* مشروع قانون لمكافحة التسول للحد من الظاهرة مع التوافد الكبير الذي تعرفه أغلب مقابر العاصمة يوم الجمعة، وفي المناسبات الدينية والأعياد خصوصا من طرف أهالي الموتى كعادة دأب عليها الأغلبية في ذلك اليوم، اعتادت المقابر أيضا استقبال زوار آخرين من نوع خاص، وهم المتسولون الانتهازيون الذين يغمرون مداخلها الرئيسية من كل جانب إلى درجة يستعصى فيها على الزوار الدخول، والأدهى في الأمر أنهم لا يقبلون كل الصدقات ويحبذونها مالا، فيما أن الكثير من العائلات تميل إلى التصدق بالمأكولات والملابس حسب مقدورها، وهو نوع الصدقات الذي لا يحظى باهتمام بعض المتسولين الذين لا يبرحون أماكنهم إلا بعد أن يتركوها مبعثرة هناك على قارعة الطرقات أمام تلك المقابر· تحقيق: نسيمة خباجة هذا الأمر الذي أدى إلى عزوف الكثيرين عن التصدق عليهم بعد أن تأكدت انتهازيتهم، كما باتوا مصدر إزعاج لزوار المقابر يوم الجمعة، ويستعصى عليهم الدخول في بعض الأحيان لزيارة موتاهم ويتدافعون مع هؤلاء لأجل الدخول بالنظر إلى العدد الهائل من المتسولين الذين باتت المقابر مقصدهم المفضل يوم الجمعة بحثا عن المال خاصة وأنهم لم تعد تهمهم تلك الصدقات الأخرى بدليل تركها هناك مباشرة بعد مغادرتهم أمكنتهم في ساعات متأخرة من اليوم، مستغلين نوايا التصدق على الموتى التي يحبذها أغلب المواطنين خاصة وأن الصدقة الجارية تنفع الميت كثيرا وتصل إليه، فراح هؤلاء ينتهزون الموقف بعد أن بات يصطف العشرات منهم أمام المقابر المنتشرة عبر أغلب نواحي العاصمة على غرار مقبرة بن عكنون وسيدي يحيى وقاريدي والقطار ومقبرة المدنية· مقابر أم أماكن للدردشة من المساوئ الناجمة عن تلك الظاهرة أن مداخل تلك المقابر تحولت إلى أماكن للدردشة والتحادث فيما بين المتسولات، مما أدى إلى انتشار الفوضى والصخب والضحكات المتعالية، بما يمس حرمة الموتى وينتهكها خاصة وأن تلك الأماكن كان من الواجب أن يطبعها الهدوء، بالنظر إلى طبيعتها فهي أماكن تذكر الناس بما ينتظرهم وتجعلهم يخشعون إلى الله تعالى، وعلى من يزورها أو يمر منها أن يدعو لهؤلاء الموتى بالرحمة خاصة وأن الكل ينتظرنا نفس المصير، إلا أن ما هو حاصل فيها حوّلها إلى أماكن للبزنسة وعقد الصفقات والسطو على جيوب الناس، ذلك ما يتجسد من الأفعال التي باتت تملأ مداخلها الرئيسية من كل جانب خاصة وأن تلك المداخل هي الأماكن المفضلة لاصطياد المتصدقين والتهافت عليهم هناك، بحيث نجد العشرات من هؤلاء المتسولين أغلبهم نسوة اصطففن هناك وهن متنكرات خاصة وأنه لا يظهر من ملامحهن إلا العيون لكي لا تكشف هويتهن، مما يجعل الكثير من الشكوك تحوم حولهن، ولا نسجل إلا الحضور القليل للرجال خاصة وأن آفة التسول في مجتمعنا يغلب عليها العنصر النسوي أكثر، مما حوّل تلك الأماكن إلى أماكن للتحادث والدردشة وإطلاق العنان للأصوات المتعالية بما يزعج الزوار، وهي أمور تتناقض مع طبيعة الأماكن التي كان من المفروض أن يطبعها الهدوء والخشوع والقنوط لله سبحانه وتعالى· من المقابر إلى أفخم السيارات تحولت المقابر إلى أماكن مفضلة من طرف هؤلاء المتسولين وأضحت مكانا لممارسة الحرفة التي طغت على مجتمعنا في السنوات الأخيرة حتى بات المحتاج الحقيقي لا يظهر وسط ذلك العدد الهائل من المتسولين مما يؤكد أنه بات حرفة لمن لا حرفة له من أجل الكسب السهل والسريع خاصة وأن المبالغ التي يوفرها هؤلاء لا يستهان بها وقد تفوق المدخول اليومي لإطار في الدولة· وفي جولة لنا عبر بعض تلك المقابر، على غرار مقبرة سيدي يحيى وبن عكنون، أكد لنا الحراس أن هناك من المتسولات من هن في حالة ميسورة بدليل الهيئة التي يكن عليها، وما استغربنا إليه ما سرده لنا حارس بمقبرة سيدي يحيى الذي قال إنه منذ عام تقريبا عجب لمتسولتين كانتا تخفيان ملامحهما ولا يكاد المرء منا أن يكشف هويتهما، خاصة وأن كل واحدة كانت تلف وجهها بطريقة محكمة لا تظهر منها إلا العينين وبعد أن تابعتا خطواتهما قليلا توقفت أمامهما سيارة حمراء ذات ترقيم أجنبي امتطتها المتسولتان المزيفتان، كما قال إن أغلب رواد تلك المقابر من المتسولين لا ترقهم بعض الصدقات على غرار الألبسة ومختلف أنواع الأطعمة التي يتركونها بأماكنهم بعد مغادرتها، وتقع على كاهل الحراس مهمة حملها وإعادة