هل يمكن الحديث عن منظو مة قانونية عند استحضار العدوان الفرنسي على الجزائر والدمار المعنوي والمادي الذي الحقه بشعبنا خلال 1584 شهرا و 47520 يوما، يمكن حسابها ايضا بالساعات وهي بالتقريب مئة واربعة وستون مليون وستة آلاف وثمانمائة وثمانين ساعة (1646880) من الظلم والظلام، كانت فيها الجزائر ملحقة استيطانية مستباحة للآلة العسكرية الفرنسية وطغيان الكولون وتأييد اغلبية من النخب في فرنسا. ولذلك نحن نفضل تسمية الترسانة التي استخدمتها فرنسا طيلة حقبة الاحتلال الكولونيالي الاجرامي: المنظومة القمعية العنصرية خارج القانون والشرعية، فكل ما يخالف مبادىء الحق والحرية والعدل لا يوصف بالقانون مهما كانت المبررات ومساحيق التجميل للتغطية عليه وتسويقه داخل فرنسا أو خارجها مثل مزاعم التمدين واقرار الأمن والتهدئة وغيرها من المفاهيم والمصطلحات الملغمة والمغشوشة التي تلغي الحق في الحياة والكرامة الانسانية في حقبة وسياق تاريخي وجيوسياسي التقت فيه الغفلة والاستغفال بالتواطؤ والانانية والحسابات القصيرة النظر في جوارنا الجغرافي وفي العالم. ينبغي ان نميز عند الحديث عن منظومة القمع الكولونيالية في الجزائر بالذات بين أدبيات فرنسا عن الحرية والمساواة والاخوة وكتابات ادبائها وعلمائها عن الكرامة الانسانية وبين ممارساتها الوحشية والتأييد المخزي من طرف نخبها الفكرية والادبية للإبادة والترويع في بلادنا من الكس توكفيل الى فيكتور هيغو الى لامرتين الى كامو والقائمة طويلة.. وبإستثناء قلة من الذين اعترضوا على وحشية الممارسات الفرنسية في الجزائر، فإن الأغلبية من النخب السياسية والفكرية الفرنسية ساهمت وايدت ودافعت عن جرائم الاحتلال من منطلق مجد فرنسا وطموحاتها الامبراطورية او لأسباب دينية عنصرية تمتد جذورها الى عصر الانوار وعند اشهر اعلامه : فولتير الذي اعتبر استعباد السود ونقلهم الي الغرب الاقصى (امريكا) عبر فرنسا امرا عاديا على الرغم من تنديده بالرق في مسرحية الزير التي كانت تمثل بحضوره في اماكن يقبع في اسفلها عبيد مكبلون بالاغلال (آلان غريتس العالم الدبلوماسية مارس 2008) : ازدواجية ام نفاق، ام مبادىء لا تنطبق على غير الاروبيين؟ لا حاجة للبحث عن جواب في سجلات الماضي، فقانون فيفري 2005 على الرغم من تعديل بعض بنوده، يكشف عن الغرور والتغرير والعزة بالإثم بعد ما يقرب من خمسة عقود من نهاية الصراع في صورته السابقة واستمرار سياسات الاختراق والإلحاق بوسائل اخرى لا يسمح المقام بالاشارة اليها. تقدم هذه الورقة لقطات سريعة من منظومة القمع الكولونيالية لا تستوفي آلاف الايام والشهور وملايين الساعات من معاناة شعبنا وتضحياته. طبقت فرنسا الدولة في بلادنا سياسة الارض المحروقة والابادة الجماعية وتفردت طيلة اكثر من قرن بشعب اعزل، ووحيد تخلى عنه الجميع، اما نتيجة الخوف من طرف دول تزعم منذ ذلك الوقت حرصها على حماية حقوق الإنسان والدفاع عن القيم العالمية للحرية والكرامة البشرية، يعرف شعبا اكثر من غيره مدى مصداقية تلك الشعارات البراقة التي لا تعني شيئا خارج حدودها وتتحول الى عكسها عندما يتعلق الامر بالهيمنة على الشعوب المستضعفة، واستنزاف خبراتها. وجدت فرنسا في جزائر بني مزغنة أمامها شعبا يرفض بطبعه الذل والخضوع ولا يعرف اليأس والخنوع، فقد كان على الرغم من الحصار المطبق عليه ينتفض على جلاديه كلما سنحت الفرصة بمعدل انتقاضة او اكثر في كل عشرية طوال تلك الحقبة المأساوية ما بين 1830 1919 