى أجرتها الشهرية لذلك الشهر وكانت تلك نهايتها على الرغم من الثقة الواسعة التي يضعها فيها زوجها وأبنائها والتي رأتها تلك المرأة بجانب سلبي واتهمتها بالخيانة. غياب الحماية القانونية ما أدى إلى تأزيم الوضع لتلك الفئات هو غياب الحماية القانونية فعلى الرغم من الانتشار الواسع لتلك المهنة تعاني تلك الفئة من انعدام الحماية القانونية كون أن ليس هناك نص صريح في القانون الجزائري يحميها، وهو ما بينه الأستاذ "ن جمال" محامي لدى المجلس بحيث قال أن تلك الفئات غير مصرح بها وعادة ما تعمل في الخفاء خوفا من الكشف والفضيحة لأنها تبقى من المهن التي يتعالى عليها الكل إلا القليلون من استعصت عليهم الظروف المعيشية، وعدم وجود نص صريح أدى إلى تعرض هؤلاء إلى الظلم والاستغلال الوحشي وحتى التعرض إلى العنف اللفظي إلى جانب تأخر الراتب خاصة وان غالبا ما تبنى علاقة العمل على عقد شفهي غير موثق مما يسهل الانقضاض على هؤلاء، دليل ذلك متابعتهم في كل وقت في قضايا خيانة الأمانة في حال تعرض البيت إلى السرقة فأصابع الاتهام توجه للخادمة بحيث تتابع بخيانة الأمانة وتكون عقوبتها من 3 أشهر إلى 3 سنوات وقد ترتفع إلى 10 سنوات مع غرامة قد تصل إلى 20 مليون سنتيم. وغياب نصوص تقنن حرفهن وتدافع عن حقوقهن أدى إلى غياب الحماية القانونية فقانون العمل يخلو من مواد صريحة تقنن ذلك النشاط وتحدد علاقة الخادمة بالعائلة التي تعمل عندها فهي غير مؤمنة اجتماعية ولا يحق لها المطالبة بحقوقها لأنه عادة ما تبنى علاقة العمل على عقود شفهية بين الطرفين وفي ظل تزايد تلك الحرف وجب تدعيمها بقوانين صريحة تحمي تلك الفئة من الظروف التي تتجرعها.