استغلت بعض العائلات في حي القصبة خلال الفترة الأخيرة خلاء بعض البيوت من أهلها المستفيدين من عمليات إعادة ترحيل بعدما هدمت بيوتهم وكادت تتسبب في هلاكهم للاستقرار بها، ولم يخش بعض الأفراد أن يلقوا حتفهم في هذه البيوت بل جازفوا بإعادة تهيئتها جزئيا خاصة من ناحية الشكل الخارجي، لتكون صالحة للعيش فيها وتناسوا في لحظات حاجة أنهم قد يعرضون أنفسهم وأهليهم إلى الهلاك·· حسب مصادر على مستوى مصلحة السكن ببلدية القصبة، فإن الظاهرة تعود لأزمة السكن التي تعيشها المنطقة، والتي تزداد تعقيدا بسبب استغلال بعض الأشخاص لخلاء بعض البيوت من قاطنيها فيستغلونها لعدم وجود مأوى آخر لهم وللاستفادة من جهة أخرى من سكنات قد توزع على المنطقة، فاختلطت الأمور على مصالح البلدية خاصة أن أغلب السكان المتضررين لا يبلغون عن هذه الأفعال والممارسات اللاعقلانية واللاشرعية لهذه الفئة من المواطنين، وبناء على هذا انتقلنا إلى بعض أحياء القصبة التي كنا قد سمعنا من قبل عن تهجم بعض الأفراد على بعض البيوت المتهدمة فيها من أجل السكن مع عائلاتهم، رغم كل المخاطر المحيطة بها· كانت أول وجهة إلى حي بئر جباح بأعالي القصبة، وهناك دلنا البعض على زقاق ضيق يحوي بيوتا تهدمت على أصحابها منذ أكثر من ثماني سنوات وقد تعرض بعضهم لجروح متفاوتة، لذا فقد تم ترحيل كل البيوت الموجودة في هذا الزقاق إلى منطقة رغاية، وبعد هذه الحادثة بفترة أقدم بعض الأشخاص الذين لهم صلة مع هذه العائلات إلى إعادة تهيئة بعض الغرف والدويرات للسكن فيها، حيث أن الظروف أجبرتهم على ذلك، كما صرحت لنا (ا·ب) التي رفضت في البداية استقبالنا وكان بها خوف كبير من زوجها الذي في الأصل كانت هذه الدويرة مستغلة من أهله وأقاربه وبعد ترحيلهم أقدم على الزواج والسكن فيها بعدما غابت عنه الحلول، وكالعادة في البيوت المتواجدة بحي القصبة المطبخ غائب تماما فقد تحول الرواق المجاور لغرفة النوم إلى ما يشبه المطبخ بعدما حوي الثلاجة والفرن وبعض الأواني، ولا مكان للشمس في هذه الدويرة بسبب الجدار الذي تهدم في الزقاق وكان سببا في ترحيل العائلات قبل ما يقارب 8 سنوات، وعن سؤالنا لهذه السيدة إذا كانت لا تخاف أن يتهدم البيت عليها وعلى أبنائها، أجابت وكأنها كانت غائبة عن هذا الاحتمال بأن زوجها أعاد تهيئة البيت كما أنهم لا يملكون ملجآ آخر ودخل الأسر بسيط جدا لا يكفي للبحث عن بيت للكراء· ودعنا هذه السيدة واتجهنا نحو شارع آخر وشارع حوانت سيدي عبد الله الذي هو عبارة عن حي متهدم بالكامل ويخيل للقادم من بعيد أن كارثة ما حلت على المكان وأنه خال من الحياة إلا أن الشارع لا زال إلا الآن ورغم هذه الحالة يحوي بيوتا تملأها الكثير من العائلات، إلا أن الوصول إلى هذه البيوت يستلزم من الشخص أن يتمتع بلياقة رياضية جيدة، إذ عليه أن يتسلق صورا يقع في وسط الحي ثم الاجتياز بهذا الصور المليء بالحجارة والنفايات ثم القفز على لوحة متشققة توصل مباشرة إلى زقاق آخر يحوي بعض البيوت التي في غالبها تشهد تهدما واضحا، إلا أن وجهتنا كانت لآخر الزقاق، حيث وضعت لافتة تعني أن لا وجود لمخرج بهذا الزقاق إلا أنه هناك بيتان متلاصقان في آخره، أحدهما كانت بادية عليه آثار التهدم بشكل كبير وفي الداخل استقبلتنا أسرة واحدة برحابة، أما الثانية فرفضت الإجابة واختفت عن الأنظار خوفا من اكتشاف أمرها وهي تظن أن البلدية لا تعلم بأمرهم، أما الأسرة الثانية فهي عبارة عن زوجين حديثي العهد بالزواج كما صرحت لنا والدة الزوج التي لا تسكن غير بعيد عن هذه الدويرة، وهي التي اقترحت على ابنها أن يقوم بالدخول إلى هذا البيت المتهدم والخالي من السكان من أجل إعادة تهيئته والزواج فيه، فلم يكن من الابن إلا أن تشارك مع أحد أصدقائه في عملية التهيئة ومن ثمة اقتسام هذه الدويرة التي تعد أكبر حتى من دارهم الأصلية، إلا أنها متصدعة تماما أكثر من الدويرة الأولى التي زرناها في بئر جباح، فحتى الخطوات في غرفها تشعر بها فأين الأمان من تهدم البيت على رؤوس أهله وزواره· هذه عينات صغيرة فقط من عائلات كثيرة سلكت نفس الطريق وجازفت بحياتها في بيوت الموت وهذا ما قالته لنا هذه الأسرة في حي حوانت سيدي عبد الله، فقد أعلمتنا ببعض الأحياء التي توجد فيها مثل هذه البيوت التي شهدت نفس عملية السكن من جديد رغم تهدمها وعدم صلاحية العيش فيها، معتقدة أنها من فئة الشطار الذين لم يضيعوا الفرصة من أيديهم بمجرد خلاء هذه البيوت من ساكنيها، ليحلوا مشكلة السكن من جهة ويستفيدوا من سكن وإعادة ترحيل من البلدية بعد أن ترى الوضع الكارثي الذي يعيشون فيه رفقة أطفالهم، إلا أنهم لم يفكروا أبدا أن الموت قد يلحقهم ويكون مصيرهم تحت الأنقاض قبل أن ينعموا بهذه السكنات·