تعيش الكثير من المؤسسات التربوية بولاية بجاية ظاهرة العنف المدرسي والتي بدأت تتنامى بشكل غير مسبوق، وهذا أمام استمرار غياب جمعيات أولياء التلاميذ أو أنها غير فاعلة في الوسط المدرسي، بشكل يساهم في مساعدة مسؤولي هذه المؤسسات وأساتذتها وحتى المعلمين، وهو الأمر الذي يجعل مستقبل قطاع التربية بالولاية أمام تحديات كبيرة تتطلب المزيد من التجنيد والسهر على الأقل للتخفيف من حدة المعاناة التي ما فتئت الأسرة التربوية أن تشتكي منها في السنوات الأخيرة. أسباب هذه الظاهرة التي هي ليست وليدة اليوم أو ليست وليدة العدم، لكن ظهرت إلى الوجود بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة خلال مرحلة أحداث الربيع الأسود، كما أن الأحداث الأخيرة التي عاشها الوطن جراء غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية، وارتفاع نسبة البطالة.. كل هذا كان له أثره السلبي على الناحية الاجتماعية، تخرر منها الشباب من الحوائل والموانع والقوانين بخروجه إلى الشوارع ومصادمته لأعوان مكافحة الشغب، أضف إلى ذلك غياب التكفل البسيكولوجي والنفسي للمتمدرسين الذين شاركوا أو الذين تم إقحامهم بصورة تلقائية دون وعي وتبصر خلال تلك الأحداث، والإشارة أن استمرار جر شريحة الشباب لقطع الطرقات وشل حركات المرور.. ستبقى هذه الظاهرة قائمة وربما ستتوسع في المستقبل القريب والبعيد، وهو ما يجعل المجتمع الجزائري أمنام تحديات كبيرة تتعلق بالجانب التربوي والتكفل الحقيقي وهذا لا يمكن أن يؤتى ثماره بعيد عن وضع رؤية تستمد حقيقتها من الواقع، وأخذ بعين الاعتبار كل المؤثرات النفسية والسلوكية التي ساهمت في بناء نفسية الشباب حاليا، ولعل الوقاية خير من العلاج، والحديث في هذا المقال يقودنا للكشف عن معاناة المؤسسات التربوية من ظاهرة العنف التي بدأت تأخذ أبعادا خطيرة، كما أنها تؤثر سلبا على السير العادي لهذه المؤسسات، وتظهر بشكل جلي بداية من المتوسطات إلى الثانويات، وأصبح اليوم التلميذ في الطور المتوسط أو الثانوي متحرر من عقدة الخوف، وأصبح لا يهاب الأستاذ ولا المعلم ولا الإدارة.. والسبب المباشر الذي علينا الالتفات إليه بشكل صائب هو غياب جمعيات أولياء التلاميذ التي أصبح وجودها شكليا وصوريا فقط وهذا رغم المساعي الحثيثة لإدارة المؤسسات التي ما تلبث تسعى لإقحام هذه الجمعيات بغية أن تلعب دورها المنوط بها حسب القوانين السارية المفعول، سواء في ترشيد المتمدرسين من جهة أو المشاركة في تطوير المدارس والمؤسسات التعليمية، ومسايرة تطور المجتمع بما يفر الجو المناسب لتنمية قدرات التلاميذ ليكونوا أداة فاعلين ومنفتحين على العلوم والتكنولوجيا على غرار ما يحدث في الدول المتقدمة، وأصبح العنف يشكل في الواقع جزء في حياة التلاميذ، فبدأ يتحول ليمارس داخل حرم المؤسسات وأيضا ضد الأساتذة والمعلمين، فسجلنا العديد من محاولات التعدي على الأساتذة وأحيانا اللجوء لاستعمال السلاح الأبيض وبعدم إطاعة الأوامر وعدم الامتثال للنظام الداخلي للمؤسسات التربوية، وهذا بدون شك هو بعينه عنف غير مقبول على الإطلاق فهو ينعكس سلبا على الحياة المدرسية، ويخلق أجواء لا تتناسب مع مبادئ التربية التي من أجلها هذه المدارس والمؤسسات، إن غياب أولياء التلاميذ على الساحة، يشكل أحدى العراقيل الكبيرة التي تواجه مسؤولي هذه المؤسسات وكذا القطاع، إذا لا يمكن الحديث عن تحسين المردود التربوي بعيدا عن نسج علاقة تربوية منسجمة ومتكاملة بين المعلم والمتعلم.