المليئة بالمحن والإمتحانات حتى المجابهة الحاسمة، في الاول من نوفمبر .1954 الى جانب الآلة العسكرية المتخصصة في اساليب الابادة والرعب والدمار، فقد جندت فرنسا الكولونيالية جيشا اخر من المختصين في تزييف تاريخ الجزائر واستئصال كل رموز دولتها العتيدة وبث الفرقة والشقاق بين من كانت تسميهم الاهالي وغرس الاحساس بالدونية (INFERIORITE) والعمل على خلق لفيف من الاتباع المعادين لشعبهم والمتفانين في خدمة ادارة الاحتلال. هدف القيادات السياسية والعسكرية الفرنسية المتوالية هو اخضاع الاهالي واقتلاع جذور المقاومة وتحطيم معنويات الشعب، وبالتالي، فإن الذي يفلت من الموت بحد السلاح اوبالمجاعات والاوبئة والتشريد، يتعرض لتشويه من الداخل يوحي اليه بأنه تافه وحقير بسبب العنصر (RACE) الذي ينتمي اليه، وصغير جدا مقابل جبروت »الرومي« وتفوقه، اطلق خبراء الاحتلال على هذه المهمة اسم تجريد الاهالي من سلاحهم المعنوي (DESARMOMENT MORAL DES INDIGىNES) أي اجبار من بقي منهم على قيد الحياة على قبول الاذلال والعبودية. على العكس من كل الادعاءات الخادعة عن مهمة فرنسا التمدينية في الجزائر والادبيات المزورة عن حقوق الانسان التي تضمنها اعلان ,1793 فقد تحولت بلادنا الى ساحة مباحة للقتل المبرمج والدمار الشامل وذلك بعد اقل من اربعة عقود من ذلك الإعلان 1793 .1830 وفي هذا السياق، تشير معظم التقديرات الاحصائية لعدد السكان قبيل الاحتلال الى ان عدد سكان الجزائر كان يتراوح ما بين 3,5 و 5 ملايين نسمة، حسب احصائيات اوردها فاتان ولوكا (VATIN et LUCAS) في الموسوعة العالمية (Encyclopédie universalisa) سنة .1985 فإن عملية القمع والإبادة والتجويع والأوبئة اوصلت عدد السكان سنة 1891 الى 2,577,000 نسمة وثلاثين سنة من بعد ذلك 1891 لم يتجاوز عدد السكان 000,577,3 نسمة، ووصل سنة 1921 أي أكثر من تسعين عاما بعد الإحتلال إلى 000,923,,4 أما الأوروبيون المستوطنون، فإن عددهم كان يتضاعف حيث كان عددهم سنة 1847 حوالي 9000,10 ووصل سنة 1872 إلى 72000,,2 وفي سنة 1921 إلى 29000,,8 والملاحظ أن تواريخ التزايد تتناسب مع عمليات القمع والإبادة (الجدول رقم 1). يمكن القول بأنه من الإحتلال حتى هزيمته سنة ,1962 فإن فرنسا الكولونيالية قد حافظت على إستراتيجية ثابتة تقوم على محورين قد تركز على واحد منهما في مرحلة ما ولكن سياسة المدفع والإذلال المعنوي كانت هي الغالبة، كما عملت الكولونيالية على تفريغ الجزائر من السكان عن طريق المتاجرة بعرقهم وعضلاتهم في سوق العمل في المتروبول. الجدول رقم I: يبين أعداد المهاجرين بحثا عن العمل في فرنسا خلال ربع قرن 1914 1939 تعليق على الجدول رقم I: 1 إستندنا في الجدول والتعليق على دراستين أولهما للسيد عبد اللطيف بن أشنهو عن تكون التخلف (ص217) وثانيهما للسيد عبد الوهاب رزيق عن إعادة إنتاج الرأسمال الفلاحي في العشرينات من القرن الماضي، وهي أطروحة غير منشورة مودعة بمعهد العلوم الاجتماعية سنة 1976 (ص186 237). 2 بدأت الهجرة هروبا من القمع وطلبا للعمل في منتصف القرن الماضي، وحسب هندريك مويلمان (الشمال القسنطيني بين حربين)، فإن الموجة الأولى من الهجرة بدأت من منطقة زواوة (منطقة القبائل). 3 بالاضافة إلى الهروب من القمع، فإن السلطة الكولونيالية في الجزائر تواطأت بإتفاق ضمني مع المتروبول لإرسال يد عاملة رخيصة للعمل في إقتصاد الحرب أو لإعادة البناء بعد الحربين الأولى والثانية ضد ألمانيا. 