التصدق بها لبعض المحتاجين الحقيقيين الذين يصادفونهم بطريقهم إلى المنزل، ولم ينف أنهم باتوا مصدر إزعاج لزوار المقابر خاصة وأنه أصبح يستعصى عليهم العبور من المدخل الرئيسي للمقبرة بالنظر إلى تهافت هؤلاء على قاصديها للظفر بالأموال لاسيما وأن من المتصدقين من يحبذون التصدق بالمال· التصدق عادة لا جدال فيها التصدق على الميت من طرف أهله هو عرف دأبت عليه أغلب العائلات الجزائرية التي فقدت عنصرا عزيزا من أفرادها، مما يمهد الطريق لهؤلاء من أجل انتهاز الفرص فعادة ما ترفق العائلات بعض الأطعمة، على غرار الكسكس أو التمر أو الخبز التقليدي على غرار المطلوع أو الكسرى وتوزعها على هؤلاء المتسولين الذين يصطفون أمام المقابر إلا أن غاية هؤلاء ليس الحصول على تلك الأطعمة، وإنما من أجل الحصول على أموال ومبالغ نقدية يحققون بها المدخول اليومي الذي يطمحون إليه، إلا أن أغلب الأسر استمرت على تلك العادات في توزيع بعض الفواكه والأطعمة وترى أن تلك الصدقات هي مثلها مثل التصدق بالمال فكل حسب استطاعته· في هذا الصدد اقتربنا من بعض المواطنين على مستوى مقبرة القطار فقالوا الكثير عن تلك الظاهرة التي سطت على المقابر في المدة الأخيرة منهم السيدة نشيدة التي قالت إنه بالفعل بعض المتسولين يشترطون الصدقات ولا يعجبهم البتة تقديم بعض المأكولات أو الأطعمة وسردت لنا الواقعة التي صادفتها مؤخرا بمقبرة القطار، فبعد أن ناولت إحدى العجائز كيلوغرامات من التمر راحت تلك العجوز توزعها على بعض الأولاد هناك ولم تحتفظ به لنفسها مما حز كثيرا في نفسها خاصة وأنها نوتها لها بعد أن تأثرت لحالها مما أكد لها أن هؤلاء لم تعد تقنعهم إلا الورقات النقدية فحتى القطع النقدية لم تعد ترضيهم· الآفة تقفز إلى المساجد يبدو أن المتسولين المزيفين باتوا يختارون تلك الأماكن المقدسة التي تستوجب الهدوء وبعدها عن الصخب والفوضى، بحكم طبيعتها فبعد المقابر مالوا أيضا إلى المساجد وجعلوها مقصدا لهم في يوم الجمعة، بتوافدهم إلى هناك واصطفافهم عبر أغلب مساجد العاصمة من مختلف الفئات ويرفقون حتى أطفالهم ويحوّلون بذلك مداخلها إلى شبه روضات ويزعجون المصلين، فمن الأسواق الشعبية والأرصفة العمومية أضحت المقابر وبعدها المساجد الملاذ المفضل لهؤلاء بكل ما ينجر عن الآفة من إفرازات سلبية تزعج زوار المقابر وكذا الوافدين إلى المساجد بغرض التعبد والخشوع إلى الله تعالى، بحيث تكتظ المساجد يوم الجمعة بهؤلاء ويصطفون بمداخلها وعلى حوافها لطلب الصدقة، وأي صدقة، فهم يفضلون المال على شتى أنواع الصدقات الأخرى مما حوّل المساجد إلى شبه أماكن لتكدس الخردوات والملابس أمام مداخلها بما لا يتوافق مع قدسية الأماكن· وهي كلها ظواهر نجمت عن كثرة المتسولين في السنوات الأخيرة بعد أن باتت الحرفة المفضلة للبعض كونها أقل جهدا، ويتحقق بها الربح السريع والوفير، فمن ينقذ تلك الأماكن من الظاهرة التي باتت تهددها وانجرت عنها العديد من المساوئ· قانون مكافحة التسول··قريبا أشار وزير التضامن سعيد بركات في مناسبات سابقة، إلى أن التحقيقات الأخيرة التي قامت بها هيئته أسفرت عن إحصاء ما يزيد عن 489 متسول في العاصمة يوميا على مستوى 38 بلدية، من بينهم أطفال وأزيد من 150مسنا· وأكد الوزير، بأن ظاهرة التسول تقل في الأرياف، وبأن المتوسلين يحصلون ما بين 2000 و9000 دج يوميا، وبأن أعدادهم تتضاعف خلال فترات الأعياد الدينية وذلك أمام المقابر والمساجد، قائلا بأن القانون الجديد الذي سيتم تطبيقه لاحقا سيحد من الظاهرة· وأسفرت التحقيقات الأخيرة عن وجود شبكات منظمة ينشط في إطارها المتسولون، وهي تقوم بنقلهم يوميا وتوزيعهم أمام المساجد والمناطق المكتظة، وهو ما يتطلب ضرورة تضافر جهود الجميع لوضع حد لنشاط هذه الشبكات· وفي سياق متصل أحصت وزارة التضامن وجود ما لا يقل عن 720 ألف عائلة معوزة، في وقت تخصص الدولة 40 في المائة من الأغلفة المالية للتكفل بالفئات الهشة التي لا تلجأ للتسول لتلبية حاجياتها، إلى جانب تخصيص 320 مركز للمتشردين· وقال بركات بأن القانون الذي يحارب ظاهرة التسول سيدخل حيز التنفيذ قريبا وتشارك في إعداده ستة قطاعات وزارية، من بينها التضامن، وزارة الشؤون الدينية وكذا الأمن، وستطبق عقوبة السجن على من يتسول بطفله·