تعالت في الفترة الأخيرة بعض الحناجر من جمعيات فرنسية تطالب باعتراف رسمي من الدولة الفرنسي بجرائمها المرتكبة في حقّ الشعب الجزائري إبّان فترة الاحتلال، وما أكثرها وما أبشعها تعجز الألسن عن وصفها، فمنذ دخولها الجزائر عملت على تطبيق سياسة التشريد والتقتيل فكان الهدف هو إبادة كل الشعب لاسترجاع أرض زعموا أنها كانت في الأصل ملكا لجدتهم روما، وهذا ما عبّر عنه ديبرمون في بيانه الموجه إلى الشعب الجزائري، حيث دعاه إلى التعاون والاستسلام وإلاّ فإن الإبادة ستكون نهايته، فما كان من الشعب الأعزل إلاّ الاستعانة باللّه والتشبّث بالقيم الروحية التي أعانته على الصمود ومقومة المغتصب بشتى الطرق والأساليب التي أتيحت أمامه على مرّ 132 سنة دون كلل أو ملل فليست ثورة أول نوفمبر لوحدها من صنعت هذا الاستقلال فكلّ المقاومات الشعبية والحركات الوطنية والأحزاب كلهم شاركوا على طريقتهم في صنع هذا الاستقلال· أمّا مطالبة فرنسا بالاعتراف بإبادة شعب أعزل لم يقترف إثما إلاّ أنه كان جزائريا، فهذا ما يعد بعيدا عن بعض الساسة الفرنسيين الذين يعانون من ضغط من طرف بعض بقايا الاستعمار القديم الذي لا زال يمارس السلطة في فرنسا، إلاّ أن الجزائر لا تحتاج إلى هذا الاعتراف ولا تسعى إليه، فكافة العوامل تبيّن دون الحاجة إلى كلام رسمي من السلطة الفرنسية عن جرائمها المرتكبة في حقّ الجزائريين. فعندما حضر الرئيس الفرنسي إلى الجزائر حمل في جيبه ختما اثريا جزائريا كان قد سُرق مع كل ما نهب من خيرات الجزائر ونقلت إلى فرنسا ومختلف البلدان الأجنبية، فهذا الشيء البسيط يعبّر عن اعتراف غير مباشر بأن فرنسا كانت تمارس النّهب والسرقة في هذه الأرض وتحول خيراتها إلى صالحها في أوطانها الأصلية. فهذا الوطن الذي لم يرد جنرالات فرنسا الاعتراف به في سنوات الاحتلال، فان المعاهدات الدولية المبرمة ما بين الطرفين قبل الاحتلال أي قبل 1830، والتي عددها فاق 18 معاهدة تؤكد أن فرنسا اعترفت بالجزائر وكانت تعاملها كدولة حقيقية لها مكانتها التي تؤهّلها لإقامة علاقات واتّفاقيات دولية مع المجتمع الدولي. فهل تناست فرنسا مبلغ الديون التي كانت عليها لدى الجزائر والتي فاقت 5 ملايين فرنك فرنسي؟ وللعلم فإنها كانت قروضا بدون فوائد إلاّ أنها غابت وتلاشت بمجرّد أن اختلقت قصّة المروحة التي لم تكن في الحقيقة حسب بعض المؤرّخين إلاّ وسيلة لصيد الذباب خاصّة بالداي·