4 يرجع التأرجح بين الصعود الكبير والإنخفاض الشديد في عدد المهاجرين إلى فرنسا إلى عدة عوامل منها: إستخدام الكولون لليد العاملة كورقة ضغط في التعامل مع الحكومة والباترونا في باريس، الأزمة العالمية في سنة 1929 و,1930 فرض الحاكم العام في الجزائر شروطا لإنتقاء المهاجرين مثل وضع ضمانات مالية واجتياز فحص طبي، ولكن هذه الشروط سرعان ما تلغى في بداية كل حرب ونهايتها. 5 ألحقت الهجرة خسارة فادحة بالمجتمع، فبالاضافة إلى النزيف البشري، فإن كثيرا من المهاجرين كانوا يبيعون ممتلكاتهم بأثمان بخسة للتمكن من السفر ولا يساعدون أهاليهم إلا بالقليل بسبب إنخفاض أجورهم، وبالتالي زادت من تبعية السكان مقيمين أو مهاجرين لرأس المال الفرنسي والربط الإستغلالي بين اقتصاد المستوطنة (الجزائر) واقتصاد فرنسا (المتروبول) في وقت مبكر، وقد وجدت القيادات المتعاقبة بعد التحرير صعوبة في التقليل منه وتنويع الشركاء الاقتصاديين، ولا شك أن للغة وبصمات المحتل السابق تأثير كبير على النخبة وحتى شرائح من الجمهور. ويتمثل المحور الأول في استراتيجية الاحتلال في شنّ حملات الإبادة والتشريد للتقليل من عدد السكان وللاستيلاء على الأراضي ومحاصرة من بقي على قيد الحياة من السكان في الأماكن القاحلة لتفتك بهم المجاعات والأوبئة والهدف من تلك المذابح المبيتة هو الإسراع بإنشاء مستثمرة إستيطانية (Colonie de peuplement) على غرار ما حدث في القارتين الأمريكية والأسترالية، (أعلنت الحكومة الأسترالية في بداية جوان 2008 عن التوبة والإعتذار للسكان الأصليين الأبورجين وتعويضهم عما لحق بهم خلال قرن من الاضطهاد والحرمان). لم تمض ثلاث عقود على الإحتلال حتى أصبحت الجزائر مقبرة مترامية الأطراف ووصل شعبها إلى أقصى حالات البؤس، وقد سجل الرحالة الألماني ''هاينريش فون مالتسان'' أوضاع الجزائر سنة 1863 في مشاهدات مؤثرة في كتابه ''ثلاث سنوات في غرب إفريقيا'' (ترجمة د. أبو العيد دودو)، يقول إنه ''رأى في كل النواحي التي مرّ بها من وهران إلى عنابة ومن تيارت إلى ورقلة خرائب من الطين يسكنها أناس شبه عراة أو يلبسون ثيابا بالية معظمهم في حالة جوع دائم وعلى حافة الهلاك''. وعلى الرغم من أن جيوش الاحتلال أبادت على الأقل حوالي واحد من كل ثلاثة جزائريين خلال 70 سنة من بداية الاحتلال وأثناء ثورة التحرير، ولم تتمكن بلادنا من إستعادة كثافتها السكانية التي كانت قبل الاحتلال إلا في نهاية القرن ال ,19 فإن العامل الديموغرافي لعب دورا إيجابيا في تلك الفترة البائسة من تاريخنا، حيث بقيت الجالية الأوروبية دائما في وضع الأقلية العددية ولم تتجاوز نسبتها إلى أهل البلاد الحقيقيين أكثر من (1 / 10) أو (1 / 12)، وهذا ما يفسر جزئيا هلاوسها ومخاوفها من البركان الوطني الكامن أحيانا والمتفجر في أغلب الأحيان. المحور الثاني للإستراتيجية الكولونيالية، فيتمثل في الاحتواء لما تبقى من الجزائريين بعد عمليات الإفناء وذلك عن طريق تحطيم البنية الإجتماعية والثقافية وتحقير العنصر والعقيدة الإسلامية لكسر شوكة المقاومة وانتفاضاتها المتعاقبة لمدة تزيد عن سبعين عاما. وترويض الجزائريين عن طريق الاستقطاب والتلويح بالإصلاحات وألاعيب الانتخابات المزيّفة والتخويف من عظمة فرنسا وجيشها الإمبراطوري الذي لا يقهر. عند الحديث عن محنة الجزائر أثناء الإحتلال، ينبغي أن نحاكم فرنسا من واقع مخطط الإبادة والاستئصال المادي والمعنوي لتحقيق هدفها الأصلي وهو جزائر من الأوروبيين