كانت ولازالت فئات المنظفين التابعين لمصالح "نات كوم" من الفئات التي تعاني من العديد من المشاكل الاجتماعية خاصة وان هناك من ينظرون إليهم نظرة دونية تطالهم من جميع الجوانب على رأسها النعت الذي يلاحقهم في المجتمع أينما حلوا ألا وهو وصف "زبالين" وإذا تمعّنا في اللفظ نجد انه كان من الأولى أن يتم إطلاقه على من لا تطبع سلوكاتهم ممارسات حضارية، ومن يقدموا على رمي النفايات في كل مكان لا على من تقع على عاتقه مهمة تنظيف الأزقة والشوارع لتظهر في أبهى حلة. نسيمة خباجة إلا انه وللأسف اقترن ذلك النعت بالمنظفين وكان من الأولى تغييره بما يوافقه من مرادفات على غرار "صلاّح" أو "منظف" أو "حامي البيئة" ويحز في أنفسهم كثيرا ذلك اللفظ كما يحز في نفوس العديد من المواطنين الذين يتضامنون معهم ويحاولون بكل قواهم القضاء على تلك النظرة الدونية التي تلاحقهم من طرف البعض، فالمنظف مثله مثل أي عامل آخر فكل في إطار المهام التي أنيطت به وليتخيل الكل مآل الشوارع والأزقة في حال غياب من يمتهن تلك المهنة التي تبقى شريفة مثلها مثل بقية المهن إلا انه لا ننفي أن الكثيرين يبتعدون عنها ويفضلون البطالة على امتهانها وعلى العكس وحسب ما كشفه الواقع هناك من وصلوا إلى درجات من العلم وحملوا الليسانس وأبوا إلا امتهان تلك الحرفة ورفضوا الفراغ والبطالة الخانقين فمهما رحنا أو عدنا فالعمل هو عمل شريف يسترزق ممتهنه حلالا طيبا . صعوبات كبيرة لا يتعلق الأمر فقط بالنعت القبيح الذي يلاحق فئة المنظفين وإنما قفز الأمر إلى ما هو اخطر من ذلك لاسيما وأنهم فئات لا تستطيع التمتع بأغلب حقوقها الاجتماعية كغيرها من الخلق، ولنقف عند نقطة الزواج بحيث يعاني الكثيرون من ذلك الجانب كون أن الكثيرات يرفضن أن يربطن مصائرهن معهم لا لسبب لكون أن المهنة لا تشرف الطرف الآخر حتى ولو لم يكن متعلم، فالمستوى الثقافي أكيد انه يلعب دور في خطوة الزواج لكن إذا لحق الأمر إلى فئاتهم فان الأمور تتعقد أكثر فأكثر ولا ترضى بهم حتى من لم تطأ أبدا قدماها الفصول الدراسية لكونهم يحترفون حرفة "زبال" كما يطلق عليهم الجميع. وفي هذا الصدد اقتربنا من بعض المنظفين على مستوى بعض الأزقة والشوارع فوجدنا منهم الشاب والكهل والشيخ، وعلى خلاف العادة خاصة وان الشبان لم يكونوا في السابق يرضون بتلك المهنة إلا أن الظروف دفعتهم إلى امتهانها بعد التيقن من أنها مهنة شريفة مثلها مثل باقي المهن بل أهدافها نبيلة فالنظافة كما يعلمه الجميع هي من الإيمان والوسخ من الشيطان كما حث عليه نبينا الكريم، لذلك فالمهمة المناطة بهم لا يستهان بها أبدا وهي من بين الأولويات الواجب توفيرها في المجتمع. الشاب "س" 35 عاما، التقيناه بمنطقة رويسو، يقول انه امتهن المهنة عن قناعة ففي الوقت الذي نحن فيه وجب على المرء أن لا يتعالى عن أي مهنة فالمهم أنها ليست عيبا ولا حراما، ولو أن النظرات التي تلاحقنا فيها نوع من الازدراء تارة والشفقة تارة أخرى، وقال انه لا يقبل بالنظرتين معا فهم عمال كأي عمال آخرين في أي قطاع، بل أن مهمتهم أنبل في بعض الأحيان لاسيما في مجتمع انعدمت لدى غالبيته الأطر الحضارية في تحقيق نظافة المحيط بدليل انتشار النفايات في كل مكان وطالت الظاهرة المشينة حتى الطرق السريعة، ليضيف انه يمارس عمله بطريقة عادية بعد أن أمضى ثلاث سنوات في المهنة وهو متزوج وأب لطفلين وقال انه تزوج بابنة خالته التي عرفها وهو عاطل عن العمل وهي من شجعته على القبول بالمهنة بدل الجوع والبهدلة وأضاف أن يستريح كثيراً بعد أن يجتمع مع زوجته وطفليه في البيت ويطعمهم حلالاً، وهو حال أحسن بكثير من الفقر والعوز والعطل عن العمل. إذا كان محدثنا لم يجد إشكالا في عقد قرانه فانه المشكل ذاته الذي يعاني منه الكثيرون خاصة وان فتيات اليوم حتى غير المتعلمات لا يرضين أن يربطن مصائرهن مع شخص يعمل كمنظف خوفا من نظرات المجتمع وتعرضهن إلى الحرج هذا ما قاله "ع" شاب مارس حرفة التنظيف بعد أن سدت في وجهه جل الأبواب وبعد أن تغلغل فيها ندم عن السنوات التي ضيعها في الفراغ والبطالة بحيث مارسها عن اقتناع غير أن المشكل الذي يصادفه هو امتناع الفتيات عن الارتباط معه حتى أن خطيبته التي عرفته عاطلا عن العمل فضلت استمراره في البطالة على أن يمارس تلك المهنة مما أدى بها إلى فسخ الخطبة مباشرة بعد أن مارسها، تفاديا للحرج الذي كان من الممكن أن يطالها من العائلة والأهل والجيران إن هي استمرت وختم بالقول أن ليس ذلك السبب الذي يعترضه عن العمل وسيأتي اليوم الذي سيرزقه الله بابنة الحلال التي تتفهم الوضع فالعمل لم يكن يوما عيبا والعيب أن يبقى الشخص عاطلا ولا يحصل على قوت يومه فكما يقال في المثل الشعبي الشائع "الرجل عيبو جيبو" أي جيبه إن كان خاويا لا يملأه فلس واحد. مخاطر متربصة إلى جانب بعض العثرات التي تلاحق فئة المنظفين من الناحية الاجتماعية واستعصاء خطوهم خطوة الزواج كون أن الكثيرات وللأسف يرفضن الزواج بهم، هناك مخاطر كثيرة تتربص بهم عند القيام بمهامهم فعلى غرار الأوبئة التي يكونوا عرضة لها على مر الوقت تعترضهم أثناء القيام بمهامهم العديد من الصعوبات خاصة وان الكثير من المواطنين يفتقدون لثقافة تصنيف نفاياتهم فنجد أن كيس النفايات أكرمكم الله يمتلئ بشتى أنواعها دون أي تصنيف فمن المأكولات إلى الوسائل الحادة كالزجاج وشفرات الحلاقة والإبر والسكاكين وهي كلها نفايات تؤدي إلى المخاطرة بعمال التنظيف بعد حملها بأكياس بلاستيكية فكان من الأولى تزويدها بأوراق عادية أو أوراق جرائد لمنع خروجها من الأكياس، والواقع كشف أن العديد من عمال التنظيف تعرضوا إلى حوادث أدت إلى بتر أجزاء من أطرافهم خاصة وان تلك المواد عادة ما تملأها الجراثيم إلى جانب الصدأ ناهيك عن الروائح الكريهة التي يجبرون على تحملها بحكم المهنة الممارسة، وعن هذا قال السيد "م" انه بعد مضي 10 سنوات في المهنة وقف على الكثير من المواقف التي يندى لها الجبين كون أن العديد من الأسر تذهب إلى رمي كل النفايات مهما كان نوعها في كيس واحد دون أي تصنيف أو حساب للمخاطر التي تتربص بفئات المنظفين، ومن العمال من لا يكترثون بتلك الوسائل الحادة أثناء القيام بعملهم مما أدى بهم في الكثير من المرات إلى حوادث خطيرة، واستحضر معنا قصة زميله الذي وصل به الأمر إلى حد بتر أصبع قدمه بعد أن تعرض إلى وخزة مسمار صدئ أقعده عن العمل بسبب ذلك الحدث المفاجئ –يضيف- "ناهيك عن أمور أخرى نصادفها أثناء عملنا والتي لا يسع المقام لذكرها كلية وعلى الرغم من تلك الظروف تبقى أجورنا متدنية غير قادرة على تغطية كامل متطلبات حياتنا وحياة أسرنا ونبقى الفئة الضعيفة التي ليست لها الحق في المطالبة بحقوقها ويكفينا نعتنا بذلك النعت القبيح الذي نرفضه رفضا قاطعا ولا نطالب إلا بالقليل من الكرامة ونحن نقوم بأقدس مهنة التي هي من بين أساسيات الحياة الهنيئة".