وقلة من الأهالي الخاضعين، ويوضح الجدول رقم 2 الجرد التفصيلي لنوع العقوبات التي سلطتها سلطات الاحتلال على الأهالي طيلة ربع قرن فقط أي ما بين 1882 و,1907 (بعد تطبيق ما يعرف بقانون الأنديجينا) كما قدمها تقرير مؤتمر باريس لإفريقيا الشمالية المنعقد سنة 1908 وهو يوضح أيام السجن وقيمة الغرامة في مناطق البلديات المختلطة، والمتوسط لكل ألف من السكان أي نصيبهم من القمع الكولونيالي الذي اقتبس منه نظام الأبارتيد في جنوب إفريقيا القانون المعروف باسم (Group AREAS Act). غير أن مائة عام من القهر والتنكيل لم تركّع الغالبية الساحقة من الشعب الجزائري، وقد أدرك هذه الحقيقة قلة من المفكرين والساسة الفرنسيين، فقد لاحظ ''جاك بيرك'' عقب المهرجانات الضخمة التي أقيمت للاحتفال بمرور مائة عام على احتلال الجزائر ''أن الذين تقاسموا نشوة الانتصار من الرسميين والكولون لم يفكروا مطلقا في الوجوه العابسة حولهم وما سيكون عليه الحال بين مجموعتين من السكان تتجاوران في المكان، ولكنهما منفصلتان بهوّة عميقة من الذكريات المؤلمة وسوء التفاهم''. عند النظر في وقائع الاحتلال الكولونيالي الفرنسي للجزائر، طيلة السنوات والشهور والأيام والساعات التي أشرنا إليها سابقا يمكن استخلاص ما يلي: 1/ إن الاحتلال العدواني لبلادنا، والتواجد اللاشرعي لأقليته العنصرية من المستوطنين كان بالنسبة لشعبنا شرا كله، فرض حكم الأقوى أي اللا قانون الذي ينطبق على ما اعتبره الجنس الأسفل، وأما القانون فهو فقط لصالح الجنس الأعلى، وقد بقي لهذه الثنائية العنصرية آثار في أوساط النخبة والجمهور، فالفرنسي المعتدي هو في آن واحد عدوّ ونموذج يقتدى به وبنظامه السياسي ومرجعية للمقارنة بكل ما يحدث في الجزائر. 2/ انطلاقا من السجل الأسود والثقيل لفرنسا الكولونيالية في بلادنا وبدون أن نحكم على مستقبل العلاقات، فإن الدلائل ومنها المحاولات النوستالجية لتبييض جرائم الاحتلال وتمجيده في المدارس ووسائل الإعلام وغيرها.. لا يمكن أن ينتج عن الشر الأصلي عدل أو قانون على الإطلاق، فمن يطلع على مشاهدات الرحالة وبعض الباحثين النزهاء يتأكد من أن السيف والقبضة الحديدية هي القانون الأسمى أو على الأصح اللا قانون المخصص لأهل البلاد، وأما القانون، فكان لصالح المستوطنين الأوروبيين. 3/ ومن المؤسف أن كاميرات التصوير وأفلام المراسلين الإعلاميين لم تسجل حتى 10٪ من المذابح الجماعية والتدمير والتهجير وعمليات الإعدام والاغتيال وما كان يجري في المعتقلات الرهيبة، ومن المؤسف أكثر أن نصوص المسرح وسيناريوهات السينما لم تستثمر لحدّ الآن من التراث الشعبي (القصص والشعر الملحون) وشهادات قيادات الثورة ومناضليها السياسيين والعسكريين، بل لم تستفد من اعترافات الضباط والساسة الفرنسيين والاقتباس منها في أشرطة وثائقية بعدّة لغات. 4/ إذا كنا نحمّل فرنسا قيادة على أعلى مستوى وأجهزة أمنية وإدارية مسؤولية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي استمرت قرنا وثلث قرن، ولا يمكن بحكم القانون الدولي أن تطوي صفحاتها التي تقطر بدماء شهداء الوطن، فإن الدولة الجزائرية وشعبها الصبور والشجاع لا يكنّ للشعب الفرنسي أي حقد ديني أو عنصري، فقد كانت ثورته التحريرية الكبرى نموذجا للتسامح والمواقف الإنسانية، كما تشهد على ذلك نصوصها الاساسية وسيرتها الفعلية، ولكن التسامح وضرورات التعاون لا تعني أن يقبل الجزائريون دور الضحية الصامتة أو ينخدعوا بما يسمى بالبحث عن الذاكرة المشتركة التي يتحكم في وثائقها طرف واحد ويخصص مراكز بحث وبسلسلة من المؤلفات والأقلام تعمل على إشاعة مقولات ومفاهيم عن الجزائر تاريخا ومجتمعا تكاد تطغى على أكثر من جيل من الذين تعلموا في الداخل أو الخارج. لا يكون التعاون عادلا ومفيدا إلا إذا كتب المفكرون والمختصون الجزائريون تاريخ بلادهم منذ أقدم العصور إلى اليوم واجتهدوا في كتابة تاريخ فرنسا من وجهة نظر جزائرية كما يكتب ويصوّر الفرنسيون ماضي وحاضر الجزائر منذ أليكس توكفيل (1847) إلى بن يامين ستورا (2008) وغيره. والحقيقة أن كتابة تاريخ البلدان الأمبريالية مثل إسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة (منذ الحرب الأمبريالية الأولى) لم يحظ بالاهتمام في كل البلاد العربية على العكس مما قام به علماء الاجتماع والمؤرخون في الهند عن الامبريالية البريطانية وخاصة في جامعة نيودلهي. إن طموحنا أن تصل النخبة الوطنية في الأمد المنظور إلى الشروع في وضع فلسفة للتاريخ ورؤية جزائرية لتاريخ العالم بالأمس واليوم، وهو العمل الذي شرعت فيه إسرائيل منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بقرار من بن غوريون. إن ما يتطلب العناية والاهتمام من طرف نخبنا الوطنية المثقفة والمدركة لدوافع اللعبة وأهداف ورهانات الكولونيالية الجديدة، هو تزايد استقطاب شرائح النخب الجزائرية الغاضبة على كل أو بعض ما حدث بعد ,1962 وتسخيرها لتبني وجهة نظر أوساط متطرفة في فرنسا والنبش في ملفات ثورة التحرير لتشويهها وتحويلها إلى مجرد حرب أهلية وتعصّب ديني تحت شعار (اللّه أكبر) امتد كما يزعمون إلى التسعينيات من القرن الماضي، وإلى إرهاب يهدد فرنسا في عقر دارها، إلى غاية ذلك من المزاعم التي تأوّل الحاضر بإسقاطه على الماضي الذي وضع العدوّ مقولاته انطلاقا من إيديولوجيته الكولونيالية. ليس كل ما ينشره البعض من الجزائريين عن بلادهم ماضيا وحاضرا وما تروّجه أفلام وأغاني ومنشورات وراء البحر، من باب حرية التعبير والاجتهاد في التحاليل والتفسير، بل إن الكثير منه هو بإيعاز وتشجيع من أوساط نافذة هناك ولطلب الإيواء والشهرة. إن معارضة نظام الحكم أو الاختلاف مع بعض أو كل سياساته لا ينبغي أن يبدأ وينتهي بكراهية الوطن وإضعاف الدولة الجمهورية أعضم مكاسب الجزائر في العصر الحديث والبنت البكر لثورة التحرير، فما قبلها كان استعبادا ودراما وما بعدها بكل ما فيه طيلة 56 عاما من أخطاء واجتهادات في التدبير والتسيير هو أفضل بكل المقاييس، ولن نختلف في هذا الموقف عما نراه ونقرأه في أدبيات الثورة الفرنسية والأمريكية والصينية والفيتنامية.. التي لا يؤدي اختلاف الفرقاء فيها إلى السخط على الوطن والدعوة لإسقاط الدولة ورفض المبادئ الكبرى للثورة! قد يكون من المفيد أن تنظم وزارة المجاهدين بالاشتراك مع وزارات التعليم العالي والثقافة والاتصال سلسلة من اللقاءات الحوارية مع أولئك المثقفين انطلاقا من مسلمة مؤداها أن الوطنية هي الجامع المشترك لكل الجزائريين أينما كانوا، وأنها تزيد أو تنقص حسب ما نعلنه من أقوال وما نأتيه من أفعال، فإذا كانت فرنسا بجيوشها الجرارة وخبرائها في الفتنة والتفكيك من الداخل، قد فشلت في تحويل الثورة إلى حرب أهلية، فهل تنجح اليوم في تبييض سجلها الأسود وتجنيد نخب جزائرية لتبني الباطل والدفاع عنه وتحقير الجزائر عند الآخرين وفي نظر مواطنيها؟. ------------------------------------------------